الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ السَّابعُ: الآثارُ الإيمانيَّةُ لاسمِ اللهِ: الحَيِّي

إنَّ أعظَمَ الحياءِ ينبغي أن يكونَ مِنَ اللهِ تعالى، الذي نتقَلَّبُ في نِعَمِه وإحسانِه اللَّيلَ والنَّهارَ، ولا نستغني عنه طَرْفةَ عَينٍ، ونحن تحت سَمْعِه وبَصَرِه، لا يغيبُ عنه من حالِنا وقَولِنا وفِعْلِنا شيءٌ، فكيف لا نستحي منه؟
فالحياءُ يتولَّدُ من المعرفةِ بعَظَمةِ اللهِ وجَلالِه وقُدرتِه؛ لأنَّه إذا ثبت تعظيمُ اللهِ في قَلْبِ العَبدِ، أورثه الحياءَ من اللهِ والهيبةَ له، فغَلَب على قَلْبِه ذِكرُ اطِّلاعِ اللهِ العظيمِ إلى ما في قَلْبِه وجوارحِه، وذَكَر المَقامَ بين يديه، وذكَرَ دوامَ إحسانِه إليه، وقِلَّةَ الشُّكرِ منه لرَبِّه، فإذا غلب ذِكرُ هذه الأمورِ على قَلْبِه، هاج منه الحياءُ من اللهِ؛ فاستحيا من اللهِ أن يطَّلِعَ على قَلْبِه وهو معتَقِدٌ لشيءٍ مما يَكرَهُ، أو على جارحةٍ مِن جوارحِه تتحَرَّكُ بما يكرهُ؛ فطَهَّر قَلبَه من كلِّ مَعصيةٍ، ومَنَع جوارِحَه من جميعِ معاصيه [3499] يُنظر: ((تعظيم قدر الصلاة)) لمحمد بن نصر المروزي (2/ 826). .
عن مُعاويةَ بنِ حَيدةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قلتُ: يا رَسولَ اللهِ، عوراتُنا ما نأتي منها وما نَذَرُ؟ قال: ((احفَظْ عَوْرَتَك إلَّا من زَوْجَتِك، أو ما مَلَكَت يمينُك )) قال: قلتُ: يا رَسول اللهِ، إذا كان القومُ بعضُهم في بعضٍ؟ قال: ((إن استطَعْتَ ألَّا يَرَيَنَّها أحدٌ، فلا يَرَيَنَّها)) قال: قلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إذا كان أحَدُنا خاليًا؟ قال: ((اللهُ أحَقُّ أن يُستحيا منه مِنَ النَّاسِ )) [3500] أخرجه أبو داود (4016) واللَّفْظُ له، والترمذي (2769)، وابن ماجه (1920) صَحَّحه ابن القطان في ((أحكام النظر)) (94)، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (11/56)، وابن حجر في ((النكت)) (1/329). ولفظُ: ((اللهُ أحَقُّ أن يُستحيا منه مِنَ النَّاسِ )) أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغة الجزمِ قبل حديث (278). .
فقد أمر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الرَّجُلَ أن يَستُرَ عَورتَه، وإن كان خاليًا لا يراه أحدٌ؛ أدبًا مع اللهِ وحياءً منه [3501] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 360). .
وأصلُ أعمالِ القُلوبِ الحياءُ، فمن اتَّصَف بالحياءِ مِنَ اللهِ فقد انصبغ قلبُه بمعرفةِ اللهِ وحُبِّه، وخَوفِه ورجائِه، والتحَبُّبِ إليه مهما أمكن [3502] يُنظر: ((المواهب الربانية من الآيات القرآنية)) للسعدي (ص: 87). .

انظر أيضا: