قراءة وتعريف

تجديد الدين لدى الاتجاه العقلاني الإسلامي المعاصر
book
أحمد بن محمد اللهيب
عنوان الكتاب: تجديد الدين لدى الاتجاه العقلاني الإسلامي المعاصر
النـاشـر: مجلة البيان - الرياض
الطبع: الأولى
سـنة الطبع: 1432هـ
عدد الصفحات: 520 صفحة
نوع الكتـاب: رسالة عِلميَّة تقدَّم بها المؤلِّف لنيل درجة الدكتوراه من جامعة الملك سعود

التعريف بموضوع الكتاب:
من منهج أهل السُّنة والجماعة وأصولهم في التلقِّي والاستدلال: أنَّهم لا يَقبلون من أحد أن يُعارض القرآن الكريم, ولا السُّنة المطهَّرة لا بالرأي, ولا بالذَّوق, ولا بالعقل, لا بالقياس؛ فقد ترسَّخ في أذهانهم بما لا يدع مجالًا للشكِّ ولا للرِّيبة, وثبت بالآيات والبراهين القطعيَّة أنَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم قد جاء بالهُدى ودِين الحقِّ؛ ليظهره على الدِّين كلِّه ولو كره الكافرون, وهم مع ذلك لا يغمطون العقل حقَّه, ولا يُلغونه إلغاءً كليًّا, بل يضعونه في موضعه الصَّحيح, فيحتجُّون بصريح المعقول الموافق لصحيح المنقول.
وفي عصرنا الحاضر نبتت نابتةٌ سيِّئة, قديمة الأصول, حديثة المنشأ, تُعدُّ امتدادًا للفرق العقلانيَّة القديمة, فأخذت على عاتقها الدعوة إلى تمجيد العقل وتعظيمه, وتقديمه على النَّقل, وهي ما تعرف اليوم بالاتِّجاه العقلانيِّ الإسلاميِّ المعاصر, وكتاب هذا الأسبوع يَعرِض لهذا الاتجاه ويُجلِّي أصحابه, ويكشف زيف ادِّعاءاتهم, ويبيِّن ما عليه مذهبهم من باطل, وما بُني عليه من ضلال.
بدأ المؤلِّف كتابه بتمهيد مشتمِل على عدَّة مباحث, توضح - في خطوط عريضة - بعض المفاهيم المهمَّة, وممَّا تناولته هذه المباحث: موقف أهل السُّنة والجماعة من الاستدلال العقلي, فبعد أن بيَّن المؤلِّف مفهوم العقل عندهم, بيَّن أنَّ منهجهم وسط بين طائفتين: طائفة غالية في تمجيد العقل, وأخرى مهمِلة له. فمنهج أهل السُّنَّة وسط بينهما، لا إفراط فيه ولا تفريط؛ فهم يأخذون بالنظر العقليِّ ويأمرون به, وينكرون ما عليه أهلُ الكلام من باطل نظرِهم وكلامهم واستدلالهم, وبعبارة أدقَّ: فهُم يأخذون بمبدأ الاستدلال العقليِّ الشرعيِّ, لا الاستدلال الكلاميِّ.
ثمَّ تطرَّق المؤلِّف إلى أهمِّ ضوابط الاستدلال العقليِّ عند أهل السُّنة والجماعة، فذكر من ذلك:
• أنَّ العقل عندهم لا يستقلُّ بنفسه, بل هو محتاجٌ إلى الشَّرع.
• تقديم النَّقل على العقل عند توهُّم التعارض.
ليردفَ ذلك بالحديث عن مجالات الاستدلال العقليِّ.
وفي ذات التَّمهيد تحدَّث المؤلِّف عن مفهوم التجديد لدى أهل السُّنة والجماعة, فبعد أن عرَّف تجديد الدِّين بأنه: (إحياء وبعث ما اندرس منه, وتخليصه من البِدع والمحدثات, والعمل على نشْر الدِّين, وتنزيله على واقع الحياة ومستجدَّاتها)، بيَّن أنَّ علماء أهل السُّنة لم يُعنوا بتعريف التجديد عنايةً خاصَّة؛ لوضوح معناه الذي قصده الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم عندهم؛ لذا جاءت عباراتهم حوله متناثرةً يجمعها مضمون واحد، وهو: العودة بالدِّين إلى ما كان عليه في أوَّل أمره. وبيَّن أنَّ عنايتهم انصبَّت على المجدِّد وصفاته، والمقصود من رأس المائة. كما ذكر المؤلِّف الفرق بين مصطلح التجديد وغيره من المصطلحات كالاجتهاد, والبِدعة, والتطوُّر.
وممَّا تناوله كذلك في تمهيده مفهوم التَّجديد عند الغربيِّين, والذي يعني لديهم إعادةَ صياغة تعاليم الدِّين على وَفق المعارف والمكتشفات الحديثة, وأردف بذِكر مفهوم التَّجديد عند الاتِّجاه العقلانيِّ الإسلاميِّ المعاصر, وعلاقة نظريَّة التطوُّر بالتجديد.
ثم بدأ المؤلِّف في أبواب الكتاب:

ففي الباب الأوَّل: تناول تاريخ الدَّعوة إلى التَّجديد العقلاني، وذلك في فصلين:
الفصل الأول: تحدَّث عن هذه الدَّعوة في العالم الغربي, وأوضح أنَّ منشأها كان بسبب الطابع الاستبداديِّ الكنسيِّ الذي كان يُخيِّم على أوروبا في القرون الوسطى, فظهرت محاولات كثيرة للخروج عن النصِّ الكنسيِّ الذي حرمهم إنسانيتهم, وحكَم على عقولهم بالجمود, إلى أنْ حصل التغيير الذي مرَّ بأطوار عديدة، ومراحلَ مختلفة تطرَّق إليها المؤلِّف وأوضحها.
أمَّا عن الأسباب الدَّاعية إلى التَّجديد في العالم الغربي، فيُحدِّثنا المؤلِّف عن عدَّة أسباب؛ منها:
1. طُغيان الكَنيسة ورِجالِها.
2. الاحتكاك بالحضارة الإسلاميَّة.
3. الحالة السِّياسيَّة والاقتصاديَّة.
وعن كلِّ هذه الأسباب تحدَّث المؤلِّف بتفصيل, ثمَّ شرع في ذِكر سمات التَّجديد عند الغربيِّين، وأنَّ من أبرز سماته:
• إقصاء الدِّين.
• الانفلات الأخلاقي.
• تقديس الفِكر المادي.
بعد ذلك حدَّثنا المؤلِّف عن دعوى التَّجديد عند اليهود والنَّصارى, ثمَّ ختم هذا الفصل بآثار دعوة التَّجديد في العالَم الغربي, فذَكَر خلال ذلك محاسنَ حركة الإصلاح التجديديِّ في الغرب, ومساوئه.
الفصل الثاني: كان الحديث فيه عن دعوة التَّجديد في العالَم الإسلاميِّ, وفيه تحدَّث المؤلِّف عن بدايات ظهور هذه الدَّعوة بمفهومها الغربي في العالم الإسلاميِّ, وبين أنَّها مرَّت بمراحل ثلاث، وهي كالتالي:
1. المرحلة الأولى: وهي مرحلة التَّأسيس لهذا الاتِّجاه, وأرَّخ المؤلِّف بدايتها ببداية المرحلة الأولى من مراحل اتِّصال المسلمين بالحضارة الغربيَّة عن طريق البعثات التعليميَّة, وذكر المؤلِّف أنَّ من أبرز رجالات هذه المرحلة رفاعة الطهطاوي, وخير الدِّين التونسي.
2. المرحلة الثانية: وهي المرحلة التي بدأ فيها واقع المسلمين ينتقل إلى طور القناعة بالأخْذ عن الغرب, وظهر تأثير الحضارة الغربيَّة بقوَّة وفاعلية في بلاد المسلمين, وبيَّن المؤلِّف أنَّ هذه المرحلة تختلف عن سابقتها في أنَّ المرحلة الأولى كانت تحاول تطويرَ المجتمع المسلم اجتماعيًّا وإداريًّا؛ ليسايرَ معطيات الحضارة الغربيَّة, بينما سعَت المرحلة الثانية سعيًا حثيثًا لإعادة تفسير الإسلام وأحكامه, بحيث يبدو متفقًا مع الحضارة الغربيَّة, أو قريبًا منها, وغير متعارض معها.
وذكر المؤلِّف أنَّ من أبرز قادة هذه المرحلة سيِّد أحمد خان, وجمال الدِّين الأفغاني, ومحمَّد عبده.
3. المرحلة الثالثة: وهي المرحلة التي نعايشها اليوم, وهي - كما يرى المؤلِّف - ما هي إلَّا امتدادٌ للمرحلة التي قبلها, وبينهما تداخل كبير, والفارق بين المرحلتين: أنَّ أصحاب هذه المرحلة لم يتتلمذوا على يدِ روَّاد المرحلة الأولى مباشرةً، وإنَّما أخذوا عن طلَّابهم, وأنَّ هذه المرحلة تهيَّأ لها من مصادر التلقِّي, ووسائل الانتشار أكثرُ ممَّا تهيَّأ لسابقتها, ومِن أبرز رموز هذه المرحلة الشيخ محمَّد الغزالي, ومحمَّد عمارة, وراشد الغنوشي, وأحمد كمال أبو المجد.
وبعد أنِ انتهى المؤلِّف من ذكر هذه المراحل، شرَع في ذكر الأسباب التي أدَّت إلى ظهور دعوة التَّجديد بمفهومه الغربي في العالم الإسلام, فذكر لذلك أسبابًا داخليَّة، يتمثَّل أبرزها في:
1. الجهل بأحكام الشَّريعة ومقاصدها.
2. رِدَّة فِعل لظاهرة الغلو.
3. ترغيب النَّاس في الدِّين.
4. ضغط الواقع.
5. دعوتهم إلى الوَحدة الوطنيَّة.
6. اتِّباع الهوى.
7. التخلُّف العِلمي والحضاري الذي أُصيبت به الأمَّة الإسلاميَّة، وخاصَّة في قرونها المتأخِّرة.
وأسباب خارجيَّة تتمثَّل في:
1. كثرة الهجرة والابتعاث إلى بلاد الغرب.
2. الانبهار بالحضارة الغربيَّة.
3. دَعاوَى المستشرقين.
4. انشغال كثير من الدُّعاة بالجهاد الدِّفاعي.
5. التأثُّر بالفِرق القديمة.

ثمَّ تحدَّث المؤلِّف عن نظرة الغرب لهذه الدَّعوة في العالم الإسلاميِّ.
أمَّا الباب الثاني من أبواب هذا الكتاب, فكان للحديث عن مصادر التلقِّي عند دعاة التَّجديد والقواعد العامَّة التي يعتمدون عليها, وتحدَّث المؤلِّف عن ذلك في ثلاثة فصول:
الفصل الأوَّل: خصَّه للحديث عن مصادر التلقِّي عند أصحاب الاتِّجاه العقلانيِّ الإسلاميِّ المعاصر, فبيَّن أنَّهم يقدِّمون العقل على النَّقل؛ يُعظِّمونه, ويعتمدون عليه, وقد ناقشهم المؤلِّف في قضية تعظيمهم للعقل وغلوِّهم في ذلك, كما ناقشهم في تقديمهم له على النقل.
وممَّا تناول المؤلف كذلك في هذا الفصل طريقةُ استشهاد هؤلاء بالنُّصوص الشرعيَّة, فذكر لهم عِدَّة انحرافات في ذلك؛ منها:
1. القول بالاعتماد على القرآن وَحْدَه في فَهم الإسلام.
2. تأويلهم النُّصوصَ الشرعيَّة تأويلًا يصرفها عن معناها وما دلَّت عليه إلى معانٍ فاسدة توافق ما ذهبوا إليه.
3. الانتقائيَّة في التعامل مع النُّصوص, فيأخذون منها ما يوافق آراءهم، ويردُّون - أو يؤوِّلون - ما يتعارض معها.
كما تناول بالمناقشة والردِّ استدلالَهم بالأحاديث الضَّعيفة والموضوعة, والإسرائيليَّات.
الفصل الثاني: تطرَّق فيها المؤلِّف للقواعد العامَّة التي استند إليها دُعاة التجديد العقلانيِّ الإسلاميِّ المعاصر, عرضًا ونقدًا؛ فذكر عشرَ قواعد، وتحدَّث عنها بالتفصيل، وهي:
1. القول بنسبيَّة الحقيقة: وبيَّن أنَّهم يقصدون بها: أنَّ الحقائق العلميَّة والقِيم الأخلاقيَّة, والمبادئ التشريعيَّة، والنُّظم الاجتماعيَّة والسياسيَّة - كلها تتبدَّل وتتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان؛ وذلك لأنَّ الحقيقة الثابتة تختلف الأنظار إليها باختلاف زاوية سقوط الشُّعاع الفكري عليها.
2. تاريخيَّة النصِّ أو النَّزعة التاريخيَّة: والمقصود منها إعادة تفسير التُّراث الدِّيني بأصوله وفروعه, مع استبعادهم مفاهيمَ: الحق، والباطل، والإيمان، والكفر, على وَفق المفاهيم العصريَّة؛ لأنَّ الأحكام تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان.
3. التسامح الديني.
4. التيسير: وأوضح المؤلِّف أنَّهم يقصدون بها اتِّباع نهج التَّسهيل والتوسعة، والسَّماحة والتَّخفيف, والبُعد عن التَّصعيب والتَّضييق، والإحراج والإعنات، على المستفتي حتى وإن كان القول مرجوحًا.
5. النظرة المقاصديَّة للنصِّ: وبيَّن المؤلِّف أنَّ هؤلاء قد جعلوا عقولهم معيارًا به تُضبط المقاصد؛ فما رأتْه حسنًا حسَّنته, وما رأتْه باطلًا أبطلتْه، وحذَّرت منه, وإن دعَتْ إليه الشَّريعة.
6. الرُّخصة: فهم يَرون أنَّ من قواعد التَّجديد المعاصر المهمَّة تتبُّعَ الرُّخص وتتطلُّبَها؛ للتيسير على الناس والتوسعة عليهم, فالرُّخصة عندهم هي: النَّظر في جملة الأقوال في المسألة الواحدة، ثم يُنتقى منها ما هو أيسرُ وأحبُّ, بغضِّ النظر عن قوَّة الدَّليل والتَّعليل من عدمه.
7. المُحكَم والمتشابِه الذي أخذ به أصحابُ هذا المسلك في نواحٍ عدَّة, وذكر المؤلِّف عِدَّة مسائل وفتاوى أفتى بها أصحاب التَّجديد وَفق مبدأ المحكَم والمتشابِه.
8. قاعدة عموم البلوى في التَّخفيف, ويذكُر المؤلِّف أنَّ أصحاب هذا الاتجاه جعلوا من هذه القاعدة مجالًا رحبًا للأخْذ بالتيسير, والاحتجاج بها في غير موضعها.
9. الاجتهاد: وبيَّن أنَّهم يدْعون إلى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه, حتى لا تكاد تجد كتابًا من كتبهم إلَّا ويتناول هذا الأمر تصريحًا أو تلويحًا؛ فهُم يزعمون أنَّ الاجتهاد ليس في فُروع الفِقه فحسبُ، بل في أصوله أيضًا, كما أنَّهم يدعون إلى إلغاء اجتهادات الفقهاء السابقين وعدم الاعتداد بها, ويُقسِّمون الشرع إلى ثابت ومتغيِّر, ويدْعون إلى الاجتهاد الطليق.
10. المصلحة: وبيَّن المؤلِّف أنهم وقفوا من المصلحة موقفَ الغلو فيها, إلى درجة تقديمها على النُّصوص الشرعيَّة عند توهُّم التعارض.
وكما أسلفنا فقد ناقشهم المؤلِّف في جميع هذه القواعد, وردَّ عليهم فيها.
الفصل الثالث: كان للحديث عن الآثار المترتِّبة على هذه الدعوة، فذكر المؤلِّف من هذه الآثار:
• إضعاف عالَميَّة الإسلام.
• التكلُّف في تأويل الأحكام الشرعيَّة.
• إضعاف الثِّقة بشمولية الإسلام وهيمنته.
• تزهيد الأمَّة في علمائها.
• مداهنة أصحاب الانحرافات, وتسلُّطهم على أهل الصلاح.
• نشْر ثقافة الانهزاميَّة بين أفراد الأمَّة.
• شَرعنة بعض المبادئ الغربيَّة.
• التهوين من النصِّ.
• التهوين من عقيدة السَّلف.


والكتاب دراسة قيِّمة لهذا الاتجاه, وتجلية واضحة لأصوله، وأفكاره، ومناهجه.