قراءة ونقد

تفكيك الاستبداد
book
محمد العبدالكريم
عنوان الكتاب: تفكيك الاستبداد (دراسة مقاصدية في فقه التحرر من التغلب)
النـاشـر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر - بيروت
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 2013م
عدد الصفحات: 223 صفحة
عرض ونقد: القِسم العِلمي بمؤسَّسة الدُّرر السَّنية

أولًا: عرْض الكتاب:

كتاب هذا الشهر هو واحد من تلك الكتُب التي تنشُد الإصلاح عن طريق نقد الواقع الذي تراه مخالفًا للشريعة الغرَّاء، وتعرِض هذا النقد بجُرأة - أحيانًا - غير محمودة. ومؤلِّفه متخصِّص في أصول الفقه، وله نشاط سياسي وحقوقي معروف؛ فهو أستاذ مساعد بقسم أصول الفقه - كلية الشريعة - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرِّياض، ومستشار بهيئة حقوق الإنسان، وعضو الجمعية السعوديَّة للعلوم السياسيَّة، وقد تعرَّض للاعتقال جرَّاء بعض آرائه وأطروحاته الناقدة والناقمة على الواقع.

تألَّف الكتاب من مقدِّمة، ومدخل، وثلاثة فصول، وخاتمة؛ أشار في المقدِّمة إلى هدف الكتاب، وهو خوض معركة بناء التحرير من قيود البَشر واستبدادهم، وجعل مدخل الكتاب لقراءة في التجرِبة السياسيَّة الأولى للصَّحابة الكرام رضي الله عنهم؛ ليعرِّف بالفرق بينها وبين ما تلاها من تجارِب، وبين الحُكم الشوريِّ والحُكم التغلُّبيِّ.

وأمَّا الفصل الأول: فقد خصَّه للحديث عن بنيان الاستبداد، واصفًا إيَّاه بأنه بنيان الجحيم، وأنَّ ثمَّتَ جريمةً حدثَتْ باسم الشرع، وهي تقنين العلاقة مع المعتدي ومَن معه، ومنْع استرداد الحقِّ بالقوَّة، وتطلُّب النُّصوص الشرعيَّة والآثار السَّلفية والقواعد الأصوليَّة لتأييد مبدئهم.

والفصل الثاني: تحدَّث فيه عن تفكيك الاستبداد، موطِّئًا بتعريف الاستبداد، متحدِّثًا عن تقنياته، ثم فصَّل الحديث عن تفكيك الاستبداد مستعرضًا للآيات والأحاديث والآثار التي يستشهِد بها (علماء الاستبداد) - على حدِّ زعْمه - ثم يردُّ عليهم، ذاكرًا الآراء المخالِفة لهم، وما يُستنبط من هذه النصوص خلاف ما استنبطوه هم منها. كما تحدَّث في هذا الفصل عن التأصيل العَقدي في طاعة المتغلِّب، وعن توظيف الإجماع في شرعيَّة التغلُّب، وعن تفكيك المصطلحات الشرعيَّة (كالبيعة وأهل الحل والعقد...إلخ) معيدًا تركيبها، ثم تكلَّم عن استثمار القواعد الفقهيَّة في بقاء المستبدِّ الجائر، ونشر المأثورات السلفيَّة ومقولات ما أسماه (الفقه الساساني) في تقديس الحكَّام، ناقدًا هذا المسلك.

وأما الفصل الثالث: فقد جعله للحديث عن آثار الاستبداد على التوحيد، وعلى أصول الشرع وقواعده، وعلى قِيم الإسلام الكليَّة، وعلى آثاره في السياسة أيضًا. وفي الخاتمة ذكَر نتائج بحثه التي وصلت إلى 56 نتيجة.

ثانيًا: نقد الكتاب :

تداول هذا الكتابَ كثيرٌ من الناس وبعض الدُّعاة إلى الله تعالى؛ فمنهم مَن تلقَّفه بالإعجاب والانبهار، ومنهم مَن توجَّس منه وارتاب. والحقُّ أنَّ في الكتاب أمورًا جيِّدة؛ مثل أهمية رفْع الظلم والسعي في إزالته بكلِّ مستطاع، والتأكيدِ على أمْر الشورى، وعلى عدم رفْع الحاكم عن مرتبة دون سائر البشر، وعدم الإقرار على تمكينه من ظُلم العباد، والإفساد في البلاد، وغير ذلك. وهذا كله حقٌّ نوافقه عليه، إلَّا أنَّ في الكتاب مؤاخذات وأخطاء لا يَسعُنا السكوتُ عليها، سنشير في هذا العرْض إلى أهمِّها، ونعقِّب عليها باختصار بما يتناسب مع المقام:

1- فمِن المؤاخذات: جنوح المؤلِّف إلى تَعميم الحُكم بتأويل العلماء والفقهاء قديمًا وحديثًا للنُّصوص الشرعيَّة؛ لتناسب الواقع وتخدُم استبداد السُّلطات الحاكمة : وهذه فِرية على العلماء بهذا الإطلاق، وشبهة مؤدَّاها هدْم المرجعية، وانعدام الثِّقة بالعلماء، والمؤلِّف متابع في ذلك للدكتور حاكم المطيري في كتابيه ((الحرية أو الطوفان))، و((تحرير الإنسان وتجريد الطغيان))، بل يكاد يكون كتابه هذا اختصارًا لهما، ولم يأتِ فيه بجديد عنهما، ويظهر تأثره بهما في هذه القضية في كتابه كلِّه، ولم يخفِ المؤلف إعجابه بتقسيم الدكتور المطيري لمراحل الخطاب السياسي بقوله في هامش (ص: 206): (انظر: حاكم المطيري، الحرية أو الطوفان. فقد أبدع المؤلِّف في تقسيم الدِّين لمنزَّل ومؤول ومبدَّل، عبر 1400 سنة). وقد أوضحنا في عرضنا لكتاب ((الحرية أو الطوفان)) ما في هذا التقسيم وهذا التعميم في المرحلة التي سُمِّيت بالخطاب المؤوَّل من المؤاخذات - ممَّا يُبرِّئ ساحة الأئمَّة والعلماء والفقهاء قديمًا وحديثًا - بما يُغني عن إعادته هنا. ولا بأس أن نشير إلى  نقولات من كتاب الدكتور العبدالكريم التي تؤصِّل لهذا الأمر، ونعقِّب عليها باختصار شديد:

يقول (ص 29 - 33): (ولأن بنيان الاستبداد بمكوِّن دِيني هو الأشد قهرًا وفتكًا وتشويها للإسلام، فقد آثرتُ تخصيصه بالحديث...) ثم يقول: (لقد تم التأصيل والتشريع والتكوين وتنظيم مشروع الاستبداد على نحو يصعُب الوصول لأبراجه الشاهقة في البنيان والتراصِّ، بل يصعب التصدِّي له ما لم تتعاضد له الجهود الفكريَّة والشرعيَّة للإشهار به وتعريته، مهما كان الثمن الذي سيُدفع) ثم تحدَّث عن العلماء والفقهاء ملقِّبًا إياهم بـ(المشرعين): (أنَّهم قاموا بتقنين العلاقة مع المعتدي ومَن معه، ومنعوا استرداد الحقِّ بالقوَّة، وتطلَّبوا النصوص الشرعية والآثار السلفيَّة والقواعد الأصوليَّة (المصالح والمفاسد)؛ لتأييد مبدئهم، وتصرَّفوا في بعضها للدلالة على عدم جواز مقاومة المعتدي بالسِّلم أو بالعنف...  فقنَّنوا بها حقَّ المعتدي الكامل في بقاء الحقِّ له، وفي ذريته من بعده، حتى يرِث الأرض ومَن عليها، أو يأتي غالب آخر فيتغلَّب فينتقل من معارض خارجي مبتدِع ضالٍّ إلى صاحب حق!... ولكي لا يُقال بأنهم تركوه من دون نُصحه، قاموا بتحديد وسائل الممانعة وحصرها بالنَّصائح السِّريَّة... وقنَّنوا عدم جواز مقاومته بالنقد العلني أو بالوسائل السِّلمية المختلفة، وجعلوها من الخروج باللِّسان، ولا يمنع أن يكون له أحكام الخروج المسلَّح عند بعضهم، فيجوز قتل المتظاهرين أو الداعين لها... بل قامت بتشريع الكف عن المطالبة بجميع الحقوق الأخرى، وطلبها في الدار الآخرة... ثم قننوا بعد ذلك تجريم المطالبة بالحق فاعتبروا المطالبة بالحقوق بغير الوسائل "الصامتة" فتنة ومنازعة الحكم لأهله... بل اعتبروا كلَّ طريق آخر هو طريق ضلالة لا يُثمر إصلاحًا، بل طريق للفتنة والفساد ... هكذا تم تكريس التغلب كحالة واقعية دائمة لا مفرَّ من القَبول بها والتعايش معها، حتى يلقى الرسول على الحوض... وقد عبَّر عن هذا المعنى بوضوح بدر الدين بن جماعة (ت: 733) ثم نقل كلامه) اهـ كلام المؤلِّف باختصار.

ومن هذا الباب أيضًا قوله ناقدًا للإمام المزني، ومتهكِّما على كلامه (ص: 73): (قال المزني: "والطاعة لأولي الأمر فيما كان عند الله عز وجل مرضِيًا، واجتناب ما كان عند الله مسخِطًا، وترْك الخروج عند تعدِّيهم وجَورهم، والتوبة إلى الله عز وجل". والمزني رحمه الله يُذكِّر الأمَّة بالتوبة إلى الله عز وجل، فهي التي اعتُدي على حقها، وهي التي عليها أن تتوب! فلعلَّ توبتها تعيد الحق إلى أهله! فكأنَّ الملك العضوض، وهو ملك عسف وظلم يعتبر جائزًا إذا قُيِّد بالطاعة في المعروف، ومحرَّمًا إذا لم يقيد!).

وقوله (ص: 96): تحت عنوان: (التأصيل العقائدي في طاعة المتغلب) متهكمًا أيضًا على كلام الإمام الطحاوي:  (قال أبو جعفر الطحاوي الحنفي رحمه الله في العقيدة الطحاوية: "ولا نرى الخروج على أئمَّتنا وولاة أمرنا، وإن جاروا، ولا ندْعو عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والعافية". فالطحاوي رحمه الله لا يكتفي بطاعتهم، بل يجعل من منهج أهل السنة والجماعة عدم الدعاء على الحاكم الجائر المغتصب للسلطة! ويرى أنَّ من منهج أهل السُّنة أنَّ طاعة الحاكم الجائر المعتدي على حقِّ الأمَّة من طاعة الله عز وجل!).

التعقيب:

هذا الطرح بهذا الأسلوب لا يليق بعلماء الأمَّة وفقهائها وأئمَّتها من أمثال المزني والطحاوي وغيرهما؛ فهم أتقى لله تعالى من أن يحرِّفوا شرعه لأجل بشر من البشر؛ والمؤلف - عفا الله عنه - خلَط بين مسائل شرعية مستقرَّة عند فقهاء الأمَّة منذ قرون بناءً على الأدلَّة الشرعيَّة الصحيحة، وبين مسائل أثارها في الآونة الأخيرة بعضُ المعاصرين من غير دليل شرعي، ونسبَها كلها إلى علماء الأمَّة! وهذا الصنيع من المؤلِّف فيه تدليس وتضليل، ودغدغة لعواطف الناس في المطالبة بحقوقهم التي لا نختلف معه في ضياع كثيرٍ منها، وضرورةِ السَّعي لاستردادها، لكن ليس من خلال الطعن في ثوابت الأمَّة وعلمائها والتشكيك فيهم، وهم بلا شكٍّ أفهمُ لدين الله جل وعلا وشرعته ممَّن هو دونهم في العلم والدِّيانة؛ يتبيَّن هذا ويتَّضح في المأخذ الثاني:

2- سوء الظنِّ بالعلماء، وعدَم الفَهم لكلامهم، في مسألة طاعة المتغلِّب؛ فالمؤلِّف يزعم أنَّ العلماء والفقهاء قالوا بشرعية التغلُّب، وأصَّلوا له، وساوَوْا بين مَن تغلَّب بسبب حِفظ الدِّين ومَن تغلَّب حرصًا على الدنيا، ويُقِرُّون الحاكم المستبِدَّ على عدَم تطبيقه للشريعة! يقول (ص: 99): (وقد كثرت الرِّواية عن أئمَّة السَّلف في النهي عن الخروج على الحاكم الجائر "لا فرق بين المتغلِّب وغير المتغلِّب"، وجعل ذلك منهج أهل السُّنة، واعتبار ما عداه منهجَ أهل البدع والخوارج. وهي آثار كثيرة، تُروى في طاعة السلطان الجائر، والكفِّ عن طاعته في غير جَوره، واعتباره إمامًا وإن تغلَّب وقهَر الناس بالسيف، فالخروج عليه منهجُ أهل البدع.

ونتيجة هذه الآثار: - شرعية التغلُّب الدِّينية والسياسيَّة وشرعيَّة طاعة الجائر، وتبديع الخارج عن طاعته...)، ثم ذكر كلام شيخ الإسلام في ذلك وكلام ابن المَديني وكلام ابن المنذر وغيرهم، وأنَّ هذه النصوص تُورَد للاستدلال بها على كِيانات سلطويَّة جبريَّة متغلِّبة، وليس في حاكم جاء بالشورى ثم جار في حُكمه.. ثم قال: (وهذه مجازفة عِلميَّة!! فالنُّصوص لا تُحمل على الظروف الطارئة، فالأصل حمْلُها على مقاصدها الشرعية، ومقاصد الشرع إقامة النِّظام السياسي على قِيم الشورى وولاية الأمَّة).

وهذا فيه من الخَلْط ما فيه؛ إذ يوهم أنَّ العلماء الذين نقل كلامهم كأنهم أصَّلوا هذا من عند أنفسهم، وجعلوه من منهج أهل السنة، ومخالفه من أهل البدعة، تبعًا لآرائهم وأهوائهم. ولم يبيِّن لنا المؤلِّف مَن مِن أهل السنة أو مِن علماء الأمَّة مَن لم يقل بوجوب طاعة المتغلِّب في غير معصية الله تعالى إذا قام بمقصود الخِلافة، ولم نجد في كتابه نقلًا واحدًا يؤيد ما ذهب إليه.

3- اتِّهامه العلماء بتوظيف الإجماع في شرعيَّة التغلُّب: وهذا اتِّهام خطير في مصداقية العلماء، وطعن في منهجهم، والعلماء المعنيُّون هنا مَن أجمعت الأمَّة على إمامتهم كالإمام النَّووي، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة، وابن حجر العسقلاني وغيرهم، فهؤلاء هم مَن نقل الإجماع، يقول المؤلِّف - هداه الله - (ص:102- 103) تحت عنوان (توظيف الإجماع في شرعية التغلب): (وهذا الإجماع ليس فقط في الحاكم الذي تغلَّب لأجل تطبيق الشريعة، بل هو إجماعٌ عام على طاعة إمام متغلِّب، ولو كان تغلُّبه لأجل شهوة الاستيلاء على السُّلطة. وهو إجماع على منْح الحاكم المتغلِّب جميعَ الحقوق التي ينالها الحاكمُ المنتخَب بالشورى لا فرق. يقول الحافظ ابن حجر في الإجماع على طاعة المتغلِّب: "وقد أجمع الفقهاءُ على وجوب طاعة السلطان المتغلِّب، والجهاد معه، وأنَّ طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حَقن الدماء، وتسكين الدهماء"). ثم يعقِّب عليه بقوله: (واللازم من الطاعة الإقرار بشرعيَّة ملك التغلُّب، فالوسائل التي جرَت لاستبقاء تغلبه تدلُّ على تشريع حُكم التغلُّب).

ثم يقول أستاذ أصول الفقه (ص:104): (وهو إجماع - إن صحَّ - فهو مخالف لما دلت عليه السنة في وجوب اتباع سنن الخلافة الراشدة في الحكم الشوري)!

فهل سمعتم بإجماع صحيح يخالف السُّنة؟!

ومن قال بأنَّ اللازم من الطاعة الإقرار بشرعية التغلُّب؟! وسيأتي من كلام ابن حجر نفسه ما يرد على المؤلِّف ويوضِّح أنه لا تلازم بين طاعة من تغلَّب وبين عدم جواز التغلب ابتداءً.

4- إصرار المؤلِّف على أنَّ علماء الأمَّة وفقهاءها يجوزون التغلُّب والملك العضوض والملك الجبري ، وقد كرَّر هذا أكثر من مرة، مع عدَم التفريق بين الجواز والإجزاء، فيقول (ص: 187): (ثانيًا: آثار الاستبداد على أصول وقواعد الشرع، وتمثلت فيه: 1- توريط الشريعة في ترسيخ كيان الاستبداد. فتشريع الغلبة والاستئثار بالسلطة تم بواسطة نصوص وتأصيلات عقدية، وإجماعات، وآثار، واستثمار لقواعد الشرع، وقد ظهر ذلك في استعمال النصوص في غير ما سيقت له:...). ويقول أيضًا (ص: 197): (فالنظرية الاستبداديَّة تقوم على الأُسس الآتية: أ- جواز التغلُّب والملك العضوض والملك الجبري؛ لسببين:

الأول: إذا كان المتغلِّب ذا شوكة وقُدرة على حراسة الدِّين وسياسة الخَلق، فتنعقد له الإمامة.

ثانيًا: إذا كان المتغلِّب ذا شوكة وعصبيَّة وتغلَّب بالسيف للاستئثار بالحُكم، فلا تجوز مقاومته، بل تجب طاعته وتنعقد له الإمامة؛ خشيةً من الفتنة. ولا فرق بينه وبين مَن تغلَّب لحراسة الدِّين وسياسة الخَلق، وعليه فلا مانع مِن صرْف كل أحاديث الطاعة والصبر على طاعة السلطان الجائر وأثَرته وعدم منازعة الأمر أهله؛ لتخدم فقه التغلُّب).

ويقول أيضًا (ص:198): (إذا جار المتغلِّب بعد تغلُّبه، وساس الناس بالقهر والاستئثار بالأموال، ولم يقم بحراسة الدِّين وتطبيق الشريعة كما ينبغي، فيستمرُّ في سلطته، وتجب طاعته، وعدم الخروج عليه بالسلاح، ما لم يُعلن كفرًا بواحًا؛ خشية الفتنة كذلك...).

فهذه النقولات توضِّح عدم فهم المؤلِّف لكلام العلماء على وجهه الصحيح، ووصفه لهم بما هم منه براء؛ فليس معنى قولهم: إنَّ المتغلِّب تجب طاعته: أنَّ التغلُّب لشهوة دنيوية جائزٌ شرعًا، أو أنه يُقَرُّ على ظلمه للعباد، وإفساده في البِلاد؛ فضلاً عن زعمه بأنه يُقَرُّ على عدم تطبيقه للشريعه، ولو تدبر المؤلِّف الكلام الواضح الصَّريح للعلماء لحُلَّت إشكالية كبرى وقع فيها واستمرَّ استحضارها معه في كلِّ الكتاب، وبنى عليها أحكامه واستنتاجاته الجائرة؛ من ذلك:

قولُ الإمام النووي رحمه الله: (وتتصوَّر إمارة العبد إذا ولَّاه بعض الأئمَّة، أو إذا تغلَّب على البلاد بشوكته وأتباعه، ولا يجوز ابتداءً عقد الولاية له مع الاختيار، بل شرطها الحرية) [شرح النووي على مسلم (12/ 225- 226)].

وقول ابن بطَّال رحمه الله: (وقوله عليه السلام: (اسمع وأطع) يدل على أن طاعة المتغلِّب واجبة؛ لأنَّه لما قال: (حبشي) ، وقد قال: (الخلافة في قريش) ، دلَّ أن الحبشي إنما يكون متغلبًا، والفقهاء مجمعون على أنَّ طاعة المتغلِّب واجبة ما أقام على الجُمعات والأعياد والجهاد، وأنصف المظلوم في الأغلب، فإن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من تسكين الدهماء وحقن الدماء، فضرب عليه السلام، المثل بالحبشي إذ هو غاية في الذم، وإذ أمر بطاعته لم يمنع من الصلاة خلفه، فكذلك المذموم ببدعة أو فسق. قال المهلب: قوله: اسمع وأطع لحبشي، يريد في المعروف لا في المعاصي، فتسمع له وتطيع في الحق، وتعفو عما يرتكب في نفسه من المعاصي ما لم يأمر بنقض شريعة، ولا بهَتْك حُرمة لله تعالى، فإذا فعل ذلك فعلى الناس الإنكار عليه بقدر الاستطاعة، فإن لم يستطيعوا لزموا بيوتهم أو خرجوا من البلدة إلى موضع الحق إن كان موجودًا) [شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 327 - 328)].

وهذا هو المقصود من كلام أهل العلم القُدماء والمعاصرين، والواجب حمل كلامهم العام والمشتبه عليه: أنَّ أمر التغلُّب والقهر غيرُ جائز، وهو محرَّم شرعًا، ولكن عندما يقع اضطرارًا لا اختيارًا؛ فماذا على الأمَّة إذا اضطرت إلى ولاية المتغلِّب المتسلِّط بالقهر، ولو لم يستجمع شروط الإمامة؟ الواجب حينئذ ما ذكره العلماء، وهو المتسق مع مقاصد الشريعة الغراء. ولا يعني قولهم بوجوب طاعته أنَّ التغلُّب جائز شرعًا كما هو واضح بيِّن؛ ففرقٌ بين كون المتغلِّب بعد تغلبه تُجِزئ ولايته وتجب طاعته؛ وبين جواز تغلُّبه ابتداءً؛ وها هو الحافِظ ابن حجر يُصرِّح بما ذكرنا وبأنَّه لا تلازم بين الإجزاء والجواز بقوله: (فقد وُجد مَن ولي الإمامة العظمى من غير قريش من ذوي الشوكة متغلبًا... وقد عكسه بعضهم فاستدلَّ به على جواز الإمامة في غير قريش وهو مُتعقَّب؛ إذ لا تلازم بين الإجزاء والجواز، والله أعلم) [فتح الباري لابن حجر (2/ 187)]. كما لا يعني تأصيل العلماء هذا، الإقرارَ على ظُلم العباد وانتهاك حقوقهم، بل يُنصَحون بما يُستطاع، ويُدفع ظلمُهم وجورهم بما يُقدر عليه من غير مفسدة راجحة على الظلم الواقع منهم، وكلُّهم ذَكَروا من شروط طاعة المتغلِّب: ما أقام الجمعات، وما لم يأمر بمعصية أو بنقض شريعة، أو بهتك حُرمة، أو ما في معناه. ولم يُسوُّوا بين المتغلِّب الذي حقَّق مقصود الولاية، وبين المتغلِّب المنتهك لحُرمات الشريعة. والعلماء والفقهاء في هذا التأصيل صادرون على مقتضى النصوص الشرعيَّة والفَهم الصَّحيح لها كما يقول ابن حجر: (وقدْ أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلِّب، والجهاد معه، وأنَّ طاعته خيرٌ من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء، وحجُّتهم هذا الخبر وغيره ممَّا يساعده) [فتح الباري (13/ 7)]، وإن كان يصدر مِن آحادهم بعض الزلات، أو المبالغات، ولكن الأمَّة في مجموعها لا تضلُّ كما هو معلوم، ولا تُؤوِّل لتبنيَ بنيان الاستبداد، أو تُلصِق بالشرع المطهَّر ما ليس منه إرضاءً للسلطان كما يزعم المؤلِّف. والعجيب أنَّ الدكتور نقَل كلام ابن حجر السابق منتقدًا إيَّاه، ولم يذكر قوله: (وحجُّتهم هذا الخبر وغيره ممَّا يساعده)، بل علَّق عليه بلازم لا يلزمه، أوضحنا خطأه! وكذلك ذكَر المؤلِّف أيضًا الحديث الذي فيه ذكر السمع والطاعة للعبد الحبشي، ولم يقف عند دَلالته الواضحة الصريحة، والتي استدلَّ بها العلماء على وجوب طاعة مَن تغلَّب، وإن لم يكن ابتداءً أهلًا للإمامة، بل واصل اتهامه للعلماء والفقهاء وأنَّهم يدَّعون أن التغلُّب منهج أهل الحق والعدل والسَّلف، ملقِّبًا إيَّاهم بـ(مشرعو الاستبداد)؛ قال (ص: 184): (فقد أخبر عنها صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: "أوصيكم بالسَّمع والطاعة، وإنْ عبدًا حبشيًّا..."، وسنن الخلفاء كانت في باب الإمامة تحكيم القيم السياسية الشورى والعدل والمساواة وولاية الأمة كأظهر ما كانت عليه سنن الحكم الراشد؛ فكيف يدعو النبيُّ صلى الله عليه وسلم للتمسك بسنته، ويدَّعي مشرعو الاستبداد أن التغلُّب منهج أهل الحق والعدل والسلف، وهو محدَث في الإسلام بدلالة ما سبق قوله "أول من يغير سنتي..."، بل أكَّد ذلك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في بعض الأحاديث التي تؤكِّد عدم شرعية مَن خالف سنن النبي وهديه في سياسته، فكيف تكون منهجًا شرعيًّا واجب الاتباع)!

 وفي هذا إيهام وتضليل للعامَّة، وإسقاط لعلماء الأمَّة قاطبةً، وإذا سقط العلماء الربانيُّون سقطت الشريعة، والمؤلِّف لم يستثن أحدًا منهم!

وهذه أسماء لبعض العلماء الذين ذكرهم في كتابه هذا رغم صغر حجمه، وقد عدَّهم المؤلف من مشرعي الاستبداد، أو من الذين يوظفون النصوص والآثار والإجماعات على ذلك ويجوِّزن الملك العضوض والجبري:

الشعبي (ص:151،152)، الفضيل بن عياض  (ص:158)، الإمام الشافعي (ص:98)، ابن المديني  (ص:100)، الإمام أحمد  (ص:97، 199)،  المزني  (ص:73)،  ابن جرير الطبري (ص:40)،  أبو بكر الخلال (ص:97)، ابن المنذر  (ص:101)، الطحاوي  (ص:96)، البربهاري  (ص:158)، الماوردي  (ص:156)، البغوي  (ص:41)،  أبو يعلى الحنبلي  (ص:199)، النووي  (ص:60)، ابن تيمية  (ص:40)، ابن كثير (ص:40)، ابن حجر العسقلاني  (ص:103)، محمد بن عبدالوهاب  (ص:102).

5- ومن الأخطاء التي وقع فيها المؤلِّف في كتابه هذا: أنه يُسقط الواقع على فتاوى، بل إجماعات العلماء السابقين، ويضرب بها النُّصوص النبويَّة الصريحة والصَّحيحة، فيقول:(ص: 168): (ووجه هذه المنازعة: أن المستبد يتحكَّم في حياة شعبه، منذ الولادة وحتى الموت، ومع مَن تتحدَّث في مجلسك، ومَن تنتقد، ومَن يحرُم عليك نقده، يضَع نفسه موضعَ مَن لا يُسأل ولا يحاسب، هو فوق القوانين والكل تحت رأيه، كل الشعب بكل طبقاتهم ومناصبهم تحت سيادته وملكه، لا يملكون قرارًا إلَّا ما أذن به، ولا يرون رأيًا فوق رأيه، ولا يشاؤون دونه مشيئته، {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 29]، يعُدُّ عليك أنفاسك، ويحدد مكانك، وهو الذي يسمح لك أن تسافر إلى المكان الذي يريد، ويمنعك متى أراد، وهو الذي يضع القوانين؛ فإن شاء طبقها عليك، وإن شاء داس بها الأرض أمامك، ولا تملك محاسبته، فقد حدّد لك طريقة مناصحته، حتى المال الذي في يدك فهو يملك - إنْ شاء - انتزاعَه منك ولا تملك مدافعته، فأنت بالفتوى ترتكب أعظم الشرين، إلَّا أنَّك بنص الشرع أنت شهيد لو قتلته [الصواب: لو قتَلَك] فأنت من سادات الشهداء - كما سبق - ودمه هدر، ولو جلد ظهرك وبطش بك وبأهلك وانتهك جسدك، فلا يجوز لك مدافعتُه، فأنت بالفتوى تعتبر مرتكبًا لأعظم الضررين، فماذا بقِي من كرامتك؟! وماذا بقي من توحيدك أو عقيدتك الصافية، وقد سخَّرك المستبد لطاعته، وسخرك الشيخ لتخضع له باسم الدِّين، وإذا لم تكن هذه الوثنيَّةَ السياسيَّة؛ فماذا عسى أن تكون الوثنية؟!).

فهو إذًا حريصٌ على التوحيد والعقيدة الصافية، وقد ذكَر في مقدِّمة كتابه (ص: 7): أنَّ من أسباب تأليفه للكتاب أنَّه: (من أجل توحيد لا شركاء فيه بين العبد وربِّه، وتوحيد لا مدبر [الصواب: لا تَدبير] ولا ملك ولا سيادة فيه ولا سلطة إلا لربِّ واحد).

والمؤلف يُشكر على حرصه على جناب التوحيد، لكنه لن يكون أحرصَ عليه من الطحاوي، والمزني، وابن المديني، وابن المنذر، والنووي، وابن تيمية، وابن عبدالوهاب؟! فكل هؤلاء وغيرهم ذكرهم في كتابه هذا، وعدَّهم من مشرِّعي الاستبداد، وهذا عنده يخدش في جناب توحيد، بل إننا نقول إنَّ من حماية التوحيد حماية أهله، وأهلُه هم العلماء الربانيون من أمثال الذين اتهمهم المؤلف بنقض توحيد الحاكمية.

6- وممَّا يؤخذ على المؤلِّف أيضًا: عدَم فضِّ الاشتباك بين ذِكر العلماء والفقهاء للطاعة المأمور بها التي تنتظم بها حياةُ الناس، وبين الغُلوِّ في تلك الطاعة، وكذلك عدَم فضِّ الاشتباك بين وجوب احترام أهل العلم والصُّدور عن رأيهم، والثِّقة في دِيانتهم، ووجوب أن يكونوا مرجعيَّةً للأمَّة في المدلهِمَّات، وبين والغلو فيهم وتعظيمهم المنهي عنه:

يقول (ص: 196): (إنَّ فِتنة التعلُّق بالشيوخ وتبجيلهم وتعظيمهم أشدُّ من كل فتنة، فهي تُنصِّب الشيخ وسيطًا بين العبد وربه وحاجبًا دون فَهم نصوصه، وكلَّما زاد التعلُّق زاد التعظيم والتبجيل والتفخيم، وقد يُفتن الشيخ بتعلُّق الناس به؛ فهو بشر، فيرى نفسه كما لا ينطق عن الهوى، وقد يعظُم على أتباعه سماع استدراك عليه، وعند ذلك تتجسد علاقة العلوِّ والطُّغيان واتخاذ الأحبار والرُّهبان أربابًا باسم الدِّفاع عن الدِّين، فالخطأ على الشيخ أو تخطئته يرادف الخطأ على الشرع، فكل ناقد لشخصه ولمنهجه فهو ناقدٌ للدِّين، وكل رافض لفتواه فهو يرفض الوحي والشرع، ولن تجد أشد من أتباع الشيوخ في التنقُّص من الناس والتعالي عليهم واتِّهام الآخرين بالهوى والزيغ والابتداع...، واستعداء المستبدِّ السياسيِّ على من ناوأ شيخًا صدره الأتباع لمواقفه المتصلبة من منكرات عامَّة الناس، مع ضعْفه في مواجهة مظالم المستبِدِّ الأعظم).

وهذه الصُّورة الشنيعة التي ذكَرها المؤلِّف لا يقرُّها مسلم، فضلًا عن عالم، وليست هي من كلمات العلماء الربانيِّين، والمؤلِّف لا يَستثني أحدًا من العلماء، بل يذكُرهم على وجه الإجمال والتعميم.

وقد أُمرنا بإجلال العلماء وتعظيمهم، وسؤالهم عمَّا لا نعلم، والصُّدور عن رأيهم، وردِّ الأمور إليهم، خصوصًا تلك الأمور المشتبهة؛ قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وقال عز من قائل: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، وكل هذا لا يعني الافتتانَ بهم أو تنصيبهم وسطاء بين العبد وربه...إلخ؛ فلا بدَّ من التوضيح والفصل بين الأمرين. كما أن أتباع الشيوخ (أهل العلم) بحقٍّ؛ هم أَوْلى الناس بكلِّ أدب وخير، وليسوا هم كما ذكر المؤلِّف عنهم، وحتى إن وجد في بعض أتباعهم ما يُستنكر، فلا يصحُّ التعميم.

7- ومن المؤاخذات على المؤلِّف: قوله (ص: 192): (فلا معنى لبقاء استبداد دِيني لولا بقاء المستبِدِّ الحاكم، فهو ذراع الحماية، والرافعة لسلطة رجال الدِّين، وإلا فبذهاب المستبد فلا يملك رجل الدين إلَّا الرِّضا والتعايش والمساواة، ودعوة الناس بالتي هي أحسن، ويصبح الجميع أمام قانون الشرع والحق سواء، فلا يملك حزب أو جماعة أو تيَّار وصل للسلطة عبْر الحُكم الشوريِّ وصناديق الانتخاب، التسلط والتجبر، فالسلطة للشعب، وهم متساوون في تلك السلطة، ومتساوون أمام القانون، فليس فوقهم إرادة تعلو على إرادتهم).

التعقيب:

في هذا الكلام وهذا التأصيل نظر من وجهين:

أحدهما: الاتِّهام الصَّريح لعُلماء الأمَّة ورجال الدِّين - كما يسميهم – بأنهم يستبدون حين تحميهم السلطة، وحين تتخلَّى السلطة عنهم، فلا يملكون إلا الرِّضا ...إلخ. وقد سبق بيان خطئه في اتهامه للعلماء وتعميم مثل هذا الكلام عليهم.

الثاني: أنَّ استخدام هذه العبارات (رجال الدِّين - التعايش والمساواة - السُّلطة للشعب - ليس فوقهم إرادة تعلو إرادتهم) من العبارات الموهمة التي تُستخدم وتُطلق ويُراد بها باطل، وقد يُراد بها حقٌّ، لكنَّها تحتاج إلى تفسير وتحرير، وكان الأَوْلى والأجدر بالمؤلِّف أنْ ينأى عن هذه العبارات والإطلاقات التي يستخدمها أهلُ الباطل لنشْر باطلهم؛ فمن الأمور التي تحتاج إلى تأمُّل - خُصوصًا في هذا الزَّمان - أن يعتني العلماء والدُّعاة والمصلِحون والمؤلِّفون في أمثال هذه الأمور بألَّا يدَعوا سبيلًا لأهل الشكِّ والرَّيب، والذين في قلوبهم مرَض؛ ليطيروا بالكلام ويذهبوا به كلَّ مذهب؛ فالمنتسبون للاتِّجاه الليبرالي والعلماني الذين ينقمون على الشريعة ويمكرون ليلَ نهارَ؛ لتحلَّ محلها الديمقراطيَّة والليبراليَّة وقوانين البشر وجحيمها المستعر - كما حدَث في كثيرٍ من بلاد المسلمين - يأخذون أمثال هذا الكلام ويَطيرون به، ويقولون: انظروا هذه هي الشريعة، هي الاستبداد، والظلم، والقهر باسم الدِّين، ويتسلَّلون من جحورهم، وينخرون في المجتمع كما ينخر السوس في الشجر؛ ليسقط ويتهاوى، ومصدرهم في ذلك دكتور وأستاذ في أصول الفقه في جامعة من أعرق الجامعات الإسلاميَّة. والله غالبٌ على أمره ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون.

كلمة أخيرة:

هذا الكتاب يقوم على أمرين:

الأوَّل: الدعوة إلى رفْع الظُّلم والقهر عن الشُّعوب وإعطاء الناس حقوقَهم التي فرَضها الله لهم.

الثاني: أنَّ علماء الإسلام منذ القرون الأولى حتى يومنا هذا شرَّعوا لهذا الظلم، وكانوا دومًا مع الحكَّام الظلمة ضدَّ شعوبهم، ولم يسلم مَن ذلك حتى ما أجمعوا عليه.

ونحن مع المؤلِّف في وجوب رفْع الظلم أو ما سمَّاه بالاستبداد، ولكنَّنا نُبرِّئ علماء المسلمين وأئمَّة هذا الدين ممَّا اتَّهمهم به المؤلِّف، ولا خيرَ في أمَّة لا تقدر لعلمائها المخلصين قدْرَهم، ولا توفيهم حقَّهم، وليس من مصلحة هذا الدِّين ولا الدعوة إلى تمكينه = تشويهُ سُمعة العلماء، وإضعاف تبجيل العامَّة لهم، كما أنَّه ليس من الدِّين تقديسُهم وادِّعاءُ العصمة لهم.

والله أعلم