الموسوعة العقدية

المَطلَبُ الخامِسُ: مِمَّا يُسألُ عنه العِبادُ: السَّمعُ والبَصَرُ والفُؤادُ

قال اللهُ تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا [الإسراء: 36] .
قال قتادةُ: (لا تَقُلْ: رَأيتُ ولَم تَرَ، وسَمِعتُ ولَم تَسمَعْ، وعَلِمتُ ولَم تَعلَمْ؛ فإنَّ الله تَبارك وتعالى سائِلُك عن ذلك كُلِّه) [3734] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/ 594). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (قَولُه: كُلُّ أُولَئِك أي: هذه الصِّفاتِ من السَّمعِ والبَصَرِ والفُؤادِ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا أي: سَيُسألُ العَبدُ عنها يَومَ القيامةِ، وتُسألُ عنه وعَمَّا عَمِلَ فيها) [3735] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/ 75). .
وقال السَّعديُّ: (أي: ولا تَتبَعْ ما ليس لَك به عِلمٌ، بَل تَثبَّتْ في كُلِّ ما تَقولُه وتَفعَلُه، فلا تَظُنَّ ذلك يَذهَبُ لا لَك ولا عليك، إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا فحَقيقٌ بالعَبدِ الذي يَعرِفُ أنَّه مَسئولٌ عَمَّا قاله وفَعلَه وعَمَّا استَعمَلَ به جَوارِحَه التي خَلَقَها اللهُ لعِبادَتِه أن يُعِدَّ للسُّؤالِ جَوابًا، وذلك لا يَكونُ إلَّا باستِعمالِها بعُبوديَّةِ اللهِ وإخلاصِ الدِّينِ له وكَفِّها عَمَّا يَكرَهُه اللهُ تعالى) [3736] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 457). .
ومن ذلك ما جاءَ عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن تَحَلَّمَ بحُلمٍ لَم يَرَه كُلِّفَ أن يَعقِدَ بينَ شَعيرَتينِ، ولَن يَفعَلَ )) [3737] أخرجه البخاري (7042). .
قال ابنُ جَريرٍ: (إن قال قائِلٌ: ما وجهُ خُصوصِ النَّبيِّ عليه السَّلامُ، الكاذِبَ في رُؤياه بما خَصَّه به من تَكليفِ العَقدِ بينَ طَرَفي شَعرَتينِ يَومَ القيامةِ، وهَلِ الكاذِبُ في رُؤياه إلَّا كالكاذِبِ في اليَقَظةِ، وقد يَكونُ الكَذِبُ في اليَقَظةِ أعظَمَ في الجُرمِ إذا كان شَهادةً تُوجِبُ على المَشهودِ عليه بها حَدًّا أو قَتَلًا أو مالًا يُؤخَذُ منه، وليس ذلك في كَذِبِه في مَنامِه؛ لأنَّ ضَرَرَ ذلك عليه في مَنامِه وحْدَه دونَ غَيرِه. قيلَ له: اختَلَفَت حالَتُهما في كذِبِهما، فكان الكاذِبُ على عينَيه في مَنامِه أحَقَّ بأعظَمِ النَّكالينِ، وذلك لتَظاهُرِ الأخبارِ عن النَّبيِّ عليه السَّلامُ أنَّ الرُّؤيا الصَّادِقةَ جُزءٌ من سِتَّةٍ وأربَعينَ جُزءًا من النُّبوَّةِ [3738] لم نقف عليه مسنداً بتمامِ هذا اللفظِ. وروي بلفظ ((الرُّؤيا الصالحةُ جزءٌ مِن ستة وأربعين جزءًا من النبوة)). أخرجه البخاري (6989) من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. ومسلم (2263) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، والنُّبوَّةُ لا تَكونُ إلَّا وحْيًا من الله، فكان مَعلومًا بذلك أنَّ الكاذِبَ في نَومِه كاذِبٌ على اللهِ أنَّه أراه مالم يَرَ، والكاذِبُ على اللهِ أعظَمُ فِريَةً وأَولى بعَظيمِ العُقوبةِ من الكاذِبِ على نَفسِه، بما أتلَفَ به حَقًّا لغَيرِه أو أوجَبَه عليه، وبِذلك نَطَقَ مُحكَمُ التَّنزيلِ، فقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود: 18] ، فأبانَ ذلك صِحَّةَ ما قُلْناه أنَّ الكَذِبَ في الرُّؤيا ليس كالكَذِبِ في اليَقظةِ؛ لأنَّ أحَدَهما كذَبَ على اللهِ، والآخَرَ كذَبَ على المَخلوقينَ) [3739] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 554). .

انظر أيضا: