مقالات وبحوث مميزة


 

مُسلسَلُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عنه- مَحاذيرُ وتشويهٌ

الشيخ مُحمَّد صالِح المُنجِّد

 

 

هناك قَواعدُ عَظيمةٌ في الشَّريعةِ وجوانبُ مَتينةٌ في عقيدةِ التوحيدِ، تجلَّتْ في شخصيةِ عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنه-؛ لأنَّه تخلَّقَ بالقرآنِ في نفسِه، وانطبعَتْ حَياتُه بذلك، فجاءتْ شخصيَّتُه تُمثِّلُ مضامينَ، منها: قُوَّتُه في الحقِّ. عِزُّته الإسلاميَّةُ، رَفضُه التنازُلاتِ والمُداهَناتِ، سدُّه أبوابَ الشرِّ والفتنةِ والقضاءُ عليها في مَهدِها، غَيرَتُه الدينيَّةُ، مُحاربتُه المنافقين، سَعيُه في سدِّ ذرائعِ إثارةِ الشَّهَواتِ المُحرَّمةِ، مَنعُه الجهرَ بالآراءِ المخالفةِ للشريعةِ، تأديبُ ومُعاقبةُ المخالِفين للشَّرعِ.

 

وحيثُ إنَّ هذه الجوانبَ في شَخصيَّتِه لا تُناسِبُ الأعداءَ أبَدًا؛ فقد عَمَدوا إلى خُطَّةٍ خبيثةٍ، وهي مُحاولةُ اختطافِ الانطباعِ عن الشخصيَّةِ العُمَريَّةِ في أذهانِ العامَّةِ، ومحاولةُ توجيهِ الجمهورِ المسلمِ إلى جوانبَ أخرى في شخصيَّةِ عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنه- بعضُها صحيحٌ، وبعضها سيتم تشويهه لإخراجِ شخصيَّةِ عُمَرَ في النهايةِ على أنَّها شخصيةٌ إداريَّةٌ وإنسانيَّةٌ وسياسيَّةٌ، وتتقبَّلُ الآخَرَ، وسيُركِّزونَ على مسألةِ المُنجَزاتِ الإداريَّةِ والدوواينِ، وأنَّ شخصيَّةَ عُمَرَ تعتَمِدُ [الإسلامَ المَدنيَّ الحَضاريَّ].

 

سيتم التركيز على حادثةِ القِبطيِّ، وعبارةِ: "متى استعبدتُمُ الناسَ" .. واحترامِ حُقوقِ الأقلِّيَّاتِ، ونحوِ ذلك، وبعضُ هذا حقٌّ، لكنه سيُضخَّمُ حتى يخرُجَ عن نِطاقِه الشرعيِّ، ويدخُلَ في التمييعِ، ولنْ يَتِمَّ التعرُّضُ لقُوَّةِ عُمَرَ في الحقِّ وصَلابتِه، ودِرَّةِ عُمَرَ التي أذهبَتِ البِدعةَ مِن رأسِ صُبَيغِ بنِ عِسْلٍ.. ولا تفريقِه بين النِّساءِ والرجالِ في مواضئِ المَسجدِ مَثلًا، ولا التأكيدِ على الحِجابِ الكاملِ للنِّساءِ [قد عرَفْناكِ يا سَودةُ]، ولا رُدودِه القويَّةِ على الكُفّارِ، ولا مَواقفِه الحاسمةِ مِن المُنافقينَ التي تَصِلُ لدرجةِ عرضِ القتلِ، ولا إخراجِ مَن يُثيرُ الفتنةَ بين النِّساءِ مِن المدينةِ، ولا في رُدودِه القويَّةِ على المشركينَ.

 

وستَبقَى بعضُ المشاهدِ القِتاليَّةِ للأكشن وفَخامةِ الفيلمِ، وأنه مَتعوبٌ عليه، وفيه صَرفٌ، ويستمتِعُ الناظرون بالأبعادِ الثُّلاثيَّةِ والحَبَكاتِ والمفاجآتِ، وتضيعُ في غَمرةِ ذلك كُلِّه جوانبُ الحَسمِ والقُوةِ في أمرِ اللهِ، والبراءةُ مِنَ الشِّركِ والبِدْعةِ، ومقاومةُ ذرائِعِها، وأنَّ عُمَرَ -فِعلًا- كان البابَ الذي سَدَّها.

 

وما يُقالُ مِنَ الفائدةِ المزعومةِ والمعلوماتِ عن عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنه- يُمكنُ تَحصيلُ أضعافِه مِنَ المَقروءاتِ والمَسموعاتِ الكثيرةِ بدون سَلبيَّاتٍ وتشويهاتٍ، ودون انتقاصٍ مِن هَيبةِ الفاروقِ وحُرمتِه، واجتراءِ الفَسَقةِ على تمثيلِ دَورِه، ودون مشاهدِ نِساءٍ وموسيقا ومُنكَراتٍ لا تَليقُ أبدًا بشخصيةِ الفاروقِ رضيَ اللهُ عنه.