الموسوعة العقدية

المبحثُ السَّادِسُ: من أوجُهِ زيادةِ الإيمانِ ونُقصانِه: أنَّ الأعمالَ الظَّاهرةَ يتفاضَلُ النَّاسُ فيها بالزِّيادةِ والنُّقصانِ

تفاضُلُ النَّاسِ في زيادةِ أعمالِهم ونُقصانِها شامِلٌ لأعمالِ اللِّسانِ؛ كالتسبيحِ والتكبيرِ، والاستغفارِ والذِّكرِ وقِراءةِ القُرآنِ وغَيرِها. وشامِلٌ لأعمالِ الجوارحِ؛ كالصَّلاةِ والحَجِّ، والجِهادِ والصَّدقةِ وغَيرِها، فهذه الأعمالُ الظَّاهِرةُ هي من الإيمانِ، وداخِلةٌ في مُسَمَّاه، والتفاضُلُ يقعُ فيها كما يقعُ في الأعمالِ الباطِنةِ.
 قال ابنُ تيميَّةَ: (الأعمالُ الظَّاهِرةُ؛ فإنَّ النَّاسَ يتفاضَلون فيها وتزيدُ وتَنقُصُ، وهذا ممَّا اتفق النَّاسُ على دُخولِ الزِّيادةِ فيه والنُّقصانِ) [392] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/562). .
وقال أيضًا: (أمَّا زيادةُ العَمَلِ الصَّالحِ الذي على الجوارحِ ونُقصانُه فمُتَّفَقٌ عليه، وإن كان في دُخولِه في مُطلَقِ الإيمانِ نِزاعٌ... والذي عليه أهلُ السُّنَّةِ والحديثِ، وهو مَذهَبُ مالكٍ والشَّافعيِّ وغَيرِهم: أنَّ الإيمانُ قَولٌ وعَمَلٌ، يَزيدُ ويَنقُصُ) [393] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (6/479). .
لكِنْ قَولُ اللِّسانِ الذي هو الشَّهادتان لا يدخُلُه الزِّيادةُ والنَّقصُ.
 قال ابنُ تيميَّةَ: (الإسلامُ: الذي لا يُستثنى فيه الشَّهادتان باللِّسانِ فقط؛ فإنَّها لا تزيدُ ولا تَنقُصُ، فلا استثناءَ فيها)  [394]يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/259). .
ومن الأدِلَّةِ القُرآنيَّةِ على تفاضُلِ النَّاسِ في أعمالِ اللِّسان:
1- قَولُ اللهِ سُبحانَه: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 191] .
2- قَولُ اللهِ تعالى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب: 35] .
3- قَولُ اللهِ سُبحانَه: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ [فاطر: 29] .
ومِن الأدِلَّةِ من السُّنَّةِ على تفاضُلِ النَّاسِ في أعمالِ اللِّسانِ:
1- عن أبي مُوسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَثَلُ الذي يَذكُرُ رَبَّه والذي لا يَذكُرُ رَبَّه مَثَلُ الحَيِّ والميِّتِ )) [395] أخرجه البخاري (6407) واللَّفظُ له، ومسلم (779) باختلافٍ يسيرٍ. .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يُقالُ لصاحِبِ القُرآنِ: اقرَأْ وارْقَ ورَتِّلْ كما كُنتَ تُرَتِّلُ في الدُّنيا؛ فإنَّ مَنزِلَتَك عند آخِرِ آيةٍ تَقرَأُ بها )) [396] أخرجه أبو داود (1464)، والترمذي (2914) باختلافٍ يسيرٍ، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8056)، وأحمد (6799) واللَّفظُ لهما.  صححه الترمذيُّ، وابنُ حِبَّان في ((صحيحه)) (766)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (2914)، وصحَّحه لغيرِه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (1464)، وحَسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين )) (798). .
فهذه النُّصوصُ فيها دَلالةٌ واضِحةٌ على تفاضُلِ النَّاسِ في أعمالِ اللِّسانِ.
ومن الأدِلَّةِ القُرآنيَّةِ على تفاضُلِ النَّاسِ في أعمالِ الجوارِحِ:
قَولُ اللهِ تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: 1- 11] .
ومن السُّنَّة:
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ -أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ- شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ )) [397] أخرجه البخاري (9) مختصرًا، ومسلم (35) واللَّفظُ له. .
2- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من رأى منكم مُنكَرًا فلْيُغَيِّرْه بيَدِه، فإنْ لم يستَطِعْ فلْيُغَيِّرْه بلِسانِه، فإنْ لم يَستَطِعْ فلْيُغَيِّرْه بقَلْبِه، وذلك أضعَفُ الإيمانِ )) [398] أخرجه مسلم (49) باختلافٍ يسيرٍ. .
فهذه النُّصوصُ فيها ذِكرُ جُملةٍ مِن الأعمالِ الإيمانيَّةِ التي تكونُ بالجوارحِ؛ كالصَّلاةِ والزكاةِ، وأداءِ الأمانةِ، والوفاءِ بالعَهْدِ، وتغييرِ المنكَرِ باليَدِ على حَسَبِ الاستطاعةِ، وإماطةِ الأذى عن الطَّريقِ، والنَّاسُ مُتفاضِلون ومتفاوتون في أدائِها والمحافَظةِ عليها والقيامِ بها.

انظر أيضا: