الموسوعة العقدية

المَطلَب الخامِسُ: الفُقراءُ يَسبقُونَ الأغنياءَ إلى الجَنةِ

عَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عَنهما قال: قال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ فُقَراءَ المُهاجِرينَ يَسبِقُونَ الأغنياءَ يَومَ القيامةِ إلى الجَنَّةِ بأربَعينَ خَريفًا )) [4338] أخرجه مسلم (2979). .
وعَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عَنهما قال: قال لي رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أتَعَلَمُ أوَّلَ زُمْرةٍ تَدخُلُ الجَنَّةَ مِن أمَّتي؟)) قال: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، فقال: ((المُهاجِرُونَ يَأتُونَ يَومَ القيامةِ إلى بابِ الجَنةِ ويَستَفتِحُونَ، فيَقُولُ لَهمُ الخَزَنةُ: أوقَد حُوسِبتُم؟ فيَقُولُونَ: بأيِّ شيءٍ نُحاسَبُ، وإنَّما كانَت أسيافُنا على عَواتِقِنا في سَبيلِ اللَّهِ حَتَّى مِتْنا على ذَلِكَ! قال: فيُفتَحُ لَهم، فيَقيلَونَ فيه أربَعينَ عامًا قَبلَ أن يَدخُلَها النَّاسُ )) [4339] أخرجه الحاكم (2389)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (4260). صحَّحه الحاكم، وقال: على شرط الشيخين، والألباني على شرط مسلم في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (853)، وقال شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (11/134): على شرط مسلم. وأصله في صحيح مسلم (2979). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (إنَّ الفُقَراءَ يَسبِقُونَ الأغنياءَ إلى الجَنةِ؛ لِأنَّه لا حِسابَ عليهم، ثُمَّ الأغنياءُ يُحاسَبُونَ؛ فمَن كانَت حَسَناتُه أرجَحَ مِن حَسَناتِ فقيرٍ كانَت دَرَجَتُه في الجَنةِ أعلى، وإن تَأخَّرَ عَنه في الدُّخُولِ، ومَن كانَت حَسَناتُه دُونَ حَسَناتِه كانَت دَرَجَتُه دُونَه)  [4340]يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (11/ 21). .
وقال ابنُ القيِّمِ: (لا يَقدَحُ ذَلِكَ في مَنزِلةِ المُتَأخِّرينَ في الدُّخُولِ؛ فإنَّهم قَد يَكُونُونَ أرفَعَ مَنزِلةً مِمَّن سَبَقهم إلى الدُّخُولِ، وإن تَأخَّرُوا بَعدَهم لِلحِسابِ؛ فإنَّ الإمامَ العادِلَ يُوقَفُ لِلحِسابِ ويَسبِقُه مَن لَم يَلِ شيئًا مِن أُمُورِ المُسلِمينَ إلى الجَنَّةِ، فإذا دَخلَ الإمامُ العادِلُ بَعدَه كانَت مَنزِلَتُه أعلى مِن مَنزِلةِ الفَقيرِ، بَل يَكُونُ أقرَبَ النَّاسِ مِنَ اللهِ مَنزِلةً، كَما في صَحيحِ مُسلِمٍ عَن عَبْدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنه عَنِ النَّبيِّ قال: ((المُقْسِطُونَ عِندَ اللهِ يَومَ القيامةِ على مَنابرَ مِن نُورٍ عَن يَمينِ الرَّحمَنِ، وكِلتا يَدَيه يَمينٌ؛ الَّذينَ يَعدِلُونَ في حُكمِهم وأهليهم وما وَلُوا )) [4341] أخرجه مسلم (1827) باختلافٍ يسيرٍ من حديث عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللهُ عنهما. [4342] يُنظر: ((عدة الصابرين)) (ص: 159). .
وقال علي القاري: («وعَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو» بالواوِ قال: قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّم: ((إنَّ فُقَراءَ المُهاجِرينَ يَسبِقُونَ الأغنياءَ)) أي: مِنَ المُهاجِرينَ، فغيرُهم بالأَولى؛ ولِذا أُطلِقَ الأغنياءُ، وعلى هذا يُقاسُ فُقَراءُ كُلِّ طائِفةٍ مِن أهلِ زَمان ومَكان أغنيائِهم ((يَومَ القيامةِ)) أي: لِمُحاسَبةِ الأغنياءِ ولِخَلاصِ الفُقَراءِ عَنِ العَناءِ؛ فإنَّ المُفلِسَ في أمانِ اللهِ دُنيا وأُخرى ((إلى الجَنةِ)) مُتَعَلِّقٌ بيَسبقُون، أي: يُسابقُونَ ويُبادرُونَ إليها ((بأربَعينَ خَريفًا))... المَعنى بمِقدارِ أربَعينَ سَنةً مِن أعوامِ الدُّنيا أوِ الأُخرى، مَعَ احتِمالِ أن يُرادَ بها الكَثرةُ، ويَختَلِفُ باختِلافِ أحوالِ الفُقَراءِ والأغنياءِ في الكَمِّيَّةِ والكيفيَّةِ المُعتَبرةِ، وخُلاصَتُه أنَّ الفُقَراءَ في تِلكَ المُدَّةِ لَهم حُسنُ العيشِ في العُقبى مُجازاةً لِما فاتَهم مِنَ التَّنَعُّمِ في الدُّنيا، كَما قال تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة: 24] أي: الماضيةِ أوِ الخاليةِ عَنِ المَأكَلِ والمَشرَبِ صيامًا أو وقتَ المَجاعةِ) [4343] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3276). .
وعَن أُسامةَ بن زيدٍ رَضيَ اللهُ عَنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((قُمتُ على بابِ الجَنةِ، فكانَ عامَّةُ مَن دَخلَها المَساكينَ، وأصحابُ الجَدِّ مَحبُوسُونَ، غيرَ أنَّ أصحابَ النَّارِ قَد أُمِرَ بهم إلى النَّارِ )) [4344] أخرجه البخاري (5196). .
وقال ابنُ رَجبٍ: (مِن فضائِلِ المَساكينِ أنَّهم أكثَرُ أهلِ الجَنةِ، كَما قال النَّبيُّ: ((قُمتُ على باب الجَنةِ، فإذا عامَّةُ مَن دَخلَها المَساكينُ )) [4345] أخرجه مطولًا البخاري (5196)، ومسلم (2736) واللَّفظُ له من حديث أسامة بن زيد رَضِيَ اللهُ عنهما. ، وقال: ((تَحاجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ، فقالتِ الجَنَّةُ: لا يَدخُلُني إلَّا الضُّعفاءُ والمَساكينُ )) [4346] أخرجه مطولًا البخاري (7449) بنحوه، ومسلم (2846) باختلافٍ يسيرٍ من حديث أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وسُئِلَ النَّبيُّ عَن أهلِ الجَنةِ، فقال: ((كُلُّ ضَعيفٍ مُتَضَعِّفٍ)) [4347] أخرجه البخاري (4918)، ومسلم (2853) مطولًا من حديث حارثة بن وهب رَضِيَ اللهُ عنه. . وهم أوَّلُ النَّاسِ دُخُولًا، كَما صَحَّ عَنه: ((أنَّ الفُقَراءَ يَسبِقُونَ الأغنياءَ إلى الجَنَّةِ بأربَعينَ عامًا)) [4348] أخرجه مسلم (2979) من حديث عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللهُ عنهما بلفظ: ((إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياءَ يومَ القيامةِ إلى الجنَّةِ بأربعينَ خريفًا)). [4349] يُنظر: ((اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى)) (ص: 98).
وقال ابنُ باز: (الفَقرُ فيه فضلٌ عَظيمٌ، وعاقِبةٌ حَميدةٌ؛ لِأنَّ الدُّنيا قَد تَجرُّه إلى المَفاسِدِ والطُّغيانِ، كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق: 6، 7] فلْيَتَحَمَّلْ ولْيَصبرْ، وأهلُ الجَدِّ هم أهلُ الغِنى؛ لِما يَتَعَلَّقُ بغِناهم مِنَ المُحاسَبةِ) [4350] يُنظر: ((الحلل الإبريزية)) (4/ 270). .
وقال ابنُ عُثيمين: ( ((قُمْتُ على بابِ الجَنَّةِ، فإذا عامَّةُ مَن دَخلَها المَساكينُ ))، يَعني أكثَرَهم؛ أكثَرُ ما يَدخُلُ الجَنَّةَ الفُقَراءُ؛ لِأنَّ الفُقَراءَ في الغالِب أقرَبُ إلى العِبادةِ والخَشيةِ للهِ مِنَ الأغنياءِ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق: 6، 7]، والغَنيُّ يَرى أنَّه مُستَغْنٍ بمالِه، فهو أقَلُّ تَعَبُّدًا مِنَ الفَقيرِ، وإن كانَ مِنَ الأغنياءِ مَن يَعبُدُ اللهَ أكثَرَ مِنَ الفُقَراءِ، لَكِن الغالِب.
((وأصحابُ الجَدِّ مَحبُوسُون)) يَعني: أصحابُ الحَظِّ والغِنى مَحبُوسُونَ لَم يَدخُلُوا الجَنَّةَ بَعدُ؛ الفُقَراءُ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ قَبلَ الأغنياءِ.
(غيرَ أنَّ أصحابَ النَّارِ قَد أُمِرَ بهم إلى النَّارِ )). فقَسَّمَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ إلى أقسامٍ ثَلاثةٍ:
أهلُ النَّارِ دَخلُوا النَّارَ أعاذَنا اللهُ وإيَّاكم مِنها، والفُقَراءُ دَخلُوا الجَنَّةَ، والأغنياءُ مِنَ المُؤمِنينَ مَوقُوفُونَ مَحبُوسُون، إلى أن يَشاءَ اللهُ) [4351] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (3/ 66). .

انظر أيضا: