الموسوعة العقدية

الفرعُ السادسُ: مِن فَضائِلِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ: أنَّها سَبَبٌ للنَّجاةِ مِنَ النَّارِ

عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَمِعَ مُؤَذِّنًا يَقولُ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، فقال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خرَجْتَ مِنَ النَّارِ )) [619] أخرجه مسلم (382). .
وعن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((مَن شَهِدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ، حرَّم اللهُ عليه النَّارَ )) [620] أخرجه مسلم (29). .
وعن عِتْبانَ بنِ مالِكٍ رَضِي اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فإنَّ اللهَ قد حرَّم على النَّارِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، يبتغي بذلك وَجْهَ اللهِ )) [621] أخرجه البخاري (1186) واللَّفظُ له، ومسلم (33). .
وعن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ نَبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومُعاذُ بنُ جَبَلٍ رديفُه على الرَّحلِ، قال: ((يا مُعاذُ))، قال: لبَّيك رَسولَ اللهِ وسَعْدَيك، قال: ((يا مُعاذُ))، قال: لبَّيك رَسولَ اللهِ وسَعْدَيك، قال: ((يا مُعاذُ))، قال: لبَّيك رَسولَ اللهِ وسَعْدَيك، قال: ((ما مِن عَبدٍ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، إلَّا حَرَّمه اللهُ على النَّارِ ))، قال: يا رسولَ اللهِ، أفلا أخبِرُ بها فيَستَبشِروا؟! قال: ((إذًا يتَّكِلوا))، فأخبَرَ بها معاذٌ عند مَوتِه؛ تأثُّمًا [622] أخرجه البخاري (128) ومسلم (32).
قال ابنُ الجوزي: (فإن قيل: كيف الجَمعُ بيْن قَولِه: ((إنَّ اللهَ حَرَّم على النَّارِ من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ)) وبيْن تعذيبِ المُوَحِّدينَ؟ فالجوابُ: أنَّه ذكر في هذا الحديثِ الذي نحن فيه عن الزُّهْريِّ أنَّه قال: نَزَلت بعد ذلك فرائِضُ نرى أنَّ الأمرَ انتهى إليها، وهو جوابٌ لا يَشْفي؛ لأنَّ الصَّلواتِ الخَمسَ فُرِضَت بمكَّةَ قَبلَ هذه القِصَّةِ بمُدَّةٍ، وظاهِرُ الحَديثِ أنَّ مُجَرَّدَ القَولِ يَدفَعُ عذابَ النَّارِ ولو تَرَك الصَّلاةَ،... وقد ذكَرْنا عن هذا جوابَينِ: أحَدُهما: أنَّ مَن قالَها مُخلِصًا فإنَّه لا يَترُكُ العَمَلَ بالفرائِضِ؛ إذ إخلاصُ القَولِ حامِلٌ على أداءِ اللَّازِمِ. والثَّاني: أنَّه يَحرُمُ على النَّارِ خُلودُه فيها) [623] يُنظر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) (2/ 110).
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الإخلاصُ ينفي أسبابَ دُخولِ النَّارِ؛ فمَن دَخَل النَّارَ مِن القائِلينَ لا إلهَ إلَّا اللهُ، لم يحقِّقْ إخلاصَها المحَرِّمَ له على النَّارِ، بل كان في قَلْبِه نوعٌ مِنَ الشِّرْكِ الذي أوقَعَه فيما أدخَلَه النَّارَ، والشِّرْكُ في هذه الأمَّةِ أخفى من دَبيبِ النَّمْلِ؛ ولهذا كان العَبدُ مَأمورًا في كُلِّ صَلاةٍ أن يقولَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] . والشَّيطانُ يأمُرُ بالشِّرْكِ، والنَّفسُ تُطيعُه في ذلك، فلا تَزالُ النَّفسُ تَلتَفِتُ إلى غيرِ اللهِ؛ إمَّا خوفًا منه، وإمَّا رجاءً له، فلا يزالُ العَبدُ مُفتَقِرًا إلى تخليصِ تَوحيدِه مِن شوائِبِ الشِّرْكِ) [624] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (10/ 261).
وقال ابنُ القَيِّمِ: (ليس التَّوحيدُ مُجَرَّدَ إقرارِ العَبدِ بأنَّه لا خالِقَ إلَّا اللهُ، وأنَّ اللهَ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ ومَليكُه، كما كان عُبَّادُ الأصنامِ مُقِرِّينَ بذلك، وهم مُشْرِكون، بل التَّوحيدُ يتضَمَّنُ مِن مَحَبَّةِ اللهِ، والخُضوعِ له، والذُّلِّ له، وكَمالِ الانقيادِ لطاعتِه، وإخلاصِ العِبادةِ له، وإرادةِ وَجْهِه الأعلى بجَميعِ الأقوالِ والأعمالِ، والمَنْعِ والعَطاءِ، والحُبِّ والبُغضِ: ما يحولُ بَيْنَ صاحبِه وبَيْنَ الأسبابِ الدَّاعيةِ إلى المعاصي، والإصرارِ عليها، ومن عَرَف هذا عَرَف قَولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ حَرَّم على النَّارِ من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، يبتغي بذلك وَجْهَ اللهِ )) [625] أخرجه البخاري (425)، ومسلم (33) مطولاً من حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه. ، وقَولَه: ((لا يَدخُلُ النَّارَ من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ)) [626] أخرجه البخاري (128)، ومسلم (32) ولفظ البخاري: عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم.. قال: ((ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه، إلا حرمه الله على النار)). وما جاء من هذا الضَّربِ مِن الأحاديثِ التي أَشكَلَت على كثيرٍ مِنَ النَّاسِ، حتَّى ظَنَّها بَعضُهم منسوخةً، وظَنَّها بَعضُهم قيلت قبل وُرودِ الأوامِرِ والنَّواهي واستقرارِ الشَّرعِ، وحَمَلَها بَعضُهم على نارِ المُشْرِكينَ والكُفَّارِ، وأوَّلَ بَعضُهم الدُّخولَ بالخُلودِ، وقال: المعنى لا يَدخُلُها خالدًا، ونحوَ ذلك من التَّأويلاتِ المُستَكرَهةِ.
والشَّارِعُ صَلَواتُ اللهِ وسلامُه عليه لم يجعَلْ ذلك حاصِلًا بمجَرَّدِ قَولِ اللِّسانِ فقط؛ فإنَّ هذا خِلافُ المعلومِ بالاضطرارِ مِن دينِ الإسلامِ، فإنَّ المنافِقينَ يَقولونَها بألسِنَتِهم، وهم تحت الجاحِدينَ لها في الدَّركِ الأسفَلِ مِنَ النَّارِ، فلا بُدَّ مِن قَولِ القَلبِ، وقَولِ اللِّسانِ. وقَولُ القَلبِ يتضَمَّنُ مِن مَعرفتِها، والتَّصديقِ بها، ومَعرفةِ حَقيقةِ ما تضَمَّنَتْه مِنَ النَّفيِ والإثباتِ، ومَعرفةِ حقيقةِ الإلَهيَّةِ المنفِيَّةِ عن غيرِ اللهِ، المختَصَّةِ به، التي يستحيلُ ثُبوتُها لغَيرِه، وقيامِ هذا المعنى بالقَلبِ عِلمًا ومَعرِفةً ويَقينًا وحالًا؛ ما يُوجِبُ تحريمَ قائِلِها على النَّارِ، وكُلُّ قَولٍ رَتَّب الشَّارِعُ ما رَتَّب عليه مِنَ الثَّوابِ، فإنَّما هو القَولُ التَّامُّ) [627] يُنظر: ((مدارج السالكين)) (1/ 339). .
وقال ابنُ رجب: (فأمَّا كَلِمةُ التوحيدِ فإنَّها تهدِمُ الذُّنوبَ وتمحوها محوًا، ولا تُبقي ذنبًا، ولا يسبِقُها عَمَلٌ، وهي تعدِلُ عِتْقَ الرِّقابِ الذي يوجِبُ العِتقَ مِنَ النَّارِ... ومن قالها خالصًا من قَلْبِه حَرَّمه اللهُ على النَّارِ) [628])) يُنظر: ((لطائف المعارف)) (ص: 214). .
وقال سُلَيمانُ بنُ عَبدِ اللهِ آل الشَّيخ: (اعلَمْ أنَّه قد وردت أحاديثُ ظاهِرُها أنَّه من أتى بالشَّهادتينِ حُرِّمَ على النَّارِ... وأحسَنُ ما قيل في معناه ما قاله شيخُ الإسلامِ وغَيرُه... وقد ذَكَر معناه غيرُه كابنِ القَيِّمِ، وابنِ رَجَبٍ، والمنذريِّ، والقاضي عِياض، وغَيرِهم. وحاصِلُه: أنَّ لا إلهَ إلَّا اللهُ سَبَبٌ لدُخولِ الجنَّةِ، والنَّجاةِ مِنَ النَّارِ، وُمقتَضٍ لذلك، ولكِنَّ المقتضي لا يَعمَلُ عَمَلَه إلَّا باستجماعِ شُروطِه، وانتِفاءِ مَوانِعِه، فقد يتخَلَّفُ عنه مقتضاه؛ لفواتِ شَرْطٍ مِن شُروطِه، أو لوُجودِ مانِعٍ) [629] يُنظر: ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: 63 - 66). ويُنظر: ((فتح المجيد)) لعبد الرحمن آل الشيخ (ص: 46 - 48). .

انظر أيضا: