قراءة وتعريف

أثرُ السنَّةِ النبويةِ في تكوينِ العقليةِ العلميةِ
book
أحمد قوشتي عبد الرحيم
عنوان الكتاب: أثرُ السنَّةِ النبويةِ في تكوينِ العقليةِ العلميةِ
اسم المؤلف: د. أحمد قوشتي عبد الرحيم
الناشر: مركز إحسان لدراسات السنة النبوية
سنة الطبع: 1438 - 2017
عدد الصفحات: 215

التعريف بموضوع الكتاب

من الحقائقِ الثابتةِ التي لا يسعُ منصِفًا التشكيكُ فيها: وجودُ منهجٍ علميٍّ مكتملِ الأركانِ لدى المسلمين توصَّلوا إليه بجهودٍ فذَّةٍ مبهرةٍ، بريئةٍ من شبهةِ الاقتباسِ والتقليدِ للحضاراتِ الأخرى، وهذا الكتابُ يُلقي الضوءَ على شيءٍ من هذا المنهجِ متمثلًا في التركيز على أحاديثِ السنَّةِ النبويةِ؛ لكي يوضِّحَ كيف أوْلَتِ العلمَ أعظمَ اهتمامٍ ممكِنٍ، ووسَّعت مفهومَه، وكيف غرَست تلك العقليةَ العلميةَ المنهجيةَ في نفوسِ المسلمين بالعديدِ من الوسائلِ والأساليب.

وقد قسَّم المؤلِّفُ الكتابَ إلى مقدِّمةٍ وأربعةِ مباحثَ

شرحَ في المقدِّمةِ مقصودَه بالعقليةِ العِلميةِ، وأشار إلى أنَّ المقصود: تلك العقليةُ المنهجيةُ المنظَّمةُ التي تُعلي من شأنِ العلمِ وترفعُ مِن قدْرِه، وتُعَوِّل على الدليلِ والبرهانِ، ولا تُثبِتُ إلَّا ما قامت عليه الحُجَّةُ، وتسبُرُ كلَّ ما يعرِضُ عليها من آراءٍ وأقوالٍ.

ثم بدأ المؤلفُ بالمبحث الأول وعنْوَن له بالإعلاءِ من شأن العلمِ والحثِّ على تعلُّمِه وتعليمِه.

وأشار إلى أنَّه قد ورد في فضلِ العلمِ والأمرِ بتحصيلِه عشراتُ النصوصِ من القرآنِ والسنَّةِ وأقوالِ سلفِ الأمَّةِ، وأشار كذلك إلى أنَّ أدنى مقارنةٍ بين الإسلامِ وبين غيره من الأديانِ تؤكِّدُ أنه لا يوجدُ دينٌ أو كتابٌ سماويٌّ جاء فيه من الحثِّ على العلمِ والأمرِ بطلَبِه وتحصيلِه كما جاء في الإسلامِ من خلالِ مصدرَيه الأساسيَّينِ: القرآنِ والسنةِ.

ثم نبَّه إلى أنَّه لكثرةِ النصوصِ في هذا البابِ فسوف يكتفي بالإشارةِ فقط إلى ما يخدُمُ المبحثَ، وهو بيانُ العنايةِ الشديدةِ والإعلاءِ الذي لا نظيرَ له من شأنِ العلمِ وأهلِه، فكان ممَّا أشار إليه في هذا الأمرِ:

 - التنصيصُ الصريحُ على أنَّ طلبَ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، وذكر في ذلك قولَه تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]، وحديثَ ((طلَبُ العلمِ فريضةٌ))، ونبَّه إلى أنَّه مع الاختلافِ في قَبولِه ورَدِّه فإنَّ معناه صحيحٌ بلا ريبٍ.

- طلبُ العلمِ عِبادةٌ عظيمةٌ وقُربةٌ لا نظيرَ لها في الإسلامِ، وذكر في ذلك عددًا مِن النصوصِ، منها ((فضلُ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ)).

- تبلغُ أهميةُ العُلماءِ وعلُوُّ منزلتِهم إلى درجةِ عدِّهم ورثةَ الأنبياءِ، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ العلماءَ هم ورثةُ الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلمَ، فمن أخذه أخذَ بحظٍّ وافرٍ)).

وممَّا ذكره المؤلِّفُ كذلك من الأمورِ الدالَّةِ على فضلِ العلمِ: أنَّه الشيءُ الوحيدُ الذي أمر اللهُ نبيَّه أن يسألَه المزيدَ منه؛ قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اللهمَّ انفعْني بما علَّمتَني، وعلِّمْني ما ينفعُني، وزِدني علمًا، الحمدُ لله على كلِّ حالٍ، وأعوذُ بالله من حالِ أهلِ النارِ)). وغيرها من الأمور.
 

ثم كان المبحث الثاني وخصَّصه المؤلِّفُ لتحديدِ مفهومِ العلمِ وتوسيعِ مجالاتِه، وبعد أن ذكر عددًا من تعريفاتِ العلماءِ للعلم أشار إلى أنَّ أقربَ التعريفاتِ وأوجزَها للعلمِ هو (كلُّ معرفةٍ صحيحةٍ مبنيَّةٍ على الحُجَّةِ والبرهانِ)، ثمَّ ذكرَ عددًا من الملاحظاتِ على التعريفِ، منها:

- أنَّ هذا التعريفَ يتَّسمُ بالعموميَّةِ والشمولِ، ويصدُقُ على سائرِ العلومِ الشرعيةِ وغيرِ الشرعيةِ.

- أنَّ ثَمَّ قيدًا آخرَ في تعريفِ العلمِ لم يُذكَرْ، وهو النفعُ والإفادة، وعليه قسَّم العلمَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:

علمٌ صحيحٌ في ذاتِه وانتفع به صاحبُه، وهو العلمُ الممدوحُ في الكتابِ والسنَّةِ.

علمٌ صحيحٌ في نفسِه، ولكن صاحبُه لم ينتفعْ به، فكان وَبالًا وحجَّةً عليه.

علمٌ باطلٌ في نفسِه، كالسِّحرِ والكِهانةِ والنجومِ.
 

ثم المبحث الثالث وعنوانه: ترسيخُ مجموعةٍ من القواعدِ المنهجيةِ الضابطةِ لطُرقِ تحصيلِ العلمِ والمعرفةِ

وأشار إلى أنَّه من أبرز الجوانبِ التي لها صلةٌ بموضوع البحثِ؛ لِما لهذه القواعدِ من دورٍ مهِمٍّ في غرسِ النَّزعةِ العلميةِ وتخريجِ شخصيةٍ ذاتِ سمةٍ منهجيةٍ في كيفيةِ تلقِّي العلومِ والمعارفِ والتعاملِ معها، ونبَّه كذلك إلى أنَّ هذه القواعِدَ تُعدُّ نتاجًا إسلاميًّا خالصًا مُستقًى من المصادرِ الإسلاميةِ الأصيلةِ، ثمَّ أخذ في ذكرِ عددٍ من القواعدِ المنهجيةِ التي كان لها أثرٌ كبيرٌ في تكوينِ العقليةِ العلميةِ المُسلِمةِ، فمن هذه القواعدِ:

- ذمُّ القولِ بغير علمٍ، وعدمُ قَبولِ أي دعوى بلا برهانٍ مُعتبرٍ.

- ذمُّ الطنطنةِ اللفظيةِ الفارغةِ التي تزيِّفُ الحقائقَ وتصرِفُ الأنظارَ عنها.

- الدقةُ في استخدامِ المصطلحاتِ وإعادةُ تصحيحِ بعض المفاهيمِ الخاطئة.

- الأمرُ بالتفكُّرِ والتدبُّرِ في آياتِ الله.

- إزالةُ كلِّ ما يحولُ دون تحصيلِ المعرفةِ العلمية الصحيحةِ.

- ترسيخُ عادةِ الإتقانِ والإحسانِ لكلِّ فعلٍ.

- الأمانةُ العلميةُ والتأكيدُ على نسبةِ الأقوال لأصحابِها.

- الاستفادةُ من تجارب وخبراتِ الأممِ الأخرى حتى لو كانت كافرةً ما لم تتعارضْ مع أمرٍ شرعيٍّ.
 

أما المبحث الرابع والأخير فقد خصَّصه المؤلفُ لعرضِ أخلاقياتِ العلمِ وآدابِه.

وهو الأمرُ الذي يعدُّ من أبرز الجوانبِ التي يتميَّزُ بها الإسلامُ عمَّا سواه من الأنظمةِ، ثم أشار إلى أنَّه من الصعب حصرُ الآدابِ التي يتوجَّبُ على طالب العلمِ مراعاتُها والتحلِّي بها، ومن ثم اكتفى المؤلِّفُ بالإشارةِ إلى أهمِّ تلك الآدابِ بصورةٍ وجيزةٍ:
 

فممَّا ذكره المؤلفُ من آدابٍ:

- إخلاصُ النيَّةِ لله تعالى؛ فالنيَّةُ هي ركنُ العملِ ولُبُّه، وعليها المعَوَّلُ الأساسيُّ، وإذا فقَد العلمُ الإخلاصَ انتقل من كونِه أفضلَ الطاعات إلى أن يصيرَ أحَطَّ المخالفاتِ، ومن أدلة ذلك قولُه تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى اللهِ ورسولِه فهِجرتُه إلى اللهِ ورسولِه، ومن كانت هجرتُه لدنيا يصيبُها، أو امرأةٍ يتزوَّجُها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه)).
 

- المنهجيَّةُ في الطلبِ ويُقصَدُ بها: الطريقةُ أو الخطَّةُ المنظَّمةُ ذاتُ الخطواتِ المتدَرِّجة لتحصيلِ فنٍّ علميٍّ ما، أو مجموعةٍ من الفنونِ، وذكر من النصوصِ التي تدُلُّ على هذا الأمر قولَه تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106]، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّما العلمُ بالتعلُّمِ)).
 

- الأدبُ في التعاملِ مع الأستاذ والكتُب ورفاقِ الطلبِ، فيجبُ على الطالبِ أن يراعيَ سلوكَ الأدبِ مع أستاذِه، وأوَّلُ ذلك أن يوقِّرَه ويُكرِمَه، وقد قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس منَّا من لم يوقِّرْ كبيرَنا ويرحَمْ صغيرَنا))، ومن الأدبِ مع الكتُبِ أن يحسِنَ التعامُلَ معها بأن يعتنيَ بتحصيل المحتاجِ إليه منها، وأن يحافِظَ عليها فلا يُعرِّضها للتَّلفِ.
 

ثم تكلَّم عن الآفاتِ التي يجبُ أن يتجنَّبَها العالمُ والمتعَلِّم، فكان مما ذكره:

- عدمُ الإخلاصِ أو تعلُّمُ العلمِ لغير اللهِ.

- فقدُ الخشيةِ وعدمُ العملِ بالعِلمِ.

- التعالمُ الذي هو ادِّعاءُ العلمِ والمعرفةِ، وتشبُّعُ المرءِ بما لم يُعطَ، وبيَّن أنَّ هناك الكثيرَ من مظاهرِ التعالمِ، ومن أبرزِها التعالمُ في الفُتيا بالاجتراءِ عليها، وفي التحذيرِ من ذلك قولُ رسوِل الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((من أُفتيَ بفُتيا غيرِ ثَبتٍ، فإنَّما إثمُه على من أفتاه)).