كتاب هذا الأسبوع هو دراسة مهمَّة لموضوع أصْبَح يفرض نفْسه على مجالس النَّاس بعد الثورات العربيَّة، ذلك هو الحديث عن التيَّار السَّلفي المعاصِر، بأطرافه المتنامية، ومواقفه واجتهاداته المتعدِّدة، في مصر خصوصًا، والوطن الإسلاميِّ عمومًا؛ تأتي هذه الدِّراسة لفَتْح باب المناصحة والمراجعة من داخل التيَّار السَّلفيِّ نفسه؛ إذ النقد الذاتي، والنُّصح الداخلي للخِطاب السلفيِّ المعاصر يمثِّل تسديدًا واجبًا، ودعمًا حقيقيًّا، لا يصحُّ تجاهله، أو التشاغل عنه، وهو دعوةٌ كذلك إلى تطوير الذَّات، وتجديد الأساليب والطَّرح، والسعي إلى تحديد مواقف أكثرَ وضوحًا وتفصيلًا، خصوصًا بعد تدشين حرب عالميَّة أيديولوجيَّة ومسلكيَّة على السلفيَّة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، وبعدما أصبح يَجهَر الشَّباب المنتسِب لهذا التيَّار بما كان يهمِس به قبل ذلك. كما تهدِف هذه الدِّراسةُ إلى أن يخرُج التيَّار السلفيُّ من حالة التفرُّق والانقسام، إلى حالة الاجتماع والوئام، وأن يَبرُز كيانٌ عالميٌّ يمثِّل هذا التيَّار، وينسِّق بين مجموعاته كتمهيدٍ لقيام مرجعيَّة سلفيَّة عالميَّة، تضبط الاجتهادات، وتصحِّح المسار، وتعالج الأخطاء الصادرة من بعض التجمُّعات السلفيَّة هنا وهناك، وتسعى لحلِّ الخلافات السلفيَّة... وغير ذلك، وكلُّ هذا يمهِّد للخروج من ضِيق التحزُّبات الجزئية إلى سَعة الأمَّة الجامعة. وقد اعتمد المؤلِّف في دراسته المنهجَ التوصيفيَّ، والخطاب النقديَّ للحالة السلفيَّة الراهنة، ثم التفكيرَ الارتياديَّ للخروج من تلك المضايق، بوضع أولويات الخطاب السلفيِّ المعاصر أمام أهله وروَّاده. وتأتي أهميَّة هذه الدِّراسة من كون المؤلِّف واحدًا من رِجالات الحركة الإسلاميَّة المعاصرة ومِن الدُّعاة السلفيين المبرَّزين على الساحة، وهو الأمين العام للهيئة الشرعيَّة للحقوق والإصلاح في مصر، وهي من كبرى الهيئات التي تَجمع العلماء السلفيِّين في مصر.
وقد انتظمت هذه الدِّراسة في من أربعة فصول:
الفصل الأوَّل: جاء بعنوان مفهوم الخِطاب السَّلفي، وخصائصه، وأولويَّاته، وانتظَم في أربعة مباحث:
المبحث الأوَّل: تحدَّث فيه عن مفهوم الخطاب الإسلامي السلفيِّ، ملقيًا الضوء على معنى الخِطاب في اللغة وفي القرآن الكريم، موضِّحًا أنَّ مصطلح (الخطاب الإسلامي) مركَّب وصفيٌّ اتَّسعت دَلالته المعاصرة لتشمل الدَّعوة الإسلاميَّة بمناشطها المتنوِّعة، ووسائلها المتعدِّدة، ومناهجها المختلفة، وأنَّه إذا أضيف إلى السَّلف أو وُصِف بأنَّه سلفيٌّ؛ فقد أضيف إلى أشرف نِسبة وأكمل نعت؛ لأنَّ ترسُّم منهج السَّلف من الصَّحابة والتَّابعين ومَن تبعهم بإحسان، هو منهج العصمة والنجاة، وأنَّ كل مَن قام بمقتضيات هذا المنهج فقد استحقَّ هذه النِّسبة إليه؛ ادَّعى ذلك أو لم يدَّعِه، وأنَّه ليس هناك فرد أو جماعة متحزِّبة تمثِّل السلفيَّة بمعناها الشرعيِّ، وإنَّما قد يوجد مَن ينتسب إليها ويسعى للحياة بمنهجها، ولكن قد يُصيب أو يُخطئ، ولا تُنسب أخطاؤه إلى المنهج، ولا إلى غيره من المنتسبين إليه.
المبحث الثاني: تحدَّث فيه عن التيَّار السَّلفي، وعن نشأته وتطوُّره، مبيِّنًا أنَّ (السَّلف) في الاصطلاح يُطلق على المتقدِّمين من الصَّحابة والتَّابعين وتابعيهم بإحسان، وأنَّ مذهب السَّلف هو مذهب الصَّحابة الكرام، والتابعين الأبرار، وتابعيهم من الأئمَّة المشهورين، وأنَّ كلَّ مَن التزم بعقائدهم وأصولهم نُسِب إليهم، وإن لم يوجد في زَمانهم ولا قُطرهم، وكذلك مَن خالفهم فليس منهم، وإنْ عاش بين أظهرهم، موضِّحًا أيضًا أنَّ الانتساب إلى أهل السُّنة والجماعة والسَّلف الصَّالح يعني: الانتساب إلى الإسلام الصَّافي عن شوائب البِدع، ومخالفات الفِرق. ثمَّ ذكر أنماط الظَّاهرة السلفيَّة المعاصرة التي ستناولها بالحديث، وأوضح أنَّها لا تخرج في جملتها عن أربعة؛ ذكرها، وذكر أنَّها كثيرًا ما وُجدت في البلد الواحد.
وفي المبحث الثَّالث: تحدَّث عن خصائص التيَّار السَّلفي المعاصر، وذكَر مِن ذلك ثمان خصائص، مفصِّلًا الحديث عن كلِّ خَصيصة منها، وهذه الخصائص هي:
1- المرجعيَّة العلميَّة والولاية الشرعيَّة.
2- الثبات المنهجي والاستقرار الفِكري.
3- الثَّراء في الكَفاءات والتنوُّع في القيادات.
4- الحضور الإعلامي العام.
5- القُدرة على الحَشْد الجماهيري.
6- الصُّعود السِّياسي المتنامي.
7- المصداقية الأخلاقيَّة والسلوكيَّة.
8- الرِّيادة التاريخيَّة والحضاريَّة.
أمَّا المبحث الرَّابع: فقد تحدَّث فيه عن فقه الأولويَّات في الخِطاب السَّلفي، موضِّحًا أنَّه ينطلق أساسًا من فِقه السِّياسة الشرعيَّة، ومن المقاصد الكليَّة للدَّعوة الإسلاميَّة، وقواعد الضَّروريَّات والحاجيَّات والتحسينات التي قرَّرها العلماء من كتاب الله تعالى، ومن سُنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم، ومن هَدْي السَّلف الصالح، مع اقتضاء الموازنة بين المصالح والمفاسد. كما بيَّن أنَّ وجهات الأولويَّة متعدِّدة، وأنَّ فقه الأولويات في الخطاب الإسلاميِّ السلفي له ركائزُ يقوم عليها، مفصِّلًا الحديث عنها بالسُّؤال الذي طرحه في:
الفصل الثاني: وهو: لماذا الحديث عن أولويَّات الخطاب السَّلفي؟ وتولَّى الإجابة عن هذا السُّؤال في أربعة مباحث:
المبحث الأول: فكان عن تَدشين الحرب العالميَّة على السلفية، وتحدَّث فيه عن كُتُب السبِّ للتيَّار السلفيِّ، والقذف بالبهتان التي تُنشَر، وعن النَّدوات والمؤتمرات التي تُعقَد، وكذلك عن التَّضييق على الدَّعوات والرُّموز السلفيَّة، وعن الحرب الإعلاميَّة التي تَستعِر، والإشاعات المغرِضة التي تنتشر، وعن انتقال الحرْب على الإرهاب إلى حرْب على السَّلفيَّة في تسلُّل مريب.
المبحث الثاني: تَكلَّم فيه عن وجود مراجعات وتراجعات في الخِطاب السَّلفي المعاصر، خصوصًا بعد حرب الخليج، وأنَّ هذه مرحلة دقيقة من العمل الإسلاميِّ، وأنَّها كما شهدتْ قَبولًا للمراجعات تنظيرًا وتطبيقًا، فقد شهدت انزلاقًا فِكريًّا وعمليًّا أيضًا.
المبحث الثَّالث: كان الحديث فيه عن ملامح وأسباب الحالة الرَّاهنة، فتحدَّث المؤلِّف أولًا: عن الخِطاب الإسلاميِّ بين النجاحات والإخفاقات في فترة ما بين السبعينيَّات والتسعينيَّات من القرن العِشرين، ممثلًا على كلِّ ذلك. وتحدَّث ثانيًا: عن اكتمال التَّجارِب واستثمار تلك المكاسب في الألفيَّة الحاليَّة - بدايات القرن الواحد والعشرين. وتحدَّث ثالثًا: عن الصُّعود والهبوط في أرصدة العمل الجماعي. ورابعًا: عن الانشقاق السَّلفي الغريب. وخامسًا: عن تراجع تيارات الغلو عامَّة. وسادسًا: عن النُّضج في التعامُل مع الخِلاف. وسابعًا: عن إخفاق أكثر مشاريع الوَحدة والائتلاف. وثامنًا: عن الإحساس السلفيِّ بالعجز السِّياسيِّ. وتاسعًا: عن معاملة الظَّاهرة الدِّينية على أنَّها مُعضِلة أمنيَّة. وعاشرًا: عن وجود إشكاليَّة تربويَّة وقياديَّة. وحادي عشر وأخيرًا: عن إشكاليَّة التَّعميم والتَّسطيح في فِقه التغيير.
المبحث الرابع: تناول المؤلِّف فيه الحديثَ عن المطالبة الخارجيَّة بالتَّجديد والتبديد في الخِطاب السَّلفيِّ، موضِّحًا المعنى اللُّغوي والاصطلاحي للتجديد، وماذا يعني التجديد عند الفقهاء، وعند المتغرِّبين، وأرباب العَلمنة. ثمَّ تحدَّث عن الأدلَّة على الحاجة إلى التَّجديد.
وجاء الحديث في الفصل الثَّالث: عن عوائق واقعيَّة ومشكلات سلبيَّة في الخطاب السَّلفي المعاصر، وانتظم هذا الفَصل في عِشرين مبحثًا، كالتالي:
المبحث الأوَّل: عن ضعْف أو غِياب المرجعيَّة العلميَّة الموحَّدة.
المبحث الثاني: عن نُدرة المراكز البحثيَّة والدِّراسات الإستراتيجيَّة.
المبحث الثالث: عن التمحور حول مسائل الخلاف الاجتهاديِّ.
المبحث الرابع: عن الخَلل في ترتيب الأولويَّات.
المبحث الخامس: عن الجمود في الوسائل، والضَّعف في الآليات.
المبحث السادس: عن الميل إلى النظريَّات والقصور في العمليَّات.
المبحث السَّابع: عن افتقاد المؤسَّسات أو ضَعفها.
المبحث الثامن: عن ضَعف الأداء السياسيِّ.
المبحث التَّاسع: ضَعف العِلم التأصيليِّ أو الفَهم الأصوليِّ.
المبحث العاشر: عن افتقاد الرُّؤية المتكاملة والموحَّدة للتغيير.
المبحث الحادي عشر: عن وجود خلل في إصدار الأحكام.
المبحث الثَّاني عشر: عن تذبُذب الموقف من العمل الجماعيِّ.
المبحث الثالث عشر: عن الإهمال التربويِّ.
المبحث الرَّابع عشَر: عن ضَعف العناية بالسِّياسة الشرعيَّة في التصرُّفات الدَّعويَّة.
المبحث الخامس عشر: الغفلة عن فِقه المقاصد.
المبحث السَّادس عشر: عن الجُنوح نحو التَّشديد والتعسير.
المبحث السَّابع عشر: عن غَلبة خِطاب التَّرهيب على التَّرغيب.
المبحث الثَّامن عشر: عن تفاقُم الانقسام السَّلفيِّ.
المبحث التَّاسع عشر: عن ضَعْف الخِطاب السَّلفيِّ الإعلاميِّ الفضائيِّ.
المبحث العِشرون والأخير: عن أخطاء إداريَّة منهجيَّة.
وفي الفصل الرَّابع والأخير من هذه الدِّراسة: عَدَّد المؤلِّف أولويَّات الخطاب السَّلفيِّ المعاصر، وذَكَر من ذلك ستَّ عَشرة أولويَّة، أفْرَد لكلِّ أولويَّة منها مبحثًا خاصًّا، وهي كما يلي:
1- أَولويَّة الردِّ على الأمر الأوَّل.
2- أَولويَّة إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد.
3- أَولويَّة الجهاد التربويِّ قبل الجهاد العسكريِّ.
4- أَولويَّة الانتماء إلى أهل السُّنة قبل الانتماء لطائفة من طوائف الدَّعوة.
5- أَولويَّة التأصيل والأصالة مع التَّجديد والمعاصرة.
6- أَولويَّة الكَيف المنظَّم على الكَمِّ المبعثَر.
7- أَولويَّة التدرُّج والمرحليَّة.
8- أَولويَّة تأهيل الصُّفوف الثانية، وتدريب الكَفاءات الواعدة.
9- أَولويَّة الواقعيَّة في الخطاب السَّلفيِّ الدَّعويِّ والسِّياسيِّ.
10- أَولويَّة إيجاد التيار السَّلفي قُطريًّا (أَولويَّة الأولويَّات).
11- أَولويَّة العالميَّة في الخطاب السلفيِّ.
12- أَولويَّة خطاب النَّهضة الشَّاملة.
13- أَولويَّة ضبط الخطاب السَّلفيِّ الموجَّه للحضارة الغربيَّة.
14- أولويَّة المشاركة المجتمعيَّة والسِّياسيَّة الواسعة.
15- أَولويَّة صناعة الإعلام وصياغة الرَّأي العامِّ.
16- أَولويَّة إيجاد وسيلة فعَّالة للتنسيق وحلِّ الخِلافات السلفيَّة.
والكتاب دراسة جيدة؛ ننصح بقراءته وتأمُّله.