الموسوعة العقدية

المطلبُ الرَّابِعُ: فَضْلُ فاطِمةَ رَضِيَ اللهُ عنها

قد وردت في مناقِبِها وفَضائِلها أحاديثُ؛ منها:
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: أقبَلَت فاطِمةُ تمشي كأنَّ مِشْيَتَها مَشْيُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَرْحبًا يا ابنتي))، ثُمَّ أجلَسَها عن يمينِه -أو عن شِمالِه- ثُمَّ أسَرَّ إليها حديثًا، فبَكَت، فقُلتُ لها: لمَ تَبكِينَ؟ ثُمَّ أسَرَّ إليها حديثًا فضَحِكَت، فقُلتُ: ما رأيتُ كاليومِ فَرَحًا أقرَبَ مِن حُزنٍ! فسألْتُها عمَّا قال، فقالت: ما كُنتُ لأُفشيَ سِرَّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حتى قُبِضَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسألتها، فقالت: أسرَّ إليَّ ((أنَّ جِبريلَ كان يعارِضُني القرآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وإنَّه عارَضَني العَام مرَّتينِ، ولا أراه إلَّا حَضَر أَجَلي، وإنَّكِ أوَّلُ أهلِ بَيتي لَحاقًا بي))، فبَكَيتُ، فقال: ((أمَا تَرضَينَ أن تكوني سَيِّدةَ نِساءِ أهلِ الجنَّةِ -أو نِساءِ المُؤمِنين- فضَحِكْتُ لذلك)) [2334] رواه البخاري (3623، 3624) واللَّفظُ له، ومسلم (2450). .
قال المظهري: (قَولُه: ((ألا تَرضَينَ أن تكوني سَيِّدةَ نِساءِ أهلِ الجنَّةِ -أو نِساءِ المُؤمِنين)) دليلٌ على أنَّها خَيرُ نِساءِ المُؤمِنينَ وأفضَلُهنَّ في الدُّنيا والآخِرةِ، وإنما كان كذلك لأنها بَعْضُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم... : ((فاطِمةُ بَضْعةٌ مني، فمن أغضَبَها أغضَبَني )) [2335] أخرجه البخاري (3714) من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه وأخرجه مسلم (2449) بلفظ: ((إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها)) [2336] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (6/ 320). .
 وقال ابنُ علَّان: (لَمَّا كان ذلك المصابُ أعظَمَ مُصابٍ، ناسب أن يُجازى الصَّابِرون عليه بأعظَمِ الثَّوابِ مِن فَضلِ الوَهَّابِ، وهي أفضَلُ الأُمَمِ، فتَكونُ أفضَلَ نِساءِ أهلِ الجنَّةِ) [2337] يُنظر: ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) (5/ 157). .
2- عن المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ وهو على المِنبَرِ: ((إنَّ بني هِشامِ بنِ المُغيرةِ استأذنوا في أن يُنكِحوا ابنَتَهم عليَّ بنَ أبي طالِبٍ، فلا آذَنُ، ثُمَّ لا آذَنُ، ثُمَّ لا آذَنُ، إلَّا أن يريدَ ابنُ أبي طالِبٍ أن يُطَلِّقَ ابنَتي ويَنكِحَ ابنَتَهم، فإنَّما هي بَضْعةٌ منِّي، يُرِيبُني ما أرابَها، ويُؤذِيني ما آذاها)) [2338] أخرجه البخاري (5230) واللَّفظُ له، ومسلم (2449). .
وفي روايةٍ عن المِسْوَرِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ خَطَب بِنتَ أبي جَهلٍ، وعنده فاطِمةُ بِنتُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا سَمِعَت بذلك فاطِمةُ أتت النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت له: إنَّ قَومَك يتحَدَّثون أنَّك لا تغضَبُ لبناتِك، وهذا عليٌّ ناكِحًا ابنةَ أبي جَهلٍ! قال المِسْوَرُ: فقام النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسَمِعْتُه حين تشَهَّد، ثُمَّ قال: أمَّا بَعْدُ، فإنِّي أنكَحْتُ أبا العاصِ بنَ الرَّبيعِ، فحَدَّثني فصَدَقَني، وإنَّ فاطِمةَ بنتَ محمَّدٍ مُضغةٌ منِّي، وإنَّما أكرَهُ أن يَفتِنوها، وإنَّها -واللهِ- لا تجتَمِعُ بِنتُ رَسولِ اللهِ وبِنتُ عَدُوِّ اللهِ عند رَجُلٍ واحِدٍ أبدًا، قال: فتَرَك عليٌّ الخِطْبةَ [2339] أخرجها مسلم (2449). .
 قال القَسطلَّانيُّ: (قال السَّفاقسيُّ: أصَحُّ ما تُحمَلُ عليه هذه القِصَّةُ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حرَّم على عليٍّ أن يجمَعَ بين ابنَتِه وابنةِ أبي جَهلٍ؛ لأنَّه عَلَّل بأنَّ ذلك يؤذِيه، وأذِيَّتُه حرامٌ بالإجماعِ) [2340] يُنظر: ((شرح القسطلاني)) (8/ 114). .
3- عن عائِشةَ أمِّ المؤمِنينَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (ما رأيتُ أحَدًا أشبَهَ سَمتًا ودَلًّا وهَدْيًا برَسولِ اللهِ في قيامِها وقعُودِها من فاطِمةَ بنتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. قالت: وكانت إذا دخَلَت على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام إليها فقَبَّلَها وأجلَسَها في مجلِسِه، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دخل عليها قامت من مجلِسِها فقَبَّلَتْه وأجلَسَتْه في مجلِسِها... ) [2341] أخرجه أبو داود (5217)، والترمذي (3872) واللَّفظُ له. صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (6953)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (7715)، والنووي في ((الترخيص بالقيام)) (42) .
 قال ابنُ الملكِ: (قالت: «ما رأيتُ أحدًا كان أشبَهَ سَمْتًا» وهو عبارةٌ عن الهيئةِ التي يكونُ عليها الإنسانُ مِنَ السَّكينةِ والوَقارِ وحُسنِ السِّيرةِ. «وهَدْيًا»، أي: سيرةً وطريقةً في أفعالِه.
«ودَلًّا» وهو الهيئُة في الصُّورةِ والقيامِ والقُعودِ. وقيل: الإشارةُ بالسَّمتِ إلى ما يُرى على الإنسانِ مِنَ الخُشوعِ والتواضُعِ، وبالهَدْيِ: إلى ما يتحلَّى به من السَّكينةِ والوَقارِ، وبالدَّلِّ: إلى لينِ الخُلُقِ وحُسنِ الحديثِ. وفي رواية: حديثًا وكلامًا برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن فاطمةَ [2342] أخرجه أبو داود (5217)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9237)، والحاكم (4732) مطولًا. صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (6953)، والحاكم على شرط الشيخين، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5217)، وحَسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1591). [2343] يُنظر: ((شرح المصابيح)) (5/ 180). .

انظر أيضا: