الموسوعة العقدية

المَطْلَب الأولُ: مَكانُ النَّارِ

مِن أهلِ العِلمِ مِن رَجَّحَ مَوضِعَها في الأرضِ السَّابعةِ.
قال السَّفارينيُّ: (النَّارُ في الأرضِ السَّابعةِ على الصَّحيحِ المُعتَمَدِ) [5000] يُنظر: ((لوامع الأنوار البهية)) (2/ 239). .
وقال ابنُ عُثيمين: (مَكانُ الجَنَّةِ والنَّارِ:
الجَنةُ في أعلى عِلِّيِّينَ؛ لِقَولِه تعالى: كَلَّا إنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين: 18] .
وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَديثِ البراءِ بن عازِبٍ المَشهورِ في قِصَّةِ فتنةِ القَبرِ: ((فيَقُولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: اكتُبُوا كِتابَ عَبدي في عِلِّيِّينَ وأَعيدُوه إلى الأرضِ)) [5001] أخرجه مطولًا أحمد (18534) واللَّفظُ له، والحاكم (107)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (395). صحَّحه القرطبي في ((التذكرة)) (119)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (1676)، وحسَّنه المنذري في ))الترغيب والترهيب)) (4/280)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (150)، وصحَّح إسنادَه الطبري في ((مسند عمر)) (2/494)، والبيهقي، والبوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (2/436). . والنَّارُ في أسفَلِ سافِلينَ؛ لِقَولِه تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ [المُطففين: 7] .
وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَديثِ البراءِ بن عازِبٍ السَّابقِ: ((فيَقُولُ اللهُ تعالى: اكتُبُوا كِتابَ عَبدي في سِجِّينٍ في الأرضِ السُّفلى)) [5002] يُنظر: ((شرح لمعة الاعتقاد)) (ص: 132). .
وقال أيضًا: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ... بيَّنَ اللهُ تعالى في هذه الآيةِ الكَريمةِ أنَّ كِتابَ الفُجَّارِ في سِجِّينٍ، والسِّجِّينُ قال العُلَماءُ: إنَّه مَأخُوذٌ مِنَ السَّجْنِ، وهو الضِّيقُ، أي: في مَكانٍ ضيِّقٍ، وهذا المَكانُ الضَّيِّقُ هو نارُ جَهَنَّمَ -والعياذُ باللهِ- كَما قال اللهُ تباركَ وتعالى: وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا [الفرقان: 13، 14]. وجاءَ في حَديثِ البراءِ بن عازِبٍ الطَّويلِ المَشهورِ في قِصَّةِ المُحتَضَرِ وما يَكُونُ بَعدَ المَوتِ أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى يَقُولُ: ((اكتُبُوا كِتابَ عَبدي -يَعني الكافِرَ- في السِّجِّينِ في الأرضِ السَّابعةِ السُّفلى)). فسِجِّينٌ هو أسفَلُ ما يَكُونُ مِنَ الأرضِ الَّذي هو مَقرُّ النَّارِ، نَعُوذُ باللهِ مِنها، فهذا الكِتابُ في سِجِّينٍ) [5003] يُنظر: ((تفسير جزء عم)) (ص: 97). .
وسُئِلَ ابنُ عُثيمين هَلِ النَّارُ في السَّماءِ أو في الأرضِ؟
فأجابَ: (هي في الأرضِ، ولَكِن قال بَعضُ أهلِ العِلمِ: إنَّها هي البِحارُ، وقال آخَرُونَ: هي في باطِنِ الأرضِ، والَّذي يَظهرُ أنَّها في باطِنِ الأرضِ، ولَكِن ما نَدري أينَ هي مِنَ الأرضِ؟ نُؤمِنُ بأنَّها في الأرضِ، وليسَت في السَّماءِ، ولَكِن لا نَعلَمُ في أيِّ مَكانٍ هي على وَجهِ التَّعيينِ. والدَّليلُ على أنَّ النَّارَ في الأرضِ ما يَلي:
قال اللهُ تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وسِجِّينٌ هي الأرضُ السُّفلى، كَذَلِكَ جاءَ في الحَديثِ فيمَنِ احتُضِر وقُبضَ مِنَ الكافِرينَ؛ فإنَّها لا تُفتَّحُ لَهم أبوابُ السَّماءِ، ويَقُولُ الله تعالى: ((اكتُبُوا كِتابَ عَبدي في سِجِّينٍ، وأَعيدُوه إلى الأرضِ))، ولَو كانَتِ النَّارُ في السَّماءِ لَكانَت تُفَتَّحُ لَهم أبوابُ السَّماءِ ليَدخُلُوها؛ لِأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأى أصحابَها يُعذَّبُونَ فيها، وإذا كانَت في السَّماءِ لَزِمَ مِن دُخُولِهم في النَّارِ الَّتي في السَّماءِ أن تُفتَّحَ أبوابُ السَّماءِ.
لَكِنَّ بَعضَ النَّاسِ استَشكَلَ، وقال: كيفَ يَراها الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ عُرِجَ به وهي في الأرضِ؟!
وأنا أعجَبُ لِهذا الِاستِشكالِ، إذا كُنَّا ونَحنُ في الطَّائِرةِ نَرى الأرضَ تَحتَنا بَعيدةً، ونُدرِكُها، فكيفَ لا يَرى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّارَ وهو في السَّماءِ؟!
فالحاصِلُ: أنَّها في الأرضِ، وقَد رُويَ في هذا أحاديثُ لَكِنَّها ضَعيفةٌ، ورُويَ آثارٌ عَنِ السَّلَفِ كابن عَبَّاسٍ، وابنِ مَسعُودٍ، وهو ظاهِرُ القُرآنِ. إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ. والَّذينَ كَذَّبُوا بالآياتِ واستَكبَرُوا عَنها لا شَكَّ أنَّهم في النَّارِ) [5004] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (2/ 60). .
ومِن أهلِ العِلمِ مِن تَوقَّفَ عَنِ الخَوضِ في تَحديدِ مَكانِها.
قال السُّيُوطيُّ: (نَقِف عَنِ النَّارِ، أي: نَقُولُ فيها بالوقفِ، أي: مَحَلُّها حيثُ لا يَعلَمُه إلَّا اللهُ، فلَم يَثبُت عِندي حَديثٌ أعتَمِدُه في ذَلِكَ، وقيلَ: تَحتَ الأرضِ...) [5005] يُنظر: ((إتمام الدراية لقراء النقاية)) (ص: 15). .
وقال وَلِيُّ الله الدهلويُّ: (لَم يُصَرِّحْ نَصٌّ بتَعيينِ مَكانِهما، بَل حيثُ شاءَ الله تعالى؛ إذ لا إحاطةَ لَنا بخَلقِ الله وعَوالِمِه) [5006] يُنظر: ((العقيدة الحسنة)) (ص: 15). .
وقال صِدِّيق حَسَن مُعَلِّقًا على كَلامِ الدهلويُّ: (هذا القَولُ أرجَحُ الأقوالِ وأَحْوَطُها إن شاءَ اللهُ تعالى) [5007] يُنظر: ((يقظة أولى الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار)) (ص: 48). .

انظر أيضا: