الموسوعة العقدية

 الأَنَامِلُ

صِفةٌ ذاتيَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالحديثِ الصَّحيحِ.
الدَّليلُ:
حديثُ مُعاذِ بنِ جَبلٍ رَضِيَ اللهُ عنه مَرفوعًا: ((... فإذا أنا برَبِّي تبارك وتعالى في أحسَنِ صُورةٍ، فقال: يا محمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيكَ رَبِّ. قال: فيم يختَصِمُ الملَأُ الأَعلَى؟ قُلْتُ لا أدري. قالها ثلاثًا. قال: فرأيتُه وَضَعَ كَفَّه بين كَتِفَيَّ حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ أنامِلِه... )) [1628] أخرجه الترمذي (3235) واللفظ له، وأحمد (22109) صححه البخاري كما في ((سنن الترمذي)) (3235)، والترمذي، وابنُ العربيِّ في ((أحكام القرآن)) (4/73). وأخرجه من طريق آخر الطبراني (20/109) (219)، وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (6/345)، والدارقطني في ((رؤية الله)) (232). .
والأَنامِلُ في اللُّغةِ: أطرافُ الأَصَابعِ.
وأوردَه ابنُ مَنْدَهْ في كِتابِ: ((الرَّدِّ على الجَهميَّةِ)) [1629] (ص: 48).  تحت باب: (ذِكرُ خَبَرٍ يدُلُّ على ما تقَدَّمَ من ذِكرِ الأصابِعِ)، وليس في الحديثِ ذِكرُ الأصابِعِ، إنَّما هي الأنامِلُ.
وأورده عُثمانُ بنُ سعيدٍ الدارميُّ في رَدِّه على المِرِّيسيِّ، وظاهِرُ كلامِه أنَّه يثبِتُ الصِّفةَ [1630] يُنظر: ((نقض الدارمي على المريسي)) (2/733). .
وأورده أبو يَعْلَى في كِتابِ ((إبطالِ التَّأويلاتِ)) في فَصلِ: وَضْعُ الكَفِّ بيْن كَتِفَيه، وقال: (فإنْ قيل: قَولُه: (فوجَدْتُ بَرْدَ أنامِلِه) يحتَمِلُ آثارَ إحسانِه ونِعَمِه ورحمتِه في صدري، فتجَلَّى لي ما بيْن السَّماءِ والأرضِ. قيل: هذا غَلَطٌ؛ لِما بَيَّنَّا مِن أنَّ إحسانَه ونِعَمَه لا يختَصُّ القَلبَ والكَفَّ والأنامِلَ، ولأنَّه إن جاز تأويلُ الأنامِلِ على ذلك جاز تأويلُ اليدينِ على النِّعمتَينِ، والوَجهِ على الذَّاتِ) [1631] يُنظر: ((إبطال التأويلات)) (ص: 115). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (فقولُه أيِ: الرَّازيِّ: وجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِه، معناه: وجَدْتُ أثَرَ تلك العنايةِ، يُقالُ له: أثَرُ تلك العنايةِ كان حاصلًا على ظهرِه وفي فؤادِه وصَدرِه، فتخصيصُ أثَرِ العنايةِ بالصَّدرِ لا يجوزُ؛ إذ عنده لم يُوضَعْ بيْن الكَتِفينِ شيءٌ قطُّ، وإنَّما المعنى أنَّه صرَفَ الرَّبُّ عنايتَه إليه، فكان يجِبُ أن يُبيِّنَ أنَّ أثَرَ تلك العنايةِ مُتعلِّقٌ بما يعُمُّ، أو بأشرَفِ الأعضاءِ، وما بينَ الثَّديَيْنِ كذلك، بخلافِ ما إذا أقرَّ الحديثَ على وجهِه؛ فإنَّه إذا وُضِعَتِ الكَفُّ على ظهرِه، نَفَذَ بردُها إلى النَّاحيةِ الأُخرى، وهو الصَّدرُ، ومِثلُ هذا يعلَمُه النَّاسُ بالإحساسِ، وأيضًا فقولُ القائلِ: وضَعَ يدَه بيْن كَتِفيَّ حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ أنامِلِه بيْن ثَدْيَيَّ: نصٌّ لا يحتمِلُ التَّأويلَ، والتَّعبيرُ بمِثْلِ هذا اللَّفظِ عن مجرَّدِ الاعتناءِ أمرٌ يُعلَمُ بُطلانُه بالضَّرورةِ مِن اللُّغةِ، وهو مِن غَثِّ كلامِ القَرامطةِ والسُّوفسطائيَّةِ ...).
 ثمَّ قال: (... إنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذكَرَ ثلاثةَ أشياءَ؛ حيث قال: ((فوضَعَ يدَه بيْن كَتِفَيَّ حتَّى وجَدْتُ بَرْدَها))، وفي روايةٍ: ((بَرْدَ أنامِلِه على صدري، فعلِمْتُ ما بيْن المشرِقِ والمغرِبِ))، فذكَرَ وَضْعَ يدِه بيْن كتِفَيْه، وذكَرَ غايةَ ذلك: أنَّه وجَدَ بَرْدَ أنامِلِه بيْن ثَدْيَيْهِ، وهذا معنًى ثانٍ، وهو وجودُ هذا البَرْدِ عن شيءٍ مخصوصٍ في محَلٍّ مخصوصٍ، وعقَّبَ ذلك بِأثَرِ الوضعِ الموجودِ، وكلُّ هذا يُبيِّنُ أنَّ أحَدَ هذه المعاني ليس هو الآخَرَ) [1632] يُنظر: ((بيان تلبيس الجهمية)) (7/388-390). .
وقال ابنُ رجبٍ في شرحِ حديثِ معاذٍ ((وجدتُ بَرْدَ أنامِلِه في صَدْري)): (وأمَّا وَصفُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرَبِّه عَزَّ وجَلَّ بما وصَفَه به، فكُلُّ ما وَصَف النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم به رَبَّه عَزَّ وجَلَّ فهو حَقٌّ وصِدقٌ يجِبُ الإيمانُ والتَّصديقُ به، كما وصَفَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ به نَفْسَه، مع نَفيِ التَّمثيلِ عنه، ومَن أشكَلَ عليه فَهمُ شَيءٍ من ذلك واشتَبهَ عليه، فلْيَقُلْ كما مدَحَ اللهُ تعالى به الرَّاسخينَ في العِلمِ وأخبَرَ عنهم أنَّهم يَقولُون عند المُتشابِهِ: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران: 7] ) [1633] يُنظر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (4/10). .

انظر أيضا: