الموسوعة العقدية

المَطْلَب العاشِرُ: أمانيُّ أهلِ الجَنَّةِ

عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يُحَدِّثُ وعِندَه رَجُلٌ مِن أهلِ الباديةِ: ((أنَّ رَجُلًا مِن أهلِ الجَنَّةِ استَأذَنَ رَبَّه في الزَّرعِ، فقال لَه: ألَسْتَ فيما شِئْتَ؟! قال: بَلى، ولَكِنِّي أُحِبُّ أنَّ أزرَعَ، قال: فبَذَر فبادَرَ الطَّرْفَ نَباتُه واستِواؤُه واستِحصادُه، فكانَ أمثالَ الجِبالِ، فيَقُولُ اللهُ: دُونَكَ يا ابنَ آدَمَ؛ فإنَّه لا يُشبِعُكَ شيءٌ )). فقال الأعرابيُّ: واللهِ لا تَجِدُه إلَّا قُرَشيًّا أو أنصاريًّا؛ فإنَّهم أصحابُ زَرعٍ، وأمَّا نَحنُ فلَسْنا بأصحابِ زَرْعٍ، فضَحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! [4865] أخرجه البخاري (2348). .
قال المهلبُ: (في هذا الحَديثِ أنَّ كُلَّ ما اشتُهِيَ في الجَنةِ مِن أعمالِ الدُّنيا ولَذَّاتِها فمُمكِنٌ فيها؛ لِقَولِه تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) [4866] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (6/ 488). .
وقال الكرمانيُّ: (قَولُه: ((فبذر)) أي: فألقى البَذرَ على الأرضِ فنَبت في الحالِ واستَوى وأدرَكَ حَصادُه، وكانَ كُلُّ حَبَّةٍ مِثلَ الجَبَلِ!) [4867] يُنظر: ((الكواكب الدراري)) (10/ 166). .
وقال علي القاري: ( ((فبادَرَ الطَّرْفَ)) -بسُكُونِ الرَّاءِ- تَحريكُ الجُفُونِ في النَّظَرِ، أي: فسابقَه ((نَباتُه)) والمَعنى: فحَصَلُ نَباتُه في الحالِ، وكَذا قَولُه: ((واستِواؤُه واستِحصادُه)) أي: مِن غيرِ مُؤَنةٍ لِلحَصادِ مِن جانِب العِبادِ، فكانَ أمثالَ الجِبالِ) [4868] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (9/ 3600). .
وعَن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا اشتَهى المُؤمِنُ الولَدَ في الجَنةِ كانَ حَملُه ووضْعُه وسِنُّه في ساعةٍ واحِدةٍ كَما يَشتَهي )) [4869] أخرجه الترمذي (2563)، وابن ماجه (4338)، وأحمد (11063) واللَّفظُ له. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (7404)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2563)، وحسَّن إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (11063)، وقال الترمذي، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (387): حسن غريب، وقال ابن القيم في ((حادي الأرواح)) (213): إسناده على شرط الصحيحِ، ولكنَّه غريبٌ جِدًّا. .
قال التِّرمذيُّ بَعدَه: (قَدِ اختَلَفَ أهلُ العِلمِ في هذا، فقال بَعضُهم: في الجَنَّةِ جِماعٌ ولا يَكُونُ وَلَدٌ، هَكَذا رُويَ عَن طاوُوسٍ، ومُجاهِدٍ، وإبراهيمَ النَّخعيِّ. وقال مُحَمَّدٌ: قال إسحاقُ بنُ إبراهيمَ في حَديثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إذا اشتَهى المُؤمِنُ الولَدَ في الجَنةِ كانَ في ساعةٍ واحِدةٍ كَما يَشتَهي، ولَكِن لا يَشتَهي. قال مُحَمَّدٌ: وقَد رُويَ عَن أبي رَزينٍ العقيليِّ، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: إنَّ أهلَ الجَنَّةِ لا يَكُونُ لَهم فيها وَلَدٌ) [4870] يُنظر: ((سنن الترمذي)) (4/ 277). .
وقال ابنُ القيِّمِ مُعَقِّبًا: (قُلت: إسنادُ حَديثِ أبي سَعيدٍ على شَرطِ الصَّحيحِ، فِرجالُه مُحتَجٌّ بهم فيه، ولَكِنَّه غَريبٌ جِدًّا، وتَأويلُ إسحاقَ فيه نَظَرٌ؛ فإنَّه قال: إذا اشتَهى المُؤمِنُ الولَدَ، وإذا لِلمُتَحَقِّقِ الوُقُوعِ، ولَو أُريدَ ما ذَكرَه مِنَ المَعنى لَقالَ: لَوِ اشتَهى المُؤمِنُ الولَدَ لَكانَ حَملُه في ساعةٍ؛ فإنَّ ما لا يَكُونُ أحَقَّ بأداةِ لَو كَما أنَّ المُتَحَقِّقَ الوُقُوعِ أحَقُّ بأداةِ إذا) [4871] يُنظر: ((حادي الأرواح)) (ص: 242-249). .
وقال الصَّنعانيُّ: ( ((المُؤمِن إذا اشتَهى الولَدَ في الجَنةِ)) إذا أَحَبَّ وُجُودَ الأولادِ. ((كانَ حَملُه ووضعُه وسِنُّه)) الَّتي يُحِبُّ المُؤمِنُ أن يَكُونَ عليها. ((في ساعةٍ واحِدةٍ)) لِأنَّها دارُ اللَّذَّاتِ، فلا ألَم بالحَملِ، ولا استِكْراه لِمُدَّتِه، ولا ألمَ بالوَضعِ، ولا شُغلةَ بتَربيةِ الصَّبيِّ، بَل يُحدِثُه اللهُ عَزَّ وجَلَّ ((كَما يَشتَهي)) في ساعةٍ واحِدةٍ، إلَّا أنَّه قَد ثَبَتَ عِندَ العقيليِّ وغيرِه أنَّ الجَنَّةَ لا يَكُونُ فيها وِلادةٌ [4872] لفظه: عن أبي رزين العقيليِّ رَضِيَ اللهُ عنه قلتُ: (يا رسولَ اللهِ، أوَلَنَا فيها أزواجٌ، أو منهنَّ مُصلِحاتٌ؟ قال: الصَّالحاتُ للصَّالحين، تَلَذُّونَهنَّ مِثلَ لذَّاتِكم في الدُّنيا، ويَلْذَذنَ بكم غيرَ أنْ لا توالُدَ..). أخرجه مطولًا عبد الله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (16206) واللَّفظُ له، والطبراني (19/211) (477)، والحاكم (8683). ضعَّف إسناده الألباني في تخريج ((كتاب السنة)) (636)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (16206)، وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (5/72): غريبٌ جِدًّا، وألفاظُه في بعضِها نَكارةٌ. ، قيلَ: فالمُرادُ هنا أنَّه إذا اشتَهى المُؤمِنُ كانَ كَما ذُكِرَ، لَكِنَّه لا يَشتَهي ذَلِكَ أصلًا... المَنفيُّ تَرتيبُ الوِلادةِ على الجِماعِ غالِبًا كَما هو في الدُّنيا، والمُثْبَتُ هنا حُصُولُ الولَدِ عِندَ اشتِهائِه كَما يَحصُلُ الزَّرعُ عِندَ اشتِهائِه، ولا زَرعَ في الجَنةِ في سائِرِ الأوقاتِ، وقَد ثَبَتَ أنَّ اللهَ تعالى يُنشيءُ لِلجَنَّةِ خَلقًا يُسكِنُهم فَضْلَها، فلا مانِعَ مِن إنشاءِ الولَدِ بينَ أهلِها) [4873] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (10/ 458). .

انظر أيضا: