الموسوعة العقدية

المبحثُ الثَّاني: تَعريفُ الصَّحابيِّ اصطِلاحًا

أورَد أهلُ العِلمِ عِدَّةَ تَعريفاتٍ لِبَيانِ مَعنى الصَّحابيِّ في الِاصطِلاحِ.
1- قال الواقِديُّ: (رَأيتُ أهلَ العِلمِ يَقولونَ: كُلُّ مَن رَأى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقَد أدرَكَ الحُلُمَ، فأسلَمَ وعَقَلَ أمرَ الدِّينِ ورَضِيَه، فهوَ عِندَنا مِمَّن صَحِبَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولَو ساعةً مِن نَهارٍ، ولَكِنَّ أصحابَهُ عَلى مَنازِلِهِم وطَبَقاتِهِم وتَقَدُّمِهم في الإسلامِ، فيُوصَفُ كُلُّ رَجُلٍ مِنهم بما أدرَكَ مِن أمرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبِما سَمِعَ مِنهُ، فيَرجِعُ ذلك إلى صُحبَتِه عَلى قَدرِ مَنازِلِهِم مِن ذلك) [1465] يُنظر: ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (ص: 819). .
2- وقال أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: (كُلُّ مَن صَحِبَه سَنةً أو شَهرًا أو يَومًا أو ساعةً ورَآهُ فهوَ مِن أصحابِه، لهُ مِنَ الصُّحبةِ عَلى قَدْرِ ما صَحِبَه) [1466] يُنظر: ((أصول السنة)) (ص: 40). .
3- وقال البُخاريُّ: (مَن صَحِبَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أو رَآهُ مِنَ المُسْلِمينَ فهوَ مِن أصحابِه) [1467] ينظر: ((صحيح البخاري)) (4/373). ورواه الخطيب البغدادي في ((الكفاية)) (ص: 51). .
4- وقال ابنُ حَجَرٍ: (أصَحُّ ما وقَفْتُ عليه مِن ذلك أنَّ الصَّحابيَّ: مَن لَقِيَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُؤْمِنًا به، ومات عَلى الإسلامِ؛ فيَدخُلُ فيمَن لَقِيَه مَن طالَت مُجالَسَتُهُ لهُ أو قَصُرَت، ومَن روى عنه أو لم يَرْوِ، ومَن غزا مَعَه أو لم يَغْزُ، ومَن رَآه رُؤيةً ولَو لم يُجالِسْه، ومَن لم يَرَه لِعارِضٍ كالعَمَى. ويَخرُجُ بقَيدِ الإيمانِ مَن لَقِيَه كافِرًا ولَو أسلَمَ بَعدَ ذلك إذا لم يَجتَمِعْ به مَرَّةً أخرى. وقَولُنا: «به» يُخرِجُ مَن لَقِيَه مُؤْمِنًا بغَيرِه، كمَن لَقِيَه مِن مُؤمِني أهلِ الكِتابِ قَبلَ البَعثةِ... ويَدخُلُ في قَولِنا: «مُؤْمِنًا به» كُلُّ مُكَلَّفٍ مِنَ الجِنِّ والإنسِ؛ فحينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ ذِكْرُ مَن حَفِظَ ذِكْرَه مِنَ الجِنِّ الَّذينَ آمَنوا به بالشَّرطِ المَذكورِ... وخَرجَ بقَولِنا: «ومات عَلى الإسلامِ» مَن لقيَه مُؤْمِنًا به ثُمَّ ارتَدَّ، ومات عَلى رِدَّتِه والعياذُ باللَّهِ. وقَد وُجِدَ مِن ذلك عَدَدٌ يَسيرٌ... ويَدخُلُ فيه مَنِ ارتَدَّ وعادَ إلى الإسلامِ قَبلَ أن يَموتَ، سَواءٌ اجتَمَعَ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّةً أخرى أم لا، وهَذا هو الصَّحيحُ المُعتَمَدُ، والشِّقُّ الأوَّلُ لا خِلافَ في دُخولِه، وأبدى بَعضُهم في الشِّقِّ الثَّاني احتِمالًا، وهوَ مَردودٌ؛ لِإطباقِ أهلِ الحَديثِ عَلى عَدِّ الأشعَثِ بنِ قَيسٍ في الصَّحابةِ، وعَلى تَخريجِ أحاديثِه في الصِّحاحِ والمَسانيدِ، وهوَ مِمَّنِ ارتَدَّ ثُمَّ عادَ إلى الإسلامِ في خِلافةِ أبي بَكرٍ [1468] رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في ((الأموال)) (303)، وابن زنجويه في ((الأموال)) (466) ولفظه: عن إبراهيم النخعي، قال: (ارتد الأشعث بن قيس في أناس من كندة، فحوصر، فأخذ الأمان لسبعين منهم، ولم يأخذ لنفسه، فأتى به أبو بكر، فقال: إنا قاتلوك، لا أمان لك، فقال: تمن علي وأسلم؟ قال: ففعل، فزوجه أخته) .
وهَذا التَّعريفُ مَبنيٌّ عَلى الأصَحِّ المُختارِ عِندَ المُحَقِّقين؛ كالبُخاريِّ، وشَيخِهِ أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ، ومَن تَبعَهما. ووَراءَ ذلك أقوالٌ أخرى شاذَّةٌ؛ كقَولِ من قال: لا يُعَدُّ صَحابيًّا إلَّا من وُصِفَ بأحَدِ أوصافٍ أربَعةٍ: من طالَت مُجالَسَتُه، أو حُفِظَت رِوايَتُهُ، أو ضُبِطَ أنَّه غَزا مَعَه، أوِ استُشهِدَ بَينَ يَدَيه، وكَذا مَنِ اشتَرَط في صِحَّةِ الصُّحبةِ بلوغَ الحُلُمِ، أوِ المُجالَسةَ ولَو قَصُرَت. وأطلَقَ جَماعةٌ أنَّ من رَأى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهوَ صَحابيٌّ، وهوَ مَحمولٌ عَلى من بَلَغَ سِنَّ التَّمييزِ؛ إذ من لم يُمَيِّزْ لا تَصِحُّ نِسبةُ الرُّؤيةِ إلَيه، نَعَم يَصْدُقُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَآهُ فيَكونُ صَحابيًّا من هَذِه الحَيثيَّةِ، ومِن حَيثُ الرِّوايةُ يَكونُ تابِعيًّا) [1469] يُنظر: ((الإصابة في تمييز الصحابة)) (1/ 158). .
5- وقال السَّفَّارينيُّ: (الصَّحابيُّ مَنِ اجتَمَعَ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُؤْمِنًا ولَو لحظةً، ومات عَلى ذلك ولَو تَخَلَّله رِدَّةٌ) [1470] يُنظر: ((لوامع الأنوار البهية)) (1/ 52). .
6- وقال ابنُ عُثَيمين: (الصَّحابيُّ: مَنِ اجتَمَعَ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو رَآهُ مُؤْمِنًا به، ومات عَلى ذلك.        
فيَدخُلُ فيه: مَنِ ارتَدَّ ثُمَّ رَجَعَ إلى الإسلامِ: كالأشعَثِ بنِ قَيسٍ؛ فإنَّهُ كانَ مِمَّنِ ارتَد َّبَعدَ وفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجيءَ به أسيرًا إلى أبي بَكرٍ، فتابَ، وقَبلَ مِنهُ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه.
ويَخرُجُ مِنه: من آمَنَ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَياتِه، ولَم يَجتَمِعْ به: كالنَّجاشيِّ، ومَنِ ارتَدَّ ومات عَلى رِدَّتِه: كعَبْدِ اللهِ بنِ خَطلٍ قُتِلَ يَومَ الفَتحِ، ورَبيعةَ بنِ أُميَّةَ بْنِ خَلفٍ ارتَدَّ في زَمَنِ عُمرَ وماتَ عَلى الرِّدَّةِ.
والصَّحابةُ عَدَدٌ كثيرٌ، ولا يُمكِنُ الجَزمُ بحَصْرِهِم عَلى وَجهِ التَّحديدِ، لكِنْ قيلَ عَلى وَجهِ التَّقريبِ: أنَّهم يَبلُغونَ مِئةً وأربَعةَ عَشَرَ ألفًا) [1471] يُنظر: ((مصطلح الحديث)) (ص: 33). .

انظر أيضا: