رمضان

أبو الوفا المراغي

 

رمضان هو شهر الصيام، والصيام شعيرة دينية، تعبَّد الله بها الأمم، لمكانها من تهذيب النفوس، وتطهير الأجسام، وتصفية الأرواح، ولأنها داعية التعاطف، ورابطة التواصل، بين الأغنياء والفقراء. فشعور الأغنياء بالجوع في رمضان مشعر بحال الفقراء، داع إلى الإحسان إليهم والعطف عليهم.

والصيام إذلال للنفس، وكسر من شِرَّة كبريائها وبطرها، ثم هو تعويد على الأمانة، وللأمانة أثرها في علاقات الأفراد والجماعات.

وما أحسن ما يقول شوقي في حكمة الصيام:

(الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع؛ لكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة؛ يستثير الشفقة، ويحض على الصدقة؛ يكسر الكبر، ويعلم الصبر، ويسنُّ خلال البر، حتى إذا جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المتع، عرف الحرمان كيف يقع، والجوع كيف ألمه إذا لذع).

وقد يكون ما يعانيه المريض والمسافر من مشقة وتعب، وما يقاسيانه من همٍّ ونصب، وما في ذلك من تهذيب وتأديب يغنيان عن تهذيب الصوم وتأديبه، داعيةَ الترخص في فطرهما.

والصيام تتفاوت مراتبه، ويتفاوت ثوابه، تبعا لتفاوت الكمال في أدائه؛ فصيام ليس لصائمه منه إلا الجوع والعطش، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع العطش)؛ وصيام لصائمه منه جزيل الأجر، وواسع المغفرة، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابًا غفر له)...

وفي الصوم بمجموع درجاته معانٍ اجتماعية أشرنا إلى بعضها آنفا؛ وقد قرن بأعمال مسنونة أو مندوبة تحمل في طياتها معاني اجتماعية كذلك، فيها الخير والصلاح لجماعات المسلمين؛ فقد ندب فيه الإكثار من الجود والتصدق، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم –وإن كان أجود الناس- كان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل يدارسه القرآن، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة.

وشدد فيه النهي عن التسافُه والتشائم، وندب للصائم أن يقول عند دواعي الغضب والاستفزاز: اللهم إني صائم. وسن في رمضان صلاة التراويح، وسنت فيها الجماعة، كما سنت الجماعة في وتره خاصة، تكرارًا لاجتماعات المسلمين المشروعة، وتحصيلًا لما فيها من ثمرات.

ومن طريق ما يقال في هذا الصدد: أن المسافر خير بين الصيام والفطر، إلا أن يكون عامة رفقته مفطرين أو مشتركين في النفقة، فالأولى له الفطر موافقة للجماعة.

وختم الصوم بصدقة الفطر على طريق الوجوب، كما ختم بصلاة العيد، وشرط فيها الجماعة؛ وندب في يوم العيد الإكثار من الصدقات، حتى لقد صح أن يقال: إن رمضان شهر البر، وشهر الفقراء.

تلك هي بعض المعاني الاجتماعية في الصيام، وفيما سنَّ أو ندب فيه؛ غير أن كثيرًا من المسلمين غفلوا عنها، فأضاعوا سرَّ الصوم وروحه، وأحالوه إلى عبادة لا روح فيها، حتى وصفها بعض الخارجين على الدين أنها عذاب لا خير فيه، ولا ثمرة له. {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5]. فالله أعلم بمصالح عباده، وبما هم في حاجة إليه من شرائع يسيرون على نور هديها في طريق الحياة، إلى السعادة التي أعدها الله للراشدين.

وإلى هؤلاء نقول: أرأيتم لو جاءكم صيام رمضان فيما جاءتكم به المدنيات الحديثة، فماذا كنتم تقولون فيه، أكبر الظن أنكم كنتم تقولون إنه من الحكمة التي اهتدى إليها علماء الطب وعلماء النفس في القرن العشرين، وإنه الأمر الذي لا بد منه في صلاح الجماعات، وكبح الشهوات، وكنتم تنسبون إليه من المحامد ما تنكرون فضله وتجحدون قدره.

ورحم الله البوصيري حيث يقول:
 

رَبِّ إِنَّ الْهُدَى هُدَاكَ، وآيا  تِكَ نُورٌ تَهْدِي بِهَا مَنْ تَشَاءُ


وَإِذَا حَلَّتِ الْهِدَايَةُ قَلْباً    نَشِطَتْ لِلْعِبَادَةِ الأَعْضَاءُ
 

نسأل الله أن يفتح قلوبنا لفهم الدين، ويوفقنا للعمل بهدي خاتم المرسلين؛ وأن يجعل صيامنا جنة من العذاب الأليم. كما نسأله وهو القاهر فوق عباده أن يكشف عن عبادة الغم والكرب، ويمنحهم السلم والسلامة.

-----------------------------------------------------------------

 

اختيار موقع الدرر السنية:  www.dorar.net

  المصدر: مجلة الأزهر – إصدار مشيخة الأزهر- 19 رمضان 1360- المجلد الثاني عشر الجزء التاسع 551. بتصرف.