الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الثَّاني: الأدِلَّةُ على إعطاءِ صُحُفِ الأعمالِ يَومَ القيامةِ لأصحابِها

1- قال اللهُ تعالى: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ [التكوير: 10] .
قال ابنُ جَريرٍ: (قَولُه: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ [التكوير: 10] يَقولُ تعالى ذِكرُه: وإذا صُحُفُ أعمالِ العِبادِ نُشِرَت لهم، بَعدَ أن كانت مَطويَّةً على ما فيها مَكتوبٌ من الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ) [3589] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/ 148). .
وقال السَّمعانيُّ: (قَولُه تعالى: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ يَعني: على الخَلائِقِ؛ فمنهم مَن يُعطى بيَمينِه، ومنهم مَن يُعطى بشِمالِه) [3590] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (6/ 168). .
وقال البَيضاويُّ: (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ يَعني صُحُفَ الأعمالِ؛ فإنَّها تُطوى عِندَ المَوتِ وتُنشَرُ وقتَ الحِسابِ. وقيلَ: نُشِرَتْ فُرِّقَت بينَ أصحابِها. وقَرَأ ابنُ كثيرٍ وأبو عَمْرٍو وحَمزةُ والكِسائيُّ بالتَّشديدِ نُشِّرَتْ للمُبالَغةِ في النَّشْرِ، أو لكَثرةِ الصُّحُفِ، أو شِدَّةِ التَّطايُرِ) [3591] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/ 289). .
2- قال اللهُ عَزَّ وجلَّ: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا إنه كان في أهله مسرورا [الانشقاق: 7 - 12] .
قال ابنُ كثيرٍ: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا أي: سَهلًا بلا تَعسيرٍ، أي: لا يحققُ عليه جَميعَ دَقائِقِ أعمالِه؛ فإنَّ من حُوسِبَ كذلك يَهلِكُ لا مَحالةَ... قَولُه تعالى: وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا أي: ويَرجِعُ إلى أهلِه في الجَنَّةِ. قاله قتادةُ والضَّحَّاكُ مَسْرُورًا أي: فرحانَ مُغتَبِطًا بما أعطاه اللهُ عزَّ وجَلَّ... وقَولُه: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ أي: بشِمالِه من وراءِ ظَهرِه، تُثنَى يَدُه إلى وَرائِه ويُعطى كِتابَه بها كذلك، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا أي: خَسارًا وهَلاكًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا أي: فَرِحًا لا يُفَكِّرُ في العَواقِبِ، ولا يَخافُ مِمَّا أمامَه، فأعقَبَه ذلك الفَرحُ اليَسيرُ الحُزنَ الطَّويلَ) [3592] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/ 356-358). .
وقال السَّعديُّ: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ وهم أهلُ السَّعادةِ. فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وهو العَرضُ اليَسيرُ على اللهِ، فيُقَرِّرُه اللهُ بذُنوبِه، حَتَّى إذا ظَنَّ العَبدُ أنَّه قد هَلَك، قال اللهُ تعالى له: (إنِّي قد سَتَرتُها عليك في الدُّنيا، فأنا أستُرُها لَك اليَومَ). ويَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ في الجَنةِ مَسْرُورًا لأنَّه نَجا من العَذابِ وفاز بالثَّوابِ، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ أي: بشِمالِه من خَلفِه. فسَوفَ يَدْعُو ثُبُورًا من الخِزيِ والفَضيحةِ، وما يَجِدُ في كِتابِه من الأعمالِ التي قَدَّمَها ولَم يَتُبْ منها، وَيَصْلَى سَعِيرًا أي: تُحيطُ به السَّعيرُ من كُلِّ جانِبٍ، ويُقلبُ على عَذابِها؛ وذلك لأنَّه في الدُّنيا كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا لا يَخطُرُ البَعثُ على بالِه، وقد أساءَ ولَم يَظُنَّ أنَّه راجِعٌ إلى رَبِّه ومَوقوفٌ بينَ يَدَيه) [3593] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 917). .
3- قال اللهُ تعالى: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء: 13-14] .
قال البَغَويُّ: (اقرَأ كِتابَك أي: يُقالُ له اقرَأْ كِتابَك، قَولُه تعالى: كَفَى بنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا مُحاسِبًا. قال الحَسَنُ: لَقد عَدَلَ عليك من جَعلَك حَسيبَ نَفْسِك. قال قتادةُ: سَيَقرَأُ يَومَئِذٍ من لَم يَكُن قارِئًا في الدُّنيا) [3594] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/ 124). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (قَولُه تعالى: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا أي: نَجمَعُ له عَمَلَه كُلَّه في كِتابٍ يُعطاه يَومَ القيامةِ؛ إمَّا بيَمينِه إن كان سَعيدًا، أو بشِمالِه إن كان شَقيًّا مَنْشُورًا أي: مَفتوحًا يَقرَؤُه هو وغَيرُه، فيه جَميعُ عَمَلِه من أوَّلِ عُمرِه إلى آخِرِه يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة: 13 - 15] ؛ ولِهذا قال تعالى: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا أي: إنَّك تَعلَمُ أنَّك لَم تُظلَمْ ولَم يُكتَبْ عليك غَيرَ ما عَمِلْتَ؛ لأنَّك ذَكَرتَ جَميعَ ما كان مِنك، ولا يَنسى أحَدٌ شَيئًا مِمَّا كان منه، وكُلُّ أحَدٍ يَقرَأ كِتابَه من كاتِبٍ وأمِّيٍّ) [3595] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/ 51). .
4- قال اللهُ سُبحانَه: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَه [الحاقة: 19 - 29] .
قال ابنُ كثيرٍ: (يُخبِرُ تعالى عن سَعادةِ من أوتي كِتابَه يَومَ القيامةِ بيَمينِه، وفَرحِه بذلك، وأنَّه من شِدَّةِ فرحِه يَقولُ لكُلِّ من لَقِيَه: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابَيْهِ أي: خُذُوا اقرَؤوا كِتابَيه؛ لأنَّه يَعلَمُ أنَّ الذي فيه خَيرٌ وحَسَناتٌ مَحضةٌ؛ لأنَّه مِمَّن بَدَّلَ اللهُ سَيِّئاتِه حَسَناتٍ... وقَولُه: إنِّي ظَنَنتُ أنِّي مَلاقٍ حِسَابِيَهْ أي: قد كُنتَ مُوقِنًا في الدُّنيا أنَّ هذا اليَومَ كائِنٌ لا مَحالةَ، كما قال: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ [البقرة: 46] ... وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ.... وهذا إخبارٌ عن حالِ الأشقياءِ إذا أعطيَ أحَدُهم كِتابَه في العَرَصاتِ بشِمالِه، فحينَئِذٍ يَندَمُ غايةَ النَّدَمِ، فيَقولُ: فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ... قال الضَّحاك: يَعني مَوتةً لا حَياةَ بَعدَها. وكَذا قال مُحَمَّدُ بن كعبٍ، والرَّبيعُ، والسُّدِّيُّ. وقال قتادةُ: تَمنَّى المَوتَ، ولَم يَكُن شَيءٌ في الدُّنيا أكرَهَ إليه منه!) [3596] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/ 213-215). .
وقال السَّعديُّ: (هؤلاء هم أهلُ السَّعادةِ يُعْطَونَ كُتُبهم التي فيها أعمالُهمُ الصَّالِحةُ بأيمانِهم تَمييزًا لهم وتَنويهًا بشَأنِهم ورَفعًا لمِقدارِهم، ويَقولُ أحَدُهم عِندَ ذلك من الفَرحِ والسُّرورِ ومحَبَّةِ أن يَطَّلِعَ الخَلقُ على ما مَنَّ الله عليه به من الكَرامةِ: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ أي: دونَكم كِتابي فاقرَؤوه؛ فإنَّه يُبَشِّرُ بالجَنَّاتِ، وأنواعِ الكَراماتِ، ومَغفِرةِ الذُّنوبِ، وسَتْرِ العُيوبِ...
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ....
هؤلاء أهلُ الشَّقاءِ يُعْطَونَ كُتُبَ أعمالِهمُ السَّيِّئةِ بشِمالِهم تَمييزًا لهم وخِزيًا وعارًا وفَضيحةً، فيَقولُ أحَدُهم من الهَمِّ والغَمِّ والخِزيِ: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ لأنَّه يُبَشِّرُ بدُخولِ النَّارِ والخَسارةِ الأبديَّةِ. وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ أي: ليَتَني كُنتُ نَسيًّا مَنْسيًّا ولَم أُبعَث وأحاسَبْ؛ ولِهذا قال: يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ أي: يا لَيتَ موتَتي هيَ المَوتةُ التي لا بَعْثَ بَعدَها) [3597] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 883). .
5- قال اللهُ تعالى: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [الإسراء: 71] .
قال السَّمعانيُّ: (قَولُه تعالى: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فيه أقوالٌ: أحَدُها: بنَبِيِّهم، والآخَرُ: بكِتابِهم، والثَّالِثُ: بأعمالِهم... وقَولُه تعالى: فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ والكِتابُ: هو صَحيفةُ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ.
وقَولُه: وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا أي: لا يُنقَصُ من حَقِّهم بقَدرِ الفَتيلِ. والفَتيلُ: هو الذي في شَقِّ النَّواةِ، وقيلَ: ما فُتِلَ بينَ الأصابِعِ) [3598] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (3/ 263). .
وقال البَيضاويُّ: (فمَنْ أُوتِيَ من المَدعُوينَ كِتابَه بيَمينِه أي كِتابَ عَمