الموسوعة العقدية

المَطْلَب الأوَّلُ: صِفةُ أهلِ الجَنَّةِ

أهلُ الجَنةِ يَدخُلُونَها على أكمَلِ صُورةٍ وأجمَلِها، وهي صُورةُ أبيهم آدَمَ عليه السَّلام الَّذي خَلَقَه اللهُ تعالى بيدِه فأتَمَّ خَلْقَه، وأحسَنَ تَصويرِه.
عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خَلقَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ آدَمَ على صُورَتِه، طُولُه سِتُّون ذِراعًا... فكُلُّ مَن يَدخُلُ الجَنَّةَ على صُورةِ آدَمَ، وطُولُه سِتُّونَ ذِراعًا، فلَم يَزَلِ الخَلقُ يَنقُصُ بَعدَه حَتَّى الآنَ )) [4741] أخرجه البخاري (6227)، ومسلم (2841) واللَّفظُ له. .
قال ابنُ حَجَرٍ: (قَولَه: فكُلُّ مَن يَدخُلُ الجَنَّةَ على صُورةِ آدَمَ، أي: على صِفَتِه، وهذا يَدُلُّ على أنَّ صِفاتِ النَّقصِ مِن سَوادٍ وغيرِه تَنتَفي عِندَ دُخُولِ الجَنَّة) [4742] يُنظر: ((فتح الباري)) (6/ 367). .
وقال الصَّنعانيُّ: ( ((وطُولُه سِتُّونَ ذِراعًا))... والمُرادُ بذِراعِ نَفسِه) [4743] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (5/ 496). .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أولُ زُمْرةٍ تَدخُلُ الجَنَّةَ مِن أمَّتي على صُورةِ القَمَرِ ليلةَ البَدْرِ، ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهم على أشَدِّ نَجمٍ في السَّماءِ إضاءةً، ثُمَّ هم بَعدَ ذَلِكَ مَنازِلُ، لا يَتَغَوَّطُونَ ولا يَبُولُونَ ولا يَمتَخِطُونَ ولا يَبزُقُونَ، أمشاطُهمُ الذَّهَبُ، ومَجامِرُهمُ الألوةُ، ورَشحُهمُ المِسْكِ، أخلاقُهم على خُلُقِ رَجُلٍ واحِدٍ، على طُولِ أبيهم آدَمَ، سِتُّون ذِراعًا )) [4744] أخرجه البخاري (3246)، ومسلم (2834) واللَّفظُ له. .
قال أبُو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (قَولُه: ((سِتُّون ذِراعًا في السَّماءِ)) أي: في الِارتِفاعِ، وكُلُّ ما عَلاكَ فهو سَماءٌ، ويَعني بذَلِكَ: أنَّ الله تعالى أعادَ أهلَ الجَنةِ إلى خِلقةِ أصلِهم الَّذي هو آدَمُ، وعلى صِفَتِه وطُولِه الَّذي خَلَقَه اللهُ عليه في الجَنةِ، وكانَ طُولُه فيها سِتّين ذِراعًا في الِارتِفاعِ، مِن ذِراعِ نَفسِه، واللهُ أعلَمُ. ويُحتَمَلُ أن يَكُونَ ذَلِكَ الذِّراعُ مُقَدَّرًا بأذرِعَتِنا المُتَعارَفةِ عِندَنا. ثُمَّ لَم يَزَلْ خَلقُ ولَدِه وطُولُهم يَنقُصُ، كَما جاءَ في الرِّوايةِ الأُخرى) [4745] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 182). .
وعَن جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ أهلَ الجَنَّةِ يَأكُلُونَ فيها ويَشرَبُونَ، ولا يَتفلُونَ ولا يَبُولُونَ ولا يَتَغَوطُونَ ولا يَمتَخِطُونَ، قالُوا: فما بالُ الطَّعامِ؟ قال: جُشاءٌ ورَشحٌ كَرَشحِ المِسْكِ، يُلهَمُونَ التَّسبيحَ والتَّحميدَ، كَما تُلهمُونَ النَّفس )) [4746] أخرجه مسلم (2835). .
قال النَّوويُّ: (مَذهَبُ أهلِ السُّنَّةِ وعامَّةِ المُسلِمينَ أنَّ أهلَ الجَنَّةِ يَأكُلُونَ فيها ويَشرَبُونَ، يَتَنَعَّمُونَ بذَلِكَ وبغيرِه مِن مَلاذِّ وأنواعِ نَعيمِها تَنعُّمًا دائِمًا لا آخِرَ لَه ولا انقِطاعَ أبَدًا، وأنَّ تَنعُّمَهم بذَلِكَ على هيئةِ تَنعُّمِ أهلِ الدُّنيا، إلَّا ما بينَهما مِنَ التَّفاضُلِ في اللذَّةِ والنَّفاسةِ الَّتي لا تشارِكُ نَعيمَ الدُّنيا إلَّا في التَّسميةِ وأصلِ الهيئةِ، وإلَّا في أنَّهم لا يَبُولُونَ ولا يَتَغَوطُونَ ولا يَتَمَخَّطُونَ ولا يَبصُقُونَ) [4747] يُنظر: ((شرح مسلم)) (17/ 173). .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (قَدِ اشتَمَلَ ذَلِكَ على نَفيِ جَميعِ صِفاتِ النَّقصِ عَنهم) [4748] يُنظر: ((فتح الباري)) (6/ 324). .

انظر أيضا: