الموسوعة العقدية

الفَرعُ الثَّالِثُ: مِن أمثلةِ الشِّرْكِ الأصغَرِ في العباداتِ القَلبيَّةِ: الاعتِمادُ على الأسبابِ

الأسبابُ: هي الأمورُ التي يتوصَّلُ بها الإنسانُ ليَحصُلَ على ما يريدُه من مطلوبٍ، أو يندَفِعَ عنه ما يخشاه مِن مَرهوبٍ، سواءٌ مِن أمورِ الدُّنيا أو الآخِرةِ.
والأسبابُ التي ثَبَت نَفْعُها بالشَّرعِ أو بالتَّجرِبةِ الصَّحيحةِ ينبغي استِعمالُها مع التوكُّلِ على اللهِ تعالى، واعتِقادِ أنَّ هذا الأمرَ هو مجَرَّدُ سَبَبٍ، وأنَّه لا أثَرَ له إلَّا بمشيئةِ اللهِ تعالى، فإن شاء اللهُ نَفَع بهذا السَّبَبِ، وإن شاء أبطَلَ أثَرَه.
فإن اعتَمَد الإنسانُ على السَّبَبِ المشروعِ اعتِمادًا كُلِّيًّا، مع اعتقادِه أنَّ اللهَ هو النَّافِعُ الضَّارُّ؛ فقد وقَعَ في الشِّرْكِ الأصغَرِ.
وإن اعتَمَد على السَّبَبِ المشروعِ اعتِمادًا كُلِّيًّا، مع اعتقادِه أنَّه ينفَعُه مِن دونِ اللهِ؛ فقد وقع في الشِّرْكِ الأكبَرِ.
فالمؤمِنُ مأمورٌ بفِعلِ السَّبَبِ مع التوكُّلِ على مُسَبِّبِ الأسبابِ، وهو اللهُ وَحْدَه.
قال اللهُ سُبحانَه: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران: 122] .
وقال عَزَّ وجَلَّ: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة: 23] .
قال بَعضُ أهلِ العِلمِ: (الالتِفاتُ إلى الأسبابِ: شِرْكٌ في التَّوحيدِ، ومحْوُ الأسبابِ أن تكونَ أسبابًا: نَقْصٌ في العَقْلِ، والإعراضُ عن الأسبابِ بالكُلِّيَّةِ: قَدحٌ في الشَّرعِ) [355] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (8/70). .
ومِن الشِّرْكِ في الأسبابِ: أن يجعَلَ ما ليس بسَبَبٍ سَببًا.
فإن اعتَقَد أنَّ هذا الشَّيءَ يَستَقِلُّ بالتأثيرِ بدونِ مَشيئةِ اللهِ، فهو شِرْكٌ أكبَرُ، كحالِ عُبَّادِ الأصنامِ، وعُبَّادِ القُبورِ الذين يعتَقِدونَ أنَّها تنفَعُ وتضُرُّ بذاتِها.
وإن اعتَقَد أنَّ اللهَ جعَلَه سَبَبًا، مع أنَّ اللهَ لم يجعَلْه سَبَبًا؛ فهو شِرْكٌ أصغَرُ [356] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (1/137)، ((المدخل)) لابن الحاج (2/111)، ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (2/351)، ((القول المفيد)) لابن عثيمين (1/183)، ((تسهيل العقيدة الإسلامية)) لعبد الله الجبرين (ص: 381). .
قال المناوي: (ملاحظةُ الأسبابِ في الجُملةِ شِركٌ خَفِيٌّ، فكيف إذا انضَمَّ إليها جهالةٌ فاحِشةٌ، وسوءُ اعتقادٍ، ومن اعتقد أنَّ غَيرَ اللهِ يَنفَعُ أو يَضُرُّ استِقلالًا فقد أشرَكَ) [357] يُنظر: ((فيض القدير)) (4/294). .

انظر أيضا: