قراءة وتعريف

الاستِشراق الأمريكي المعاصِر وأثرُه في فِكر المحافظين الجُدُد
book
مازن صلاح مطبقاني
عنوان الكتاب: الاستِشراق الأمريكي المعاصِر وأثرُه في فِكر المحافظين الجُدُد
النـاشـر: دار ثقيف - المملكة العربية السعوديَّة
سـنة الطبـع: 1434هـ
عدد الصفحات: 125

التعريف بموضوع الكتاب

كتاب هذا الأسبوع هو دِراسة تهدِف إلى تناول تأثير الاستِشراق الأمريكيِّ المعاصِر في السِّياسة الخارجيَّة في عهد المحافظين الجُدُد، والأثَر الكبير لبعض المستشرقين في صِياغة أفكارهم المتعلِّقة بالشرق الأوسط، والتي بنَوا عليها سياستَهم تُجاه المنطقة.

والكتاب يتألَّف من ثلاثة مباحث:

تحدَّث المبحث الأوَّل منها: عن الاستشراق الأمريكيِّ، والسِّياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة، وعدَّد فيه المؤلِّف الكثيرَ من الحقائق التي تُدلِّل على سيطرة اليهوديَّة الصِّهْيَونيَّة على الدِّراسات الشرق أوسطيَّة في أمريكا, من ذلك استشهاده بما ذكره (بول فندلي) صاحب كتاب ((مَن يجرؤ على الكلام)) بأنَّ مؤسَّسة آيباك الصِّهيونية درَّبت أكثر من خمسة آلاف طالب ونشَرَتهم في خمسين وثلاثمئة جامعة أمريكيَّة؛ لمتابعة ما يُدرَس أو يُقال حول إسرائيل, كما أنَّ اليهود يشنُّون حروبًا شعواء على بعض العاملين في مجال دِراسات الشرق الأوسط، كما فعل بالدكتوره (شيلا سكوفيل) التي ترأس برنامج المساعدات في قِسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة أريزونا, حيث استخدَم اليهودُ أساليبَ دنيئة في تشويه سُمعتها؛ لا لأنَّها عادتْ إسرائيل؛ بل لأنَّها حاولتْ أن تَجعَلَ هذا البرنامج يُقدِّم معلوماتٍ متوازنةً عن الصراع في منطقة الشرق الأوسط!

وذكَر المؤلِّف أنَّ نفوذ برامج دِراسات الشَّرق الأوسط لم يقتصرْ على الولايات المتحدة، بل تعدَّى ذلك، فوصَلَ إلى الجامعة الأمريكيَّة في القاهرة، وبيروت، والتي أثَّرت انتماءاتها الدينيَّة والفكريَّة في العالَمَينِ العربي والإسلامي.

كما بيَّن المؤلِّف أنَّ دراسات الشرق الأوسط ظلَّت ضالعةً في تشويه صورة الإسلام والمسلمين باستمرار, كما أنَّها ارتبطت بالاستخبارات الأمريكيَّة؛ من أجْل تحقيق أهداف بعيدة ضدَّ العالَمينِ: الإسلاميِّ والعربي، وعدَّد أمثلةً على ذلك. وذكر أنَّ ثَمَّة جهاتٍ حُكوميةً أمريكة أخرى تهتمُّ بالعالم الإسلامي، وبخاصَّة ما يُسمَّى (الحركات الأصوليَّة) منه.

وأكَّد المؤلِّف أنَّ العرب والمسلمين أدركوا خطورةَ أقسام الدِّراسات الشرق أوسطيَّة، وما أحدثتْه من تشويه للحقائق حول أوضاع البلاد العربيَّة، وحول الإسلام، فحاولوا إنشاء كراسٍ للدِّراسات العربيَّة الإسلاميَّة، وواجهوا صعوباتٍ جمَّةً؛ منها ضغوط من قِبل اللُّوبي الإسرائيلي.

وخلص المؤلِّف إلى أنَّ أيَّة محاولة لتصحيح مسار دِراسات الشرق الأوسط تُواجَه بحرب عنيفة لم تتوقَّف حتى اليوم, حيث تقوم الدِّعاية الصِّهْيونيَّة بالعمل على إيقاف الكثيرِ من المشاريع التي يقومُ بها العربُ؛ من أجْل الإسهام في دراسة الحضارة العربيَّة والإسلاميَّة.

ثمَّ ذكَر المؤلِّف استنتاجًا ممَّا أورده من حقائقَ وشواهد, وهو أنَّه لا بدَّ من وقفةٍ متأنية مع دِراسات الشَّرق الأوسط في الجامعات الأمريكيَّة، بحيث نتوصَّل إلى خُطوات عمليَّة لوقفِ سيطرة الصِّهْيونيَّة المعادية للعرَب والمسلمين على هذه الأقسام, وبيَّن أنَّه يمكن اتِّخاذُ خُطوات عمليَّة؛ منها:

1- إيفاد باحثين للعَمل في أقسام دِراسات الشرق الأوسط، ومراكز البحوث، والمعاهد المتخصِّصة في دِراسات العالَم.

2- الإفادة الحقيقيَّة من مِنح (فلبرايت) وإنشاء مِنح مقابلة عربيَّة إسلاميَّة؛ لإرسال باحثين عرَب مسلمين يُقدِّمون الإسلام بصورة حقيقيَّة وصحيحة.

3- تكثيف حضور أصحاب الكفايات العالية في تخصُّصاتهم في الندوات والمؤتمرات، وألَّا يكون هذا الحضور فرصةً للمجاملات!

4- تفعيلُ الاتفاقات التي عقدَتْها الجامعاتُ العربيَّة والإسلاميَّة مع الجامعات الأمريكيَّة، وجعْلها عمليَّةً أكثر في توضيح صورة الإسلام والمسلمين.

المبحث الثاني: تحدَّث فيه عن نظرة المحافظين الجُدُد إلى الإسلام والمسلمين؛ ففي بداية المبحث يتكلَّم المؤلِّف على بداية ظهور المحافظين الجُدد، حيث ذكَر أنَّ ظهورهم كان إبَّان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي, وأنَّهم هم أصحاب فِكرة زيادة ميزانية التسلُّح؛ إذ إنَّهم - كما تصفهم صحيفة (بيجين تايمز) الصينيَّة: إيمانهم بالقوَّة أعمى، وبخاصَّة القوة المسلَّحة، وأنهم يتصرَّفون باستبداد, ويتجاهلون العدل، ويرفعون من قِيمة المصلحة, وأنَّهم عدائيُّون, وهم من أشدِّ أنصار النُّسخة الليكودية المتطرِّفة في إسرائيل, ومن أشدِّ رافضي أيِّ تسوية في المنطقة.

وأكَّد المؤلف على أنَّ لهؤلاء صلةً قوية بالاستشراق, وازدادت هذه العلاقة قوةً في السنوات الماضية، حينما تولَّى عددٌ من الباحثين في مجال الدِّراسات الشرق أوسطية مسؤوليةَ تقديم المشورة لكِبار مسؤولي البيت الأبيض، وكان ارتباطهم بالمحافظين الجُدُد أكثرَ من ارتباطهم بغيرهم.

وتحت عنوان (المحافظون الجُدد والإمبريالية) يوضِّح المؤلِّف أنَّه بالإمكان للمرء أن يختلف مع المحافظين الجُدُد، إلَّا أنه يُعجب من كثافة أنشطتهم وجهودهم الكبيرة لتحقيق ما يَهدِفون إليه من الوصول إلى السُّلطة، والاستمرار فيها. ثم تكلَّم المؤلِّف عن عدد من وسائلهم المستخدَمة في ذلك، كالمعاهِد، ومراكز البحوث, ووسائل الإعلام التي حرَصوا على الوصول إليها، والسيطرة على بعضها.

وذكَر أنَّ من أبرز خصائص اليمين المحافظ الجديد هو الدَّعوة إلى الإمبراطوريَّة والسَّيطرة على العالم ومقدَّراته, وذلك من خلال الحروب واستخدام القوَّة.

ويرَى المؤلِّف أنَّ خُطوات السيطرة على العالم تبدأ في نظر اليمين الجديد من نَزعة السيطرة على الخليج العربي، وهي خُطَّة تعود إلى أكثرَ من ثلاثين سَنةً, وأنَّ الوقت الحالي هو الوقتُ المناسب لذلك، وقد اتَّخذوا عِدَّة خُطوات، وهي:

1.     إنشاء قوَّة الانتشار السَّريع.

2.     إنشاء القِيادة العسكريَّة المركزيَّة للإشراف على المنطقة.

3.     حَرْب الخليج الثانية بعدَ احتلال صدَّام للكويت، التي وفَّرت فرصةَ الوجود الدائم.

4.     الحَرْب في أفغانستان (الحرب على الإرهاب).

5.     الحَرْب على العراق.

ثم يتحدَّث المؤلِّف بعد ذلك عن المحافظين الجُدد وعلاقتهم بإسرائيل واليهود, ويذكر أنَّ اليهود استطاعوا أن يملؤوا القلوبَ والعقول في الغرب عامَّةً وأمريكا خاصَّةً؛ خوفا من التُّهمة بمعاداة السامية، حتى إنَّ كثيرًا من الحقائق لا يمكن الحديثُ عنها بصراحة ووضوح, وأشار أنَّه بالاطلاع على كتاب ((مَن يجرؤ على الكلام)) لبول فندلي، فإنه يتَّضح مدى الهيمنة اليهوديَّة الإسرائليَّة في الولايات المتحدة.

ويذكر المؤلِّف أنَّ هناك مَن يُعرِّف المحافظين الجدد بأنهم مجموعة متكتِّلة، أغلبيتها من اليهود، وقد استولت على المناصب الرئيسيَّة في الإدارة الأمريكية السابقة، وعلى مؤسَّسات البحوث، وعلى صفحات هيئات التحرير في الصُّحُف المهمَّة.

وتحت عنوان (المحافظون الجُدد ونشْر الديمقراطية في العالَم الإسلامي) يتحدَّث المؤلِّف عن أنَّ المستشرقين ما زالوا يتناولون موضوعَ الديمقراطيَّة في الشرق الأوسط أو العالم الإسلامي، وأنَّه قد كُتِب الكثير حول هذا الموضوع, وأنَّ أبرز مَن تناوله المستشرق الأمريكي (برنارد لويس)، الذي تناول الفِكر السياسيَّ الإسلاميَّ قديمًا وحديثًا, واهتمَّ بصفة خاصَّة بالحركات الإسلاميَّة.

وفي المبحث الثالث والأخير: تناول المؤلِّف بالحديث الأثرَ الاستشراقيَّ في السياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة، وذلك بذِكر نماذج من كبار المستشرقين الذين لهم مكانةٌ عالية ومرموقة في البيت الأبيض, واختار المؤلِّفُ اثنين من هؤلاء، وهما: (برنارد لويس)، و(دانيال بايبس), اللَّذين كان لهما دَورٌ كبير في كثير من القضايا السِّياسيَّة والفكريَّة.

وفي الختام: أكَّد المؤلِّف على أهميَّة دِراسة الغرب دراسةً علميَّةً موضوعيَّة؛ إذ إنَّ هذا الموضوع لا يَحظى إلَّا باهتمام محدود في عالَمنا العربي الإسلامي, والمطلوب هو اهتمامٌ مؤسَّسيٌ قادِرٌ ماديًّا وعلميًّا. مشيرًا إلى أنَّ الاستنتاج الذي يُمكن للباحث أن يخرج به: أنَّنا قصَّرنا كثيرًا في فَهم طبيعة الدِّراسات العربيَّة والإسلاميَّة في الولايات المتحدة, وأنَّنا لا بدَّ أن نعرِفَ كيف نصل إلى مراكز الثقافة والفِكر في العالَم كلِّه، وليس في الولايات المتحدة الأمريكيَّة فقط, وأن نعرِفَ كيف وصَل عدوُّنا إلى هذه المراكز، وكيف استطاع أن يصِل إلى صانع القرار في البيت الأبيض، وفي وزارة الخارجيَّة، وفي الدول الأوربيَّة المختلِفة.