قراءة وتعريف

عقوبة المُرتدِّ في الشَّريعة الإسلاميَّة، وجواب معارضات المنكِرين
book
محمد براء ياسين
عنوان الكتاب: عقوبة المُرتدِّ في الشَّريعة الإسلاميَّة، وجواب معارضات المنكِرين
النـاشـر: مركز تأصيل للدِّراسات والبحوث - جدة
الطبعة: الأولى
سنةالطبع: 1435هـ
عددالصفحات: 175


التعريف بموضوع الكتاب:
تُعدُّ عقوبة الرِّدةَّ من العقوبات الشرعيَّة التي كثُر فيها الجدل, وعلا فيه الصَّخب في هذه الآونة, ومع أنَّها ثابتة بالكتاب والسُّنة وإجماع الأمَّة، إلَّا أنَّه وُجِد من ينكرها, ويحاول إلغاءَها؛ إمَّا بالطعن في مصدرها كحُكم شرعي، بالزعم أنَّ القرآن يخالفها, وإمَّا بالاستدلال بآيات من القرآن تدعو إلى حريَّة الاعتقاد المنافية لها, أو بالطعن في الأحاديث التي تنصُّ بوضوح على ثبوتها، أو تأويلها، أو غير ذلك من السُّبل والطُّرق التي مؤدَّاها إنكارُ هذه الشريعة الثابتة!
وكتاب هذا الأسبوع يتناول هذه العقوبةَ، ويناقش معارضاتِ المنكرين لها, ويردُّ عليها, وهو مؤلَّف من بابينِ، ينضوي تحت كلِّ باب منهما عددٌ من الفصول.

تحدَّث المؤلِّف في الباب الأوَّل عن عقوبة المرتدِّ في الشريعة الإسلاميَّة، وجاء هذا الباب في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: كان للحديث عن الأدلَّة النقليَّة والعقليَّة على عقوبة المرتدِّ, فذكر المؤلِّف الأدلةَ على ذلك من الكتاب, والسُّنة النبويَّة, وإجماع الصَّحابة رضوان الله عليهم، التي تُثبت جميعُها هذه العقوبة.
أمَّا عن الدَّلالة العقليَّة على حُسن عقوبة المرتد، فقد قدَّم المؤلف قبل الشروع فيه بأصلين يَنبني عليهما هذا النظر، وهما:
• أنَّ أفعال الله عز وجل معلَّلة بالحِكم والمصالح التي يحبُّها ويرضاها, ويحصُل بها صلاح العباد.
• أنَّ العقل البشري يُدرِك حسن الأفعال وقُبحها, وإدراكه قد يكون ضروريًّا وقد يكون نظريًّا, وقد يَعجِز عن إدراك بعض التفاصيل، فيأتي الشرع ببيانها.
ثم ذكر المؤلِّف ما يترتَّب على هذين الأصلين؛ ليشرع بعد ذلك في بيان الوجه العقليِّ لحُسن عقوبة المرتدِّ, موضِّحًا أنَّ الغاية التي مِن أجلها خَلَق الله البشر، والتي بها يتحصَّل الإنسان على كماله إذا قام بها، هي العبوديَّة لله تعالى, وأنَّ الله قد هيَّأ للإنسان أسبابَ القيام بهذه الوظيفة, وأنَّ مِن حِكمته سبحانه أن يعاقبه في الدُّنيا إذا قصَّر في القيام بها.
وممَّا نبَّه عليه المؤلِّف أثناء تقريره للنظر العقلي أنَّ بعض الباحثين الذين أرادوا الدفاعَ عن عقوبة المرتدِّ من الناحية العقليَّة يسلكون مسلكًا فاسدًا حينما يُقارنون هذه العقوبة الشرعيَّة بالقانون الجنائي الوضعي، ببيان أنَّ هناك عقوباتٍ فيه تصل إلى القتْل كالخِيانة العظمى؛ ليستدلَّ بذلك على معقولية عقوبة المرتدِّ, واعتبر المؤلف أنَّ هذا المسلك غير صحيح؛ لأنَّ القانون الجنائي الوضعي لا يُعدُّ مِعيارًا للمعقوليَّة، ولا تُقرَّر به معقولية العقوبة بمقارنتها به, وأنَّ طرد ذلك يلزم منه لوازمُ فاسدة لا تُعدُّ ولا تحصى.
ينتقل بنا المؤلِّف بعد ذلك إلى الفصل الثاني، الذي حرَّر فيه القولَ في حُكم المرتدِّين زمنَ الخليفة الراشد أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه, وهنا ذكر المؤلِّف أنَّ المرتدِّين في زمانه رضي الله عنه كانوا على ضربين:
الأول: هم مَن كفَر بعد الإسلام، وبيَّن المؤلِّف حكمهم, مقرِّرًا وجوبَ قتلهم, وأنَّ أبا بكر قاتلهم لردَّتهم, وأنَّه لم يقاتلهم لمعنى آخَر غير الردَّة، كما يَدَّعي منكرو عقوبة المرتد.
الثاني: هم مَن منعوا الزكاة, وهؤلاء نظر إليهم المؤلِّف من جِهتين:
مِن جهة حُكم قتالهم, ومن جِهة المعنى الذي قُوتِلوا من أجله.
 أمَّا الجهة الأولى وهي حُكم قتالهم، فذكر أنَّ اتِّفاق أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على قتالهم حُجَّة متَّبعة، وسنَّة يجب الأخْذ بها, وعليه نصَّ فقهاءُ الأمصار.
وأمَّا الجهة الثانية - وهي بيان المعنى الذي قُوتلوا من أجله - فذكَر المؤلِّف فيها ما وقف عليه من كلام الفقهاء من أتْباع المذاهب الأربعة, مبيِّنًا أنَّ قول الجمهور هو عدم القول بالتكفير, مناقشًا أدلَّة المخالفين في ذلك.
وفي الفصل الثالث من هذا الباب: تناول المؤلِّفُ عقوبةَ المرتدِّ في البحث الفقهي, فبدأ بذِكر مجموعة من الأحكام المتعلِّقة بالردة عمومًا, كحُكم المرتدة, وحُكم استتابة المرتدِّ, وتوقيت استتابته, وميراثه, وأمانه.
ثم ثنَّى المؤلِّف بذِكر المسائل المتعلِّقة بالردَّة الجماعية, كحُكم ضمان المرتدِّين ما أتلفوه بعد إسلامِهم, وحُكم منْعهم من السلاح بعد دخولهم الإسلام, وحُكم نسائهم وذراريهم.
أما الباب الثاني: فقد خصَّصه المؤلِّف للجواب عن معارضات المنكرين لعقوبة قتْل المرتد, وبدأه بتوطئة تاريخيَّة، ذكر فيها أنَّ الأمة الإسلاميَّة - كباقي الأمم - لم تَسلمْ من التأثر بغيرها, وأنه لا بدَّ عند دراسة مواقف المفكِّرين العرب من عقوبة المرتدِّ، ألا نُغفِل حقيقةَ تأثر اتجاهات في الفِكر العربي بالفلسفة الغربية الحديثة, ثم سرَدَ المؤلِّفُ بعض الأحداث التاريخيَّة، التي تؤكِّد هذا القول.

ثم شرَع في فصول الباب الثاني، التي تألَّفت من أربعة فصول:
ففي الفصل الأوَّل أجاب المؤلف عن طعن المنكرين في مصدر عقوبة المرتدِّ, حيث بيَّن أن هؤلاء يؤكِّدون بثقةٍ أنَّ هذه العقوبةَ مناقضةٌ للقرآن الكريم, وأنَّ الأخْذ بها وتطبيقها يعدُّ من نبْذ القرآن وراء الظُّهور! بل إنَّ بعضهم قال: إنَّ هذه العقوبة وافدةٌ علينا من اليهود أو الرومان!
وهنا أجاب المؤلِّف بأنَّ الزعم بأنَّ الأخْذ بعقوبة الردَّة نبذٌ للقرآن هو حُكمٌ على أئمَّة الإسلام من لدن صحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى يومنا هذا بأنَّهم إمَّا كفَّار، وإمَّا مبتدِعون ضلَّال, وأنَّ ادِّعاء أنَّ هذه العقوبة جاءت من تأثير يهود يَنسُب الغفلةَ أو الجهل أو الخيانة لجميع أئمَّة الإسلام الذين أجْمعوا عليها, كما أنَّها دعوى لا تستند إلى أيِّ دليل، أو إلى شُبهة دليل, وعند فرْض الاشتراك في العقوبة بين اليهوديَّة والإسلام, فإنَّ الاشتراك غيرُ ملزم للتأثُّر, فشرائع الأنبياء جميعها من الله تعالى, كما أنَّ القول بأنها عقوبة مستمَدَّة من الرومان قولٌ يَنمُّ عن جهلِ قائله بالفقه وأصوله, ولو درس وتعلَّم لوقَف على الأدلَّة من الكتاب والسُّنة, كما أنَّه جاهل بقوانين الرومان أيضًا, التي بيَّن فلاسفتها الغربيُّون أنَّ الرومان كانوا يقولون بحريَّة الاعتقاد!

أمَّا الفصل الثاني: فكان للجواب عن استدلالات المنكِرين بآيات من الكتاب على حريَّة الاعتقاد المنافية لعقوبة المرتدِّ، وبدأ المؤلِّف بعَرْض استدلالاتهم بالآيات المكيَّة على حريَّة الاعتقاد، ومناقشتهم فيها, فمِن هذه الاستدلالات استدلالهم بقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99], واستدلالهم بقوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29], واستدلالهم بقوله تعالى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 14 - 15].
كما ناقَش استدلالهم القائل بأنَّ العقائد لا تتكوَّن بالقهر، وإنَّما بالحُجَّة والإقناع، وأنَّ القرآن جاء بالتفكير والحوار، وهما لا يجتمعان مع الإكراه.
كما عرَض المؤلِّف استدلالهم بقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، وناقشهم فيه.

ثم يأتي الفصل الثالث: ليعرضَ فيه المؤلِّفُ موقفَ المنكرين لعقوبة المرتدِّ من السُّنن الدالَّة عليها، ويناقشها أيضًا, مبيِّنًا موقفهم من حُجيَّة السُّنة في هذا الباب، وأنَّ مسالكهم تختلف:
فالمسلك الأول: مَن يرَى أنَّ أحاديث عقوبة المرتدِّ أحاديثُ آحاد لا يُؤخذ بها في الدِّماء والحدود, وردَّ المؤلِّف على أصحاب هذا القول بأنَّ نِسبة هذا القول إلى العلماء باطلةٌ, وعلى فرضية ثبوت نِسبته إلى عالم من العلماء فإنَّه لا يكون حُجَّة في نفسه, كما أنَّ هذه الدعوى تقتضي إسقاطَ جميع الأحكام الشرعيَّة، التي جاءت من طريق الآحاد, وأنَّ جماعةً من الأصوليِّين ذهبوا إلى أنَّ حديث الآحاد إذا وافق الإجماعَ، صار قطعيًّا كالمتواتر.
المسلك الثاني: وهؤلاء هم مَن يُضعِّف حديث ((مَن بدَّل دِينَه فاقتلوه))، وقد ناقشهم المؤلِّف في هذه الدعوى، وبيَّن زيفَها وبُطلانها.
المسلك الثالث: هم مَن أثبت أحاديث قتْل المرتدِّ من جِهة النَّقل، وسلَكوا معها مسلكَ التأويل, ولهم في ذلك تأويلان:
التأويل الأوَّل: قولهم بحمل عقوبة المرتدِّ على أنه تصرُّف سياسي متعلِّق بأفعال كيديَّة, فهؤلاء يرون أنَّ علَّة قتْل المرتد ليست مجرَّدَ تبديل الدِّين والكفر بعدَ الإيمان, وإنما العلَّة هي التصرُّفات الكيديَّة والتآمريَّة, وعند مناقشة هذه الدَّعوى أوضح المؤلِّف أنها اشتملت على قدْر من الحق, وقدْر من الباطل؛ أمَّا القدْر الصائب منها فما ذكروه من آثار الرِّدَّة على المجتمع الإسلامي من التشجيع على الردَّة، وإثارة الفِتنة, وأمَّا الباطل فهو حصرُهم لجريمة الردَّة التي يُقتل صاحبها في الردَّة التي تنتج عنها هذه الآثار, وهذا يبيِّن أنَّ عُمدتهم في نفس الأمر ليس هو الحديثَ، وإنَّما ما رأوه من آثار ضارَّة على المجتمع, وأنَّ وصْف الكيد والتآمُر الذي عُلِّق عليه الحُكم غير صالح لأنْ يكون علَّةً له؛ لعدم انضباطه, وأنَّ اعتمادهم على غير السُّنَّة أظهرَ الخللَ في تأصيلهم الفقهي لقولهم هذا؛ لعدم إتيانهم بدليلٍ يدلُّ على أنَّ عقوبة المرتدِّ الواردة في الحديث معلَّقة بهذا الوصف.
كما ذكَر المؤلِّف دعوى أخرى، وهي قولهم: إنَّ حديث ((مَن بدَّلَ دِينَه فاقتلوه)) هو تصرُّف سياسي من النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بوصفه إمامًا، وليس بوصفه مفتيًا مبلغًا, ثم ناقش هذه الدعوى، وأجاب عنها.
التأويل الثاني: وهو قولهم بحَمْل الحديث على أنَّه عقوبة متعلِّقة بأفعال حرابيَّة ضدَّ الدولة أو المجتمع, وبيَّن المؤلِّف أنَّهم جعلوا قولَ الأحناف بعدم قتْل المرتدَّة التي لا تُقاتل مخصِّصًا لحديث قتل المرتد, وعليه: إذا كانت المرتدَّة لا تُقتَل عند الأحناف؛ لكونها لا تقاتل, فهذا دليلٌ على أنَّ قتْل المرتد عندهم لأنَّه يقاتل, ولا يكون السبب في قتْله ارتدادَه، بل قتاله. وهنا بيَّن المؤلف بطلان هذا الاستدلال من وجوه, منها: أنه لا يصحُّ تخصيص النصوص الشرعيَّة بمذهب عالم من العلماء, وإنما تخصص بالمخصِّصات الصحيحة, ومنها أيضًا: أنَّ صاحب هذه الدعوى متناقض؛ لأنَّه يكثر من نقْد الجمود, ثم يحتجُّ على تخصيص الحديث بمذهب أبي حنيفة الذي يرى اتباع مذهبه جمودًا, ومن الوجوه كذلك: أنَّ صاحب هذه الدعوى أخطأ في فَهم مذهب أبي حنيفة؛ إذ إنَّ علة قتْل المرتد عنده هي الكفر، وهو ما نصَّ عليه أئمَّة الحنفيَّة.

وفي الفصل الرابع: عرَضَ المؤلِّف موقفَ المنكرين من الإجماع على عقوبة المرتد, مبيِّنًا موقفهم من حُجيَّة الإجماع, وموضِّحًا أنَّ أبرز المنكرين لحدِّ الردَّة لا يقولون بحُجيَّة الإجماع إلَّا في المعلوم من الدِّين بالضرورة, وناقشهم في هذه المقولة، وأجاب عنها. كما أنَّه تناول موقفهم من ثبوت الإجماع على قتْل المرتد, حيث ذكَر أنَّهم يدَّعون عِدَّة دعاوى يُشكِّكون بها في انعقاد الإجماع؛ منها: دعوى وجود المخالِف من السَّلف، وأن هذا مذهب لأبي حنيفة, وقد ناقشهم المؤلِّف بالتفصيل في احتجاجهم بهذه الآثار.
ومِنَ الدعاوى كذلك التي أتَوْا بها للتشكيك في الإجماع دَعوى الاضطراب في حِكاية الإجماع على قتْل المرتد, وقد أبطل المؤلِّف هذه الدعوى ببيانه أنَّ الاختلاف في حِكاية القدْر المجمَع عليه في مسألة لا يُوجِب إبطالَ أصل الإجماع, وأنَّ حكاية الإجماع أمرٌ مغاير لوقوع الإجماع في نفْس الأمر؛ فمَن حكى إجماعًا فإنَّما يُخبر عمَّا علِمه، ومخالفته لغيره ممَّن يَحكي الإجماع لا يلزم منها بطلانُ الإجماع، إلى ما هنالك ممَّا أجاب به المؤلِّف عن هذه الدعوى.
ومن الدعاوى كذلك: دعوى أنَّ قتال أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه للمرتدِّين لم يكن من أجل رِدَّتهم, وهو ممَّا فصَّل في الإجابة عنه في الباب الأوَّل.
ثم ختَم المؤلِّف كتابه بخاتمةٍ أجمل فيها ما فصَّل, وأتى بخُلاصة بحثه وما توصَّل إليه, مع بعض التوصيات المهمَّة.

والكتاب فريدٌ في بابه.