الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ التَّاسِعُ: هَل يَرى أحَدٌ النَّارَ قَبلَ يَومِ القيامةِ عِيانًا؟

رَأى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّارَ في حياتِه.
عَن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنِّي رَأيتُ الجَنَّةَ فتَناولتُ عُنقُودًا، ولَو أصَبْتُه لأكلتُم مِنه ما بَقيَتِ الدُّنيا، وأُريتُ النَّارَ فلَم أرَ مَنظَرًا كاليَومِ قَطُّ أفظَعَ، ورَأيتُ أكثَرَ أهلِها النِّساءَ )) [5090] أخرجه مطولًا البخاري (1052) واللَّفظُ له، ومسلم (907). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (قَولُه: ((فلَم أرَ مَنظَرًا كاليَومِ قَطُّ أفظَعَ))، المُرادَ باليَومِ الوقتُ الَّذي هو فيه، أيْ: لَم أرَ مَنظَرًا مِثلَ مَنظَرٍ رَأيْتُه اليَومَ، فحُذِفَ المَرْئيُّ وأُدخِلَ التَّشبيهُ على اليَومِ لِبَشاعةِ ما رَأى فيه وبُعْدِه عَنِ المَنظَرِ المَألُوفِ، وقيلَ: الكافُ اسمٌ، والتَّقديرُ: ما رَأيتُ مِثلَ مَنظَرِ هذا اليَومِ مَنظَرًا، ووقَعَ في رِوايةِ المُستَمْلي والحَمَويِّ: فلَم أنظُرْ كاليَومِ قَطُّ أفظَعَ) [5091] يُنظر: ((فتح الباري)) (2/ 542). .
وعَن أسماءَ بنتِ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهما أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((قَد دَنَتْ مِني الجَنَّةُ، حَتَّى لَوِ اجتَرَأتُ عليها لِجِئْتُكم بقِطافٍ مِن قِطافِها، ودَنتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ: أي رَبِّ، وأنا مَعَهم؟ فإذا امرَأةٌ -حَسِبْتُ أنَّه قال- تَخدِشُها هِرَّةٌ. قُلتُ: ما شَأنُ هذه؟ قالُوا: حَبَستْها حَتَّى ماتَت جُوعًا، لا أطعَمَتْها ولا أرسَلَتْها تَأكُلُ -قال نافِعٌ: حَسِبَت أنَّه قال:- مِن خَشيشِ أو خَشاشِ الأرضِ )) [5092] أخرجه البخاري (745). .
وعَن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لَقَد جيءَ بالنَّارِ، وذَلِكم حينَ رَأيتُمُوني تَأخَّرْتُ؛ مَخافةَ أن يُصيبَني مِن لَفْحِها، وحَتَّى رَأيتُ فيها صاحِبَ المِحْجَنِ يَجرُّ قُصْبَه في النَّارِ، كانَ يَسرِقُ الحاجَّ بمِحْجَنِه، فإنْ فُطِنَ لَه قال: إنَّما تَعلَّقَ بمِحْجَني، وإنْ غُفِلَ عَنه ذَهَبَ به، وحَتَّى رَأيتُ فيها صاحِبةَ الهِرَّةِ الَّتي رَبَطَتْها فلَم تُطعِمْها، ولَم تَدَعْها تَأكُلُ مِن خَشاشِ الأرضِ، حَتَّى ماتَت جُوعًا )) [5093] أخرجه مسلم (904) مطولًا. .
قال ابنُ عُثيمين: (إنَّ النَّارَ مَوجُودةٌ الآنَ؛ لِقَولِه تعالى: أُعِدَّتْ، ومَعلُومٌ أنَّ الفِعلَ هنا فِعلٌ ماضٍ، والماضي يَدُلُّ على وُجُودِ الشَّيءِ، وهذا أمرٌ دَلَّت عليه السُّنَّةُ أيضًا؛ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عُرِضَتْ عليه الجَنَّةُ والنَّارُ، ورَأى أهلَها يُعَذَّبُونَ فيها: رَأى عَمْرَو بنَ لُحَيٍّ الخُزاعيَّ يَجرُّ قُصْبَه. أي: أمعاءَه، في النَّارِ، ورَأى المَرأةَ الَّتي حَبسَتِ الهِرةَ حَتَّى ماتَت جُوعًا، فلَم تَكُن أطعَمتْها ولا أرسَلتْها تَأكُلُ مِن خَشاشِ الأرضِ، ورَأى فيها صاحِبَ المِحْجَنِ. الَّذي كانَ يَسرِقُ الحُجَّاجَ بمِحْجَنِه. يُعذَّبُ: وهو رَجُلٌ مَعَه مِحْجَنٌ، أي: عَصًا مَحنيَّةُ الرَّأسِ. كانَ يَسرِقُ الحُجَّاجَ بهذا المِحْجَنِ؛ إذا مَرَّ به الحُجَّاجُ جَذبَ مَتاعَهم؛ فإن تَفَطَّنَ صاحِبُ الرَّحْلِ لِذَلِكَ ادَّعى أنَّ الَّذي جَذبَه المِحْجَنُ وإن لَم يَتَفَطَّنْ أخذَه؛ فكانَ يُعَذَّبُ. والعياذُ باللهِ. بمِحْجَنِه في نارِ جَهَنَّم) [5094] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/ 85). .

انظر أيضا: