الموسوعة العقدية

المَطلَبُ الأوَّلُ: من أنواعِ التبَرُّكِ المشروعِ: التبَرُّكُ بذِكرِ اللهِ

إنَّ مِن وسائِلِ طَلَبِ البرَكةِ مِنَ اللهِ سُبحانَه وتعالى التبَرُّكَ بذِكْرِه عزَّ وجلَّ؛ فلذِكْرِ اللهِ تعالى فضائِلُ عَظيمةٌ، وبرَكاتٌ كثيرةٌ، دينيَّةٌ ودُنيويَّةٌ.
فمِنَ البَرَكاتِ الدُّنيويَّةِ للذِّكْرِ:
1- اطمِئنانُ القَلْبِ.
قال اللهُ تعالى: أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ [الرعد: 28] .
2- أنَّه يُعطي الذَّاكِرَ قُوَّةً، فيَفعَلُ مع الذِّكرِ ما لا يُطيقُ فِعْلَه بدُونِه.
عن عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ فَاطِمَةَ أتَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَشْكُو إلَيْهِ ما تَلْقَى في يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وبَلَغَهَا أنَّه جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذلكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قالَ: فَجَاءَنَا وقدْ أخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقالَ: علَى مَكَانِكُما، فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وبيْنَهَا، حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى بَطْنِي، فَقالَ: ((ألَا أدُلُّكُما علَى خَيْرٍ ممَّا سَأَلْتُمَا؟ إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُما -أوْ أوَيْتُما إلى فِرَاشِكُما- فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، واحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وكَبِّرَا أرْبَعًا وثَلَاثِينَ، فَهو خَيْرٌ لَكُما مِن خَادِمٍ )) [533] أخرجه البخاري (5361) واللَّفظُ له، ومسلم (2727). .
3- مِن بَرَكاتِ الذِّكرِ الدُّنيويَّةِ حُصولُ الشِّفاءِ بالرُّقْيةِ الشَّرعيَّةِ
قال اللهُ تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82] .
وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا اشتكى يقرَأُ على نَفْسِه بالمعَوِّذاتِ، ويَنفُثُ، فلمَّا اشتَدَّ وَجَعُه كنتُ أقرَأُ عليه وأمسَحُ عنه بيَدِه؛ رجاءَ بَرَكتِها)) [534] أخرجه البخاري (5016)، ومسلم (2192) واللَّفظُ له. .
وعَنْ عَائِشَةَ رضى اللهُ عنها أيضًا أَنَّ النَّبِىَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَيَقُولُ: ((اللهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ الْبَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِى، لَا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا )) [535] أخرجه البخاري (5743) واللَّفظُ له، ومسلم (2191). .
ومِنَ البَرَكاتِ الدِّينيَّةِ للذِّكْرِ:
1- مَغفِرةُ الذُّنوبِ ومَضاعَفةُ الأُجورِ.
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، له المُلْكُ وله الحَمدُ، وهو على كُلِّ شَيءٍ قديرٌ، في يومٍ مائةَ مَرَّةٍ؛ كانت له عَدْلَ عَشْرِ رِقابٍ، وكُتِبَت له مائةُ حَسَنةٍ، ومُحِيَت عنه مائةُ سَيِّئةٍ، وكانت له حِرْزًا من الشَّيطانِ يَوْمَه ذلك حتى يمسِيَ، ولم يأتِ أحَدٌ بأفضَلَ ممَّا جاء به إلَّا أحَدٌ عَمِلَ أكثَرَ مِن ذلك )) [536] أخرجه البخاري (3293)، ومسلم (2691). .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من سبَّح اللهَ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحَمِدَ اللهَ ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر اللهَ ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعةٌ وتسعون، وقال تمامَ المائةِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، له المُلْكُ وله الحَمدُ، وهو على كُلِّ شيءٍ قديرٌ- غُفِرَت خَطاياه، وإن كانت مِثلَ زَبَدِ البَحرِ )) [537] أخرجه مسلم (597). .
2- أنَّ مَجالِسَ الذِّكرِ مِن أسبابِ ذِكرِ اللهِ لأهْلِها ونُزولِ السَّكينةِ وغِشْيانِ الرَّحمةِ وحُفوفِ الملائكةِ.
عن أبي هُرَيرةَ وأبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَقعُدُ قومٌ يَذكُرونَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ إلَّا حَفَّتْهم الملائكةُ، وغَشِيَتهم الرَّحمةُ، ونَزَلت عليهم السَّكينةُ، وذكَرَهم اللهُ فيمن عِنْدَه )) [538] أخرجه مسلم (2700). .
ومِنَ البرَكاتِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ معًا لذِكرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ أنَّه حِصنٌ مَنيعٌ من الشَّياطينِ وشُرورِهم.
عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إذا دَخَل الرَّجُلُ بيتَه، فذكَرَ اللهَ عندَ دُخولِه وعند طعامِه، قال الشَّيطانُ: لا مَبِيتَ لكم ولا عَشاءَ، وإذا دخَلَ فلم يذكُرِ اللهَ عند دُخولِه، قال الشيطانُ: أدركتُم المبيتَ، وإذا لم يذكُرِ اللهَ عند طعامِه، قال: أدركتُم المبيتَ والعَشاءَ )) [539] أخرجه مسلم (2018). .
وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لو أنَّ أحَدَهم إذا أراد أن يأتيَ أهلَه قال: باسمِ اللهِ، اللهُمَّ جَنِّبْنا الشَّيطانَ، وجَنِّبِ الشَّيطانَ ما رزَقْتَنا؛ فإنَّه إن يُقدَّرْ بينهما ولَدٌ في ذلك لم يَضُرَّه شيطانٌ أبدً ا)) [540] أخرجه البخاري (6388)، ومسلم (1434). .
إلى غيرِ ذلك من الفضائلِ العظيمةِ، والبرَكاتِ العديدةِ لذِكْرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ [541] يُنظر: ((الوابل الصيب)) لابن القيم (ص: 41-87)، ((التبرك أنواعه وأحكامه)) لناصر الجديع (ص: 210). .

انظر أيضا: