الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الثَّامِنُ: من قواعِدِ الاستِدلالِ على مَسائِلِ الاعتِقادِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ: مُوافَقةُ النُّصوصِ لَفظًا ومعنًى أَولى مِن مُوافقتِها في المعنى دونَ اللَّفظِ

لا شكَّ أنَّ مُتابَعةَ الكِتابِ والسُّنَّةِ في اللَّفظِ والمعنى أكمَلُ وأتمُّ من متابعتِهما في المعنى دونَ اللَّفظِ، ويكونُ ذلك باعتِمادِ ألفاظِ ومُصطلَحاتِ الكِتابِ والسُّنَّةِ لا سيَّما عند تقريرِ مَسائِلِ الاعتِقادِ وأُصولِ الدِّينِ، والتعبيرِ بها عن المعاني الشَّرعيَّةِ وَفْقَ لغةِ القُرآنِ وبيانِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فالتَّعبيرُ عن حقائِقِ الإيمانِ بعباراتِ القُرآنِ أَولى من التَّعبيرِ عنها بغَيرِها؛ فإنَّ ألفاظَ القُرآنِ يجِبُ الإيمانُ بها، وهي تنزيلٌ مِن حكيمٍ حَميدٍ، وفيها مِنَ الحِكَمِ والمعاني ما لا تنقَضي عجائبُه، وأمَّا الألفاظُ المحْدَثةُ ففيها إجمالٌ واشتِباهٌ ونِزاعٌ [133] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (16/423)، ((النبوات)) (2/876) كلاهما لابن تَيميَّةَ، ((علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة)) لمحمد يسري (ص: 363). .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (السَّلَفُ كانوا يراعونَ لَفْظَ القُرآنِ والحديثِ فيما يُثبِتونَه ويَنفُونَه عن اللهِ مِن صِفاتِه وأفعالِه، فلا يأتونَ بلَفظٍ محدَثٍ مُبتدَعٍ في النَّفيِ والإثباتِ، بل كُلُّ معنًى صحيحٌ؛ فإنَّه داخِلٌ فيما أخبَرَ به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والألفاظُ المبتَدَعةُ ليس لها ضابِطٌ، بل كُلُّ قَومٍ يُريدونَ بها معنًى غَيرَ المعنى الذي أراده أولئك، كلَفظِ الجِسمِ والجِهةِ والحيِّزِ والجَبرِ، ونحوِ ذلك؛ بخِلافِ ألفاظِ الرَّسولِ؛ فإنَّ مُرادَه بها يُعلَمُ، كما يُعلَمُ مُرادُه بسائِرِ ألفاظِه) [134] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (5/432). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يحافِظُ على ألفاظِ القُرآنِ تَقديمًا وتأخيرًا، وتعريفًا وتنكيرًا كما يحافِظُ على معانيه، ومنه قَولُه، وقد بدأ بالصَّفا: ((أَبدأُ بما بدَأَ اللهُ به)) [135] أخرجه مسلم (1218) من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ الله عنه. ، ومنه بداءتُه في الوُضوءِ بالوَجهِ ثمَّ اليَدَينِ اتِّباعًا للَفظِ القُرآنِ [136] قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة: 6] . ، ومنه قَولُه في حديثِ البراءِ بنِ عازِبٍ: ((آمنتُ بكتابِك الذي أنزَلْتَ، ونبيِّك الذي أرسَلْتَ )) [137] أخرجه البخاري (247)، ومسلم (2710). ؛ موافقةً لقَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ [الأحزاب: 45] ) [138] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) (4/912). .

انظر أيضا: