الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الرَّابِعُ: هَلِ الميزانُ واحِدٌ أو هيَ مَوازينُ مُتَعَدِّدةٌ؟

قال ابنُ حَجَرٍ: (المَوازينُ جَمعُ ميزانٍ... واختُلِفَ في ذِكرِه هنا بلَفظِ الجَمعِ: هَلِ المُرادُ أنَّ لكُلِّ شَخصٍ ميزانًا، أو لكُلِّ عَمَلِ ميزانٌ، فيَكونُ الجَمعُ حَقيقةً، أو ليس هناك إلَّا ميزانٌ واحِدٌ والجَمعُ باعتِبارِ تَعَدُّدِ الأعمالِ أوِ الأشخاصِ؟ ويَدُلُّ على تَعَدُّدِ الأعمالِ قَولُه تعالى: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ويُحتَمَلُ أن يَكونَ الجَمعُ للتَّفخيمِ، كما في قَولِه تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ مَعَ أنَّه لَم يُرسَلْ إليهم إلَّا واحِدٌ. والذي يَتَرَجَّحُ أنَّه ميزانٌ واحِدٌ ولا يُشْكِلُ بكَثرةِ مَن يُوزَنُ عَمَلُه؛ لأنَّ أحوالَ القيامةِ لا تُكيَّفُ بأحوالِ الدُّنيا) [3877] يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 537). .
وقال السَّفارينيُّ: (الأصَحُّ الأشهَرُ أنَّه ميزانٌ واحِدٌ لجَميعِ الأمَمِ ولِجَميعِ الأعمالِ، كِفَّتاه كأطباقِ السَّمَواتِ والأرضِ كما مَرَّ. وقيلَ: لكُلِّ أمَّةٍ ميزانٌ. وقال الحَسَنُ البَصَريُّ: «لكُلِّ واحِدٍ من المُكَلَّفينَ ميزانٌ». واستَظهَرَ بَعضُهم إثباتَ مَوازينَ يَومَ القيامةِ، لا ميزانٍ واحِدٍ؛ لظاهرِ قَولِه عزَّ وجَلَّ: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ [الأنبياء: 47] ، وقَولُه: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ [الأعراف: 8] . وقال: «لا يَبعُدُ على هذا أن يَكونَ لأعمالِ القُلوبِ ميزانٌ، ولِأفعالِ الجَوارِحِ ميزانٌ، ولِما يَتَعَلَّقُ بالقَولِ ميزانٌ» [3878] قال الرازي: (الأظهَرُ إثباتُ موازينَ في يوم القيامة لا ميزانٍ واحدٍ، والدليلُ عليه قوله: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [الأنبياء: 47] وقال في هذه الآية: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، وعلى هذا فلا يبعد أن يكون لأفعالِ القلوب ميزانٌ، ولأفعال الجوارحِ ميزانٌ، ولما يتعلق بالقول ميزانٌ آخرُ). يُنظر: ((تفسير الرازي)) (14/ 203). . ورَدَّ هذا ابنُ عَطِيَّةَ وقال: النَّاسُ على خِلافِه، وإنَّما لكُلِّ واحِدٍ وزنٌ مُختَصٌّ به، والميزانُ واحِدٌ [3879] قال ابن عطية: (قال الحسن فيما روي عنه: بلغني أن لكلِّ أحدٍ يوم القيامة ميزانًا على حدة. وهذا قولٌ مردودٌ، النَّاسُ على خلافه، وإنما لكل أحدٍ وزنٌ يختص به، والميزان واحد... وجمع لفظ «الموازين» إذ في الميزان موزونات كثيرة، فكأنه أراد التنبيهَ عليها بجمعه لفظ الميزان). يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (2/ 376). . وقال بَعضُهم: إنَّما جَمعَ المَوازينَ في الآيةِ الكَريمةِ لكَثرةِ من تُوزَنُ أعمالُهم، وهو حَسَنٌ، وباللهِ التَّوفيقُ) [3880] يُنظر: ((لوائح الأنوار السنية)) (2/ 194-196). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (اختَلَفَ العُلَماءُ هَل هو ميزانٌ واحِدٌ أو مُتَعَدِّدٌ؟
فقال بَعضُهم: مُتَعَدِّدٌ بحَسَبِ الأممِ أوِ الأفرادِ أوِ الأعمالِ؛ لأنَّه لَم يَرِد في القُرآنِ إلَّا مَجموعًا، وأمَّا إفرادُه في الحَديثِ فبِاعتِبارِ الجِنسِ. وقال بَعضُهم: هو ميزانٌ واحِدٌ؛ لأنَّه ورَدَ الحَديثُ مُفرَدًا، وأمَّا جَمعُه في القُرآنِ فبِاعتِبارِ المَوزونِ، وكِلا الأمرينِ مُحتَمَلٌ، واللهُ أعلَمُ) [3881] يُنظر: ((شرح لمعة الاعتقاد)) (ص: 121). .

انظر أيضا: