الموسوعة العقدية

المطلبُ الثَّاني: أقوالٌ لِلسَّلَفِ وغَيرِهِم من أهلِ العِلمِ في فَضْلِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم

1- عن عَبْدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (إنَّ اللهَ نَظَر في قُلوبِ العِبادِ، فوَجَدَ قَلبَ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَيرَ قُلوبِ العِبادِ، فاصطَفاهُ لِنَفسِه، فابتَعَثَهُ برسالَتِه، ثُمَّ نَظَر في قُلوبِ العِبادِ بَعدَ قَلبِ مُحَمَّدٍ، فوَجَدَ قُلوبَ أصحابِه خَيرَ قُلوبِ العِبادِ، فجَعَلَهم وُزَراءَ نَبيِّه، يُقاتِلونَ عَلى دينِه، فما رَأى المُسْلِمونَ حَسَنًا فهوَ عِندَ اللهِ حَسَنٌ، وما رَأوا سَيِّئًا فهوَ عِندَ اللهِ سَيِّئٌ) [1498] أخرجه من طرق: أحمد (3600) واللَّفظُ له، والبزار (1816)، والطبراني (9/118) (8583). حسَّنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (65)، وفي ((موافقة الخبر الخبر)) (2/435)، والسخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (431)، والألباني في ((شرح الطحاوية)) (469)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (856). .
2- عن قَتادةَ بْنِ دِعامةَ قال: (أحَقُّ من صَدَّقتُم أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الَّذينَ اختارَهمُ اللهُ لِصُحبةِ نَبيِّه، وإقامةِ دينِه) [1499] رواه أحمد بعد حديث (12375). صحَّح إسناده على شرط الشيخين: شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (12375). .
3- عن مَسروقِ بنِ الأجدَعِ قال: (لقَد جالَسْتُ أصحابَ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فوَجَدْتُهم كالإخاذ [1500] قال ابنُ الأثير: (حديثُ مَسروقٍ «جالَسْتُ أصحابَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فوجَدْتُهم كالإخاذِ» هو مجتَمَعُ الماءِ. وجَمْعُه أُخُذٌ، ككِتابٍ كُتُب. وقيل: هو جمعُ الإخاذةِ، وهو مَصنَعٌ للماءٍ يجتَمِعُ فيه. والأَولى أن يكونَ جِنسًا للإخاذةِ لا جمعًا. ووَجهُ التشبيهِ مذكورٌ في سياقِ الحديثِ. قال: تكفي الإخاذةُ الرَّاكِبَ، وتكفي الإخاذةُ الرَّاكبينِ، وتكفي الإخاذةُ الفِئامَ مِنَ النَّاسِ. يعني أنَّ فيهم الصَّغيرَ والكبيرَ، والعالمَ والأعلَمَ). ((النهاية)) (1/ 28). ؛ فالإخاذُ يَرْوي الرَّجُلَ، والإخاذُ يَرْوي الرَّجُلَينِ، والإخاذُ يَرْوي العَشَرةَ، والإخاذُ يَرْوي المِائةَ، والإخاذُ لو نَزَلَ به أهلُ الأرضِ لأصدَرَهم، فوَجَدْتُ عَبدَ اللهِ بنَ مَسعودٍ من ذلك الإخاذِ) [1501] رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (2542) واللَّفظُ له، وأبو خيثمة في ((العلم)) (59)، والبيهقي في ((المدخل إلى السنن)) (150). صحَّح إسنادَه الألباني في تخريج ((العلم)) (59). .
4- قال مالِكُ بنُ أنَسٍ: (مَن تَنَقَّصَ أحَدًا من أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أو كانَ في قَلبِه عليهِم غِلٌّ، فلَيسَ لهُ حَقٌّ في فَيءِ المُسْلِمينَ، ثُمَّ تَلا قَولَهُ تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ [الحشر: 7] حَتَّى أتى قَولَه: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا [الحشر: 10] الآية، فمَن تَنَقَّصَهم أو كانَ في قَلبِه عليهِم غِلٌّ، فلَيسَ لهُ في الفَيءِ حَقٌّ) [1502] يُنظر: ((حلية الأولياء)) أبو نعيم (6/ 327). .
5- قال الشَّافِعيُّ: (قَد أثنى اللهُ تبارك وتعالى عَلى أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في القُرآنِ والتَّوراةِ والإنجيلِ، وسَبَقَ لهم عَلى لِسانِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الفَضلِ ما ليسَ لِأحَدٍ بَعدَهم، فرَحمَهمُ اللهُ وهَنَّاهم بما آتاهُم من ذلك ببُلوغِ أعلى مَنازِلِ الصِّدِّيقينَ والشُّهَداءِ والصَّالِحين؛ هم أدَّوا إلَينا سُنَنَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وشاهَدوهُ والوَحيُ يَنزِلُ عليه، فعَلِموا ما أرادَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عامًّا وخاصًّا، وعَزمًا وإرشادًا، وعَرَفوا من سُنَّتِه ما عَرَفْنا وجَهِلْنا) [1503] يُنظر: ((مناقب الشافعي)) للبيهقي (1/442). .
