الموسوعة العقدية

 المَكْرُ (عَلَى مَن يَمكُرُ بِه)

مِن صِفاتِ الله عزَّ وجلَّ الفِعليَّةِ التي لا يُوصَفُ بها وَصفًا مُطلَقًا، وهي ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
1- قَولُه تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران: 54] .
2- قَولُه: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [النمل: 50] .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما مرفوعًا: ((ربِّ أَعنِّي ولا تُعِنْ عليَّ، وانصُرني ولا تَنصُرْ عليَّ، وامكُرْ لي ولا تَمْكُرْ عليَّ... )) [2948] أخرجه أبو داود (1510)، والترمذي (3551)، وابن ماجه (3830) صححه الترمذيُّ، وابن حبان في ((صحيحه)) (947)، وابنُ القيِّم في ((الوابل الصيب)) (196)، وقال النَّسائيُّ: محفوظ، وقال ابنُ تيمية في ((الرد على البكري)) (206): مشهورٌ. .
قال أبو إسحاقَ الحربيُّ: (الكيدُ مِن اللهِ خِلافُه مِن النَّاسِ، كما المَكْرُ منه خلافُه من النَّاسِ) [2949] يُنظر: ((غريب الحديث)) (1/94). .
وهذا إثباتٌ منه لصِفَتَيِ الكَيْدِ والمَكْرِ على الحقيقةِ.
قال ابنُ تيميَّةَ: (وهكذا وصَفَ نفْسَه بالمَكْرِ والكيدِ، كما وصَفَ عبدَه بذلك، فقال: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ، وقال: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق: 15-16] ، وليس المَكْرُ كالمَكْرِ، ولا الكيدُ كالكيدِ) [2950] يُنظر: ((العقيدة التَّدمُريَّة)) (ص: 26). ويُنظر كلامَ ابنِ القيِّم في ((مختصر الصواعق المرسلة)) لابن الموصلي (2/32). .
وسُئِلَ ابنُ عُثَيمين: هل يُوصَف اللهُ بالمَكْرِ؟ وهل يُسمَّى به؟ فأجابَ: (لا يُوصَفُ اللهُ تعالى بالمَكْرِ إلَّا مُقيَّدًا؛ فلا يُوصَفُ اللهُ تعالى به وصْفًا مطلقًا؛ قال اللهُ تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف: 99] ، ففي هذه الآيةِ دليلٌ على أنَّ للهِ مكرًا، والمَكْرُ هو التوصُّلُ إلى إيقاعِ الخَصمِ مِن حيثُ لا يَشعُرُ، ومنه جاءَ في الحديثِ الذي أَخرَجَه البخاريُّ «الحَرْبُ خَدْعةٌ».
فإنْ قيلَ: كيفَ يُوصَفُ اللهُ بالمَكْر مع أنَّ ظاهرَه أنه مذمومٌ؟ قيل: إنَّ المَكْرَ في محلِّه محمودٌ، يدلُّ على قوَّة الماكرِ، وأنَّه غالبٌ على خَصمِه؛ ولذلك لا يُوصَفُ اللهُ به على الإطلاقِ؛ فلا يجوزُ أنْ تقولَ: إنَّ اللهَ ماكرٌ! وإنَّما تُذكَرُ هذه الصفةُ في مقامٍ يكونُ مدحًا؛ مِثلُ قولِه تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ، وقَولِه: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [النمل: 50] ، ومِثل قوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ، ولا تُنفَى عنه هذه الصفةُ على سبيلِ الإطلاقِ، بل إنَّها في المقامِ التي تكونُ مدحًا يُوصَف بها، وفي المقامِ التي لا تكونُ مدحًا لا يُوصَفُ بها، وكذلك لا يُسمَّى اللهُ به؛ فلا يُقالُ: إنَّ مِن أسماءِ اللهِ: الماكِرَ.
والمَكْرُ مِن الصِّفاتِ الفعليَّةِ؛ لأنَّها تتعلَّقُ بمشيئةِ اللهِ سُبحانَه) [2951] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (1/170). .
وانظُر كلامَ ابنِ جَريرٍ في صِفةِ (الاسْتِهْزَاء)، وكلامَ ابنِ القيِّم في صِفةِ (الخِدَاع).

انظر أيضا: