الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: الآثارُ الإيمانيَّةُ لاسمِ اللهِ: الرَّحمنِ

إنَّ من تأمَّل هذا الاسمَ الكريمَ أثمر ذلك في قَلْبِه أمورًا عظيمةً؛ منها:
1- الحُبُّ:
وكيف لا يحِبُّ الإنسانُ من هو أرحَمُ به من أُمِّه؟
عن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّه قَدِمَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَبيٌ، فإذا امرأةٌ مِنَ السَّبيِ تبتغي إذ وجَدَت صَبِيًّا في السَّبيِ أخذَتْه فألصقَتْه ببطنها وأرضعَتْه، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أتُرَون هذه المرأةَ طارِحةً ولَدَها في النَّارِ))، قالوا: لا واللهِ وهي تقدِرُ على أن لا تطرَحَه، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((للهُ أرحَمُ بعبادِه مِن هذه بوَلَدِها )) [3469] أخرجه البخاري (5999)، ومسلم (2754). من حَديثِ عمر رَضِيَ اللهُ عنه. .
ثانيا: الرَّجاءُ وحُسنُ الظَّنِّ بالله:
قال العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (من عَرَف سَعةَ رَحمةِ اللهِ، كان حالُه الرَّجاءَ) [3470] يُنظر: ((الفوائد في اختصار المقاصد)) (ص: 146). .
وإنَّ من حُسنِ الظَّنِّ بالله أن ترى البلاءَ رحمةً ونِعمةً.
فقد سمَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الطَّاعونَ رَحمةً، فقال: ((إنَّه كان عذابًا يبعَثُه اللهُ على من يشاءُ، فجعله اللهُ رحمةً للمؤمنين؛ فليس من عَبدٍ يقَعُ الطاعونُ فيَمكُثُ في بلَدِه صابِرًا يعلَمُ أنَّه لن يصيبَه إلَّا ما كتب اللهُ له، إلَّا كان له مِثلُ أجرِ شَهيدٍ )) [3471] أخرجه البخاري (5734). من حَديثِ عائشة رَضِيَ اللهُ عنها. .
ثالثًا: رحمةُ الخَلقِ
فمن استشعر رحمةَ الله تعالى، وشاهد ذلك بقَلبٍ صادقٍ، أفاض على قَلْبِه رحمةَ الخَلْقِ؛ ولذا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرحَمَ الخَلقِ بالخَلقِ، وسَمَّاه رَبُّه رحيمًا، فقال تعالى: بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128] .
وحين رأى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ابْنَه إبراهيمَ في سَكَراتِ الموتِ جَعَلت عيناه تذرِفان، فقال له عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ رَضِيَ اللهُ عنه: وأنت يا رَسولَ اللهِ؟ فقال: يا ابنَ عَوفٍ إنَّها رحمةٌ [3472] أخرجه البخاري (1303). ..
وقد حَثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الرحمةِ، فقال: ((من لا يرحَمِ النَاسَ لا يرَحمْه اللهُ عَزَّ وجَلَّ )) [3473] أخرجه البخاري (7376)، ومسلم (2319) من حَديثِ جرير بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عنه. ..
وقال أيضًا: ((الرَّاحمون يرحمُهم الرَّحمنُ، ارحَموا مَن في الأرضِ يرحمُكم من في السَّماءِ )) [3474] أخرجه أبو داود (4941) باختلاف يسير، والترمذي (1924) مطولاً واللفظ له، وأحمد (6494) مطولاً باختلاف يسير من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما. صححه الترمذي، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (127)، والعراقي في ((الأربعون العشارية)) (125). .
قال الطِّيبي: (أتى بصيغةِ العُمومِ؛ لِيَشمَلَ جميعَ أصنافِ الخَلقِ، فيَرحَمُ البَرَّ والفاجِرَ، والنَّاطِقَ والبَهْمَ والوُحوشَ والطَّيرَ) [3475] يُنظر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) (10/ 3185). .

انظر أيضا: