الموسوعة العقدية

المَبحَثُ السَّادِسُ: من قواعِدِ الاستِدلالِ على مَسائِلِ الاعتِقادِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ: دَرءُ التَّعارُضِ بيْن صحيحِ النَّقلِ وصَريحِ العَقلِ

نُصوصُ الكِتابِ والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ والصَّريحةِ في دَلالتِها: لا يعارِضُها شيءٌ من المعقولاتِ الصَّريحةِ؛ ذلك أنَّ العقل السَّويَّ شاهِدٌ بصحَّةِ الشَّريعةِ إجمالًا وتفصيلًا.
فإن وُجِد ما يوهِمُ التعارضَ بين العَقلِ والنَّقلِ، فإمَّا أن يكونَ النقلُ غيرَ صحيحٍ، أو يكونُ صحيحًا ولكِنْ ليس فيه دَلالةٌ صحيحةٌ على المدَّعى، وإمَّا أن يكونَ العَقلُ فاسِدًا [122] يُنظر: ((علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة)) لمحمد يسري (ص: 359) .
قال مالِكٌ: (كلَّما جاءَنا رَجُلٌ أجدَلُ من رجُلٍ تركْنا ما نزل به جِبريلُ على مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لجَدَلِه؟) [123] يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (1/163). .
وقال الشَّافِعيُّ: (كُلُّ شيءٍ خالف أمرَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَقَط، ولا يقومُ معه رأيٌ ولا قياسٌ؛ فإنَّ اللهَ تعالى قطَعَ العُذرَ بقَولِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فليس لأحدٍ معه أمرٌ ولا نهيٌ غيرُ ما أَمَرَ هو به) [124] يُنظر: ((الأم)) (3/596). .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (ليس في المعقولِ الصَّريحِ ما يمكِنُ أن يكونَ مُقَدَّمًا على ما جاءت به الرُّسُلُ؛ وذلك لأنَّ الآياتِ والبراهينَ دالَّةٌ على صِدقِ الرُّسُلِ، وأنَّهم لا يقولون على اللهِ إلَّا الحَقَّ، وأنَّهم معصومون فيما يبلِّغوَنه عن اللهِ مِنَ الخَبَرِ والطَّلبِ، لا يجوزُ أن يَستقِرَّ في خَبَرِهم عن اللهِ شَيءٌ من الخطأِ، كما اتَّفَق على ذلك جميعُ المقِرِّين بالرُّسُلِ مِن المُسلِمينَ واليَهودِ والنَّصارى وغَيرِهم؛ فوجَبَ أنَّ جميعَ ما يخبِرُ به الرَّسولُ عن اللهِ صِدقٌ وحقٌّ، لا يجوزُ أن يكونَ في ذلك شَيءٌ مناقِضٌ لدليلٍ عَقليٍّ ولا سَمعيٍّ، فمتى عَلِمَ المؤمِنُ بالرَّسولِ أنَّه أخبَرَ بشَيءٍ من ذلك، جزم جزمًا قاطعًا أنَّه حقٌّ، وأنَّه لا يجوزُ أن يكونَ في الباطِنِ بخلافِ ما أخبَرَ به، وأنَّه يمتنعُ أن يعارضَه دليلٌ قَطعيٌّ ولا عَقليٌّ ولا سَمعٌّي، وأنَّ كلَّ ما ظنَّ أنَّه عارَضَه من ذلك فإنَّما هو حُجَجٌ داحِضةٌ، وشُبَهٌ من جِنسِ شُبَه السُّوفسطائيَّةِ، وإذا كان العَقلُ العالِمُ بصِدقِ الرَّسولِ قد شهد له بذلك، وأنه يمتنعُ أن يعارِضَ خبرَه دليلٌ صحيحٌ؛ كان هذا العَقلُ شاهدًا بأنَّ كل ما خالف خبَرَ الرَّسولِ فهو باطِلٌ، فيكونُ هذا العَقلُ والسَّمعُ جميعًا شَهِدا ببُطلانِ العَقلِ المخالِف للسَّمعِ) [125] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (1/111). .
وقال ابنُ تَيميَّةَ أيضًا: (مِنَ الأُصولِ المتَّفَقِ عليها بين الصَّحابةِ والتَّابعينَ لهم بإحسانٍ أنَّه لا يُقبَلُ مِن أحَدٍ قَطُّ أن يعارِضَ القُرآنَ لا برأيِه ولا ذَوقِه ولا مَعقولِه، ولا قياسِه ولا وَجْدِه؛ فإنَّهم ثَبَت عنهم بالبراهينِ القطعيَّاتِ، والآياتِ البيِّناتِ أنَّ الرَّسولَ جاء بالهُدى ودينِ الحقِّ، وأنَّ القُرآنَ يَهدي للتي هي أقوَمُ) [126] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (13/28). .

انظر أيضا: