التعريف بموضوع الكتاب :
كتاب هذا الأسبوع جاء للحديث عن موضوع مُلحٍّ، صار حديثَ السَّاعة في الساحة المصريَّة عمومًا، والدعويَّة خصوصًا، بعد ثورة 25 يناير، وما تلاها من تغيُّرات وأحداث، من إقرار تعدُّد الأحزاب، وسلوك فصائلِ العمل الإسلامي - ممَّن لم تكن تعتمد هذه الوسيلة في منهجها الإصلاحيِّ – لهذه الطَّريقَ، واعتماد هذا لأسلوب، فجاء هذا الكتاب ليؤصِّل لمسألة التعدديَّة الحزبيَّة، وموقف أهل العِلم من مشروعيَّة الجماعات الإسلاميَّة، وحُكم الانتماء لها، وضوابط ممارسة هذه العمليَّة لمَن اعتمدها منهجًا للإصلاح والتغيير، وغير ذلك، بما يُجيب عن كثير من التساؤلات، ويحلُّ كثيرًا من الإشكالات، وكذلك يدحض ما أثارتْه الطَّوائف الليبراليَّة والعلمانيَّة من الدَّعاوَى والشُّبهات.
وقد تألَّف الكتاب من مقدِّمة، وفَصلين كبيرين، تحت كل فصل عدَّة مباحث؛ ألمح في المقدِّمة إلى أهميَّة موضوع الكتاب، وإلى هدفه، ومنهجه فيه.
وأمَّا الفصل الأوَّل فكان الحديث فيه عن أُسس ومؤسَّسات النِّظام السِّياسي في الإسلام، وقد جاء في مبحثين، سبقهما تمهيدٌ عن إجماع أهل السُّنة المنعقِد على أنَّ الإسلام دين ودولة، وعلى وجوب إقامة الخِلافة.
وفي المبحث الأوَّل: تحدَّث فيه عن الأُسس العامَّة لنظام الحُكم في الإسلام، فذكر خمسة أُسس يقوم عليها النِّظام الإسلاميِّ، وهي كالتالي:
1- أنَّ السِّيادة للشَّرع، وتحدَّث فيه عن حُكم الامتناع عن تحكيم شرْع الله عز وجل، مشيرًا إلى الأمور المتَّفق عليها في المسألة، وأنَّ محلَّ النِّزاع هو في ظاهرة الامتناع عن التزام الحُكم بشرائع الإسلام والتحاكُم ابتداءً - في الدِّماء والأموال والأعراض - إلى غير ما أنزل الله، وردِّ مرجعيَّة الشَّريعة في علاقة الدِّين بالدَّولة، وهو ما يُعرف بالعلمانيَّة، والفصل بين الدِّين والدَّولة؛ أهو كُفر أكبر مخرِج من الملَّة، أم كبيرة من كبائر الذُّنوب؟ وأجاب بأنَّ جمهور أهل العلم سلفًا وخلفًا على أنَّه كُفر أكبر مخرج من الملَّة، ناقلًا نصوصهم في ذلك.
2- أنَّ السلطان للأمَّة، وأنَّها مصدر السُّلطات.
3- أنَّ التكامل أساس العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
4- أنَّ الشُّورى منهج الحُكم، وقد عرَّف بالشُّورى لُغة واصطلاحًا، موضِّحًا أنَّه لا خلاف في مشروعيَّتها، وأنَّ الخلاف هو في وجوبها أو استحبابها، وقد رجَّح القولَ بوجوبها ذاكرًا أنَّه قول جمهور الفقهاء المتقدِّمين، وأكثر المعاصرين.
5- إقامة العدل وحراسة الحريَّات ورعاية المبادئ وحقوق الإنسان، ووضَّح أنَّ نظرية حقوق الإنسان في الإسلام قامت على أُسس متينة؛ من أهمِّها: تكريم الإنسان، ورحمة الله تعالى بالنَّاس، والعدل المطلق الضامن لحقوق الإنسان.
وأمَّا المبحث الثاني من هذا الفصل؛ فقد تحدَّث فيه عن مؤسَّسات النِّظام السياسيِّ في الإسلام، فذكر أولًا: مؤسَّسة أهل الحَلِّ والعَقد، معرِّفًا بأهل الحَل والعَقد لُغة واصطلاحًا، ذاكرًا مصطلحات مهمَّة ذات صلة بمصطلح أهل الحَل والعقد؛ من ذلك: الأصل الشَّرعي لأهل الحَل والعَقد، وصِفات أهل الحَل والعَقد وشروطهم، ودَورهم ومسؤوليتهم وأعمالهم، ووظيفتهم عند عدم وجود إمام أو خليفة، وحُكم تولِّيهم إقامة الخلافةَ والإمامة والحدود عند عدم وجود إمام، ذاكرًا أنَّ أهل العلم قد اختلفوا في هذا على قولين؛ منهم مَن يقول بعدم جواز ذلك، ومنهم مَن يقول بجوازه؛ وذَكَر أدلَّة كلِّ فريق ومناقشتها، مرجِّحًا القول الثاني، وهو الجواز، مع لزوم أن يكون التَّطبيق العَمليُّ وَفق قواعد المصلحة والمفسدة.
ثم تحدَّث ثانيًا: عن مؤسَّسات السُّلطة الحاكمة، والتي هي: السُّلطة التشريعيَّة، والسُّلطة التنفيذيَّة - متحدِّثًا فيه عن الحُكومة في النِّظام الإسلاميِّ - والسُّلطة القضائيَّة.
وأمَّا الفصل الثَّاني: فقد جعله للحديث عن الأحلاف السِّياسيَّة داخل الدُّول الإسلاميَّة، وقد جاء هذا الفصل في ثلاثة مباحث:
تحدَّث في المبحث الأوَّل عن التعدديَّة السياسيَّة في ظلِّ الدولة الإسلاميَّة، معرِّفًا بمصطلح التعدديَّة السياسيَّة، والأحزاب، لغةً واصطلاحًا، ومعرِّفًا بالأحزاب أيضًا في اللُّغة وفي الاصطلاح، ذاكرًا ما ورد عن الحِزب في القرآن والسُّنَّة. كما تحدَّث أيضًا عن الدَّلالة السِّياسيَّة لمصطلح الحزب؛ فذكَر (الحزب) عند الليبراليِّين، وعند أصحاب الفكر الماركسيِّ، وفي الفِكر والثقافة العربيَّة، ثم عقَّب بذِكر تعريف للحزب السياسيِّ يسلم من الاعتراضات التي وجهت إلى التعاريف المختلفة، وهو أنَّ الحزب: (مجموعة من الأفراد، يجمعها إطار تنظيميٌّ مستمرٌّ، وفكريٌّ ثابت، لها هدف سياسيٌّ، تسعى إليه من خلال وسائلَ سلميَّة). وفي هذا المبحث أيضًا تحدَّث المؤلِّف عن حُكم التعدديَّة السياسيَّة، وحُكم إقامة الأحزاب في الدَّولة الإسلاميَّة، ذاكرًا اتجاهات ثلاثة للعلماء في ذلك:
الأول: مَن يمنع إنشاء الأحزاب السياسيَّة بإطلاق.
والثاني: مَن يقول بمشروعيَّتها بإطلاق.
والثالث: مَن يقول بمشروعيتها في إطار المشروعيَّة الإسلاميَّة العُليا، مرجِّحًا أنَّ المسألة تدور بين قواعد المصالح والمفاسد، والتي تختلف فيها الاجتهادات، وأنَّه لو أمكننا إيجاد بديل أصيل متَّفق عليه، ويُتجنَّب فيه السلبيات المتخوَّفة، لكان هذا هو الرأي المتحتِّم، والخيار الأقوم.
وفي المبحث الثَّاني من هذا الفصل: تحدَّث المؤلِّف عن التعدديَّة السِّياسيَّة في ظلِّ أنظمة الحُكم المعاصرة، مبيِّنًا حُكم هذه التعدديَّة في مرحلة السَّعي لإقامة الدَّولة الإسلاميَّة، وأنَّ للعلماء في ذلك قولين:
الأوَّل: عدم مشروعيَّة الأحزاب والجماعات الإسلاميَّة.
والثاني: مشروعيَّة هذه الأحزاب والجماعات الإسلاميَّة وَفق ضوابط.
ثمَّ ذكَر أدلَّة كل فريق مع مناقشتها، مرجِّحًا التوفيق بين الرأيين على ضوء الواقع المعيش، وواقع تلك الأحزاب والجماعات، ذاكرًا محاورَ ترشيديَّة لتصحيح المسار وتجنُّب المساوئ والأضرار.
ثم تحدَّث عن تعدُّد الأيديولوجيَّات السياسيَّة في مرحلة السَّعي إلى تحكيم الشَّريعة، كمدخل للمبحث الثَّالث والأخير من هذا الفصل، والذي تكلَّم فيه عن حُكم التحالُفات السياسيَّة المرحليَّة مع الأحزاب العلمانيَّة، مع تحرير محلِّ النِّزاع أيضًا، وذكر أنواع تلك الأحزاب؛ وأنَّ منها: أحزابًا علمانيَّة متطرِّفة غالية محاربة للإسلام، وأنَّ منها: أحزابًا علمانية غير غالية، تَقبل بصورة جزئيَّة خاصَّة من الإسلام، ذاكرًا قولَيْ أهل العلم في ذلك، وهما: القول بعدم جواز هذا التحالُف السياسيِّ مطلقًا، والقول بمشروعيَّة عقْد هذا التحالف وَفق ضوابط. مع ذكر أدلَّة كلِّ فريق ومناقشتها، مرجِّحا أنَّ كِلا القولين محلُّ نظر، وأنَّ الأمر يحتاج إلى تفصيل، ويختلف في كلِّ بلد عن الأخرى، محدِّدًا مجموعةً من الضوابط على أساسها يمكن الحُكم في هذه المسألة.
ثمَّ ختم الكتاب بالحديث عن مسألة: هل يجوز للاتجاه الإسلاميِّ أن يَدخُل في تحالف لإقامة بديل سياسيٍّ يَكُون الحُكم فيه ديموقراطيًّا؟ مجيبًا عن هذا التساؤل بذِكر وجهات نظر مجموعة الباحثين والمفكِّرين الإسلاميِّين الذين اختلفت وجهة نظرتهم بين مجيب بالنَّفي، ومجيب بالإثبات، وفريق ثالث يذهب إلى التَّفصيل. وخلص المؤلِّف بأنَّ هذه المسألة أيضًا تحتاج إلى تفصيل، مؤكِّدًا على أهميتها وأنها متعلِّقة بمستقبل العمل الإسلاميِّ، ومن ثَمَّ مستقبل الأمَّة؛ فرُبَّ مغلِق للباب بالكليَّة يعطِّل على الأمَّة كثيرًا من المصالح الشرعيَّة، وكم من فاتح للباب على مِصراعيه يُدخِل على الدِّين ما ليس منه.