6- قال المُزَنيُّ: (يُقالُ بفَضلِ خَليفةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه؛ فهوَ أفضَلُ الخَلقِ وأخيرُهم بَعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [1504] أي: وبعد سائر الأنبياء، أو يكون مراده أنَّه أفضل هذه الأمَّة بعد نبيِّها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. ، ونُثَنِّي بَعدَهُ بالفاروقِ، وهوَ عُمرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، فهُما وزيرَا رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وضَجيعاهُ في قَبرِه، وجَلِيساهُ في الجَنَّةِ، ونُثَلِّثُ بَذي النُّورَينِ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه، ثُمَّ بِذِي الفَضلِ والتُّقى عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ، رَضِيَ اللهُ عنهم أجمَعينَ، ثُمَّ الباقينَ مِنَ العَشَرةِ الَّذينَ أوجَب لهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الجَنَّةَ، ونُخلِصُ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنهم مِنَ المَحَبَّةِ بقَدْرِ الَّذي أوجَبَ لهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ التَّفضيلِ، ثُمَّ لِسائِرِ أصحابِه مِن بَعدِهِم، رَضِيَ اللهُ عنهم أجمَعينَ) [1505] يُنظر: ((شرح السنة)) للمزني (ص: 85-87). .
7- قال عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ أبي حاتِمٍ الرَّازيُّ: (فأمَّا أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهمُ الَّذينَ شَهِدوا الوَحْيَ والتَّنزيلَ، وعَرَفوا التَّفسيرَ والتَّأويلَ، وهمُ الَّذينَ اختارَهم اللهُ عَزَّ وجَلَّ لِصُحبةِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونُصرَتِه، وإقامةِ دينِه، وإظهارِ حَقِّه؛ فرَضِيَهم لهُ صَحابةً، وجَعلَهم لنا أعلامًا وقُدوةً، فحَفِظوا عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما بَلَّغَهم عن اللهِ عَزَّ وجَلَّ وما سَنَّ وشَرعَ، وحَكمَ وقَضى، ونَدَب وأمَرَ، ونَهى وحَظَرَ وأدَّب، ووَعَوهُ وأتقَنوهُ، ففَقِهوا في الدِّينِ، وعَلِموا أمرَ اللهِ ونَهْيَه ومُرادَه، بمُعايَنةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومُشاهَدَتِهِم مِنهُ تَفسيرَ الكِتابِ وتَأويلَهُ، وتَلَقُّفِهم مِنهُ واستِنباطِهم عنه؛ فشَرَّفَهمُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بما مَنَّ عليهِم وأكرَمَهم به من وَضْعِه إيَّاهُم مَوضِعَ القُدوةِ، فنَفى عنهمُ الشَّكَّ والكَذِبَ والغَلَطَ والرِّيبةَ والغَمْزَ، وسَمَّاهُم عُدولَ الأمَّةِ، فقال عَزَّ ذِكرُهُ في مُحكَمِ كِتابِه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة: 143] ، ففَسَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ اللهِ عَزَّ ذِكرُهُ قَولَه: وَسَطًا، قال: عَدْلًا، فكانوا عُدولَ الأمَّةِ، وأئِمَّةَ الهُدى، وحُجَجَ الدِّينِ ونَقَلةَ الكِتابِ والسُّنَّةِ. ونَدَب اللهُ عَزَّ وجَلَّ إلى التَّمَسُّكِ بهَدْيهِم، والجَرْيِ عَلى مِنهاجِهِم، والسُّلوكِ لِسَبيلِهِم، والاقتِداءِ بهِم، فقال: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى [النساء: 115] الآيةُ. ووَجَدْنا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَد حَضَّ عَلى التَّبليغِ عنه في أخبارٍ كثيرةٍ، ووَجَدْناهُ يُخاطِبُ أصحابَهُ فيها، مِنها أنْ دَعا لهم فقال: ((نَضَّر اللهُ امرَأَ سَمِعَ مَقالَتي فحَفِظَها ووَعاها حَتَّى يُبَلِّغَها غَيرَه)) [1506] أخرجه من طرق: أبو داود (3660)، والترمذي (2656)، وابن ماجه (230) مطولًا باختلاف يسير من حديثِ زيد بن ثابت رضي الله عنه، صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (680)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/327)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/368). . ثُمَّ تَفَرَّقَتِ الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم في النَّواحي والأمصارِ والثُّغورِ، وفي فُتوحِ البُلدانِ والمَغازي والإمارةِ والقَضاءِ والأحكامِ، فبَثَّ كُلُّ واحِدٍ مِنهم في ناحيَتِه وبِالبَلَدِ الَّذي هو به ما وعاهُ وحِفظَهُ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحَكَموا بحُكمِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وأمضَوا الأمورَ عَلى ما سَنَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأفتَوا فيما سُئِلوا عنه مِمَّا حَضَرَهم من جَوابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن نَظائِرِها مِنَ المَسائِلِ، وجَرَّدوا أنفُسَهم مَعَ تَقْدِمةِ حُسْنِ النِّيَّةِ والقُربةِ إلى اللهِ تَقدَّس اسمُه؛ لِتَعليمِ النَّاسِ الفَرائِضَ والأحكامَ، والسُّننَ والحَلالَ والحَرامِ، حَتَّى قَبضَهمُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ رِضوانُ اللهِ ومَغفِرَتُهُ ورَحمَتُهُ عليهِم أجمَعينَ) [1507] يُنظر: ((الجرح والتعديل)) (1/7). .
8- قال ابنُ بَطَّةَ في الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم: (فبِحُبِّهِم وبِمَعرِفةِ فَضْلِهِم قامَ الدِّينُ، وتَمَّتِ السُّنَّةُ، وعَدَلَتِ الحُجَّةُ) [1508] يُنظر: ((الإبانة الصغرى)) (ص 287). .
9- قال ابنُ عَبدِ البَرِّ مُثْنيًا عَلى الصَّحابةِ بحِفظِ السُّنَّةِ ونَقلِها: (صَحابَتُهُ الحَواريُّونَ الَّذينَ وعَوها وأدَّوْها ناصِحينَ مُحْسِنينَ، حَتَّى كَمَلَ بما نَقَلوهُ الدِّينُ، وثَبتَت بهِم حُجَّةُ اللهِ تعالى عَلى المُسْلِمينَ، فهم خَيرُ القُرونِ، وخَيرُ أمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ، ثبتت عَدَالةُ جَميعِهِم بثَناءِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ عليهِم وثَناءِ رَسولِه عليه السَّلامُ، ولا أعدَلَ مِمَّنِ ارتَضاه اللهُ لِصُحبةِ نَبيِّه ونُصرَتِهِ، ولا تَزكيةَ أفضَلُ من ذلك، ولا تَعديلَ أكمَلُ منه) [1509] يُنظر: ((الاستيعاب)) (1/ 1). .
10- قال أبو عليٍّ الهاشِميُّ الحَنبَليُّ: (وأنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمُ النَّبِيِّينَ، وأفضَلُ المُرسَلين، وأمَّتُهُ خَيرُ الأُمَمِ أجمَعينَ، وأفضَلُهمُ القَرنُ الَّذينَ شاهَدوهُ وآمَنوا به وصَدَّقوهُ، وأفضَلُ القَرنِ الَّذينَ صَحِبوهُ أربَعَ عَشْرةَ مِئةً، بايَعوهُ بيعةَ الرِّضوانِ، وأفضَلُهم أهْلُ بَدرٍ إذ نَصَروهُ، وأفضَلُهم أربَعونَ في الدَّارِ كنَفوه، وأفضَلُهم عَشَرةٌ عَزَّروهُ ووَقَّروهُ، وشَهِدَ لهم بالجَنَّةِ، وقُبِضَ وهوَ عنهم راضٍ، وأفضَلُ هَؤُلاءِ العَشَرةِ الأبرارِ الخُلفاءُ الرَّاشِدونَ المُهْديُّونَ الأربَعةُ الأخيارُ، وأفضَلُ الأربَعةِ أبو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثمانُ، ثُمَّ عليٌّ عليهِمُ السَّلامُ) [1510] يُنظر: ((طبقات الحنابلة)) لابن أبي يعلى (2/ 184). .
11- قال أبو الثَّناءِ مَحمود الألوسيُّ: (وأفْضَلُ الأمَمِ أمَّتُهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كما يَشهَدُ لهُ الآياتُ والأخبارُ، وأفضَلُهم صَحابَتُهُ؛ لِلآياتِ أيضًا ولِلأحاديثِ البالِغةِ مَبلَغَ التَّواتُرِ، وإن كانَت تَفاصيلُها آحادًا، وأفضَلُهمُ الخُلفاءُ الأربَعةُ الرَّاشِدونَ، وهم في الفَضلِ... عَلى تَرتيبِهِم في الإمامةِ... ثُمَّ تَمامُ العَشَرةِ، ثُمَّ أهْلُ بَدرٍ، ثُمَّ أهْلُ أُحُدٍ، ثُمَّ أهْلُ بيعةِ الرِّضوانِ... وقال بَعضُهم: أفْضَلُ الصَّحابةِ أهلُ الحُدَيبيَةِ، وأفضَلُهم أهْلُ أُحُدٍ، وأفضَلُهم أهْلُ بَدرٍ، وأفضَلُهمُ العَشَرةُ، وأفضَلُهمُ الخُلفاءُ الأربَعةُ، وأفضَلُهم أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه) [1511] يُنظر: ((الأجوبة العراقية على الأسئلة اللاهورية)) (ص: 59). .

انظر أيضا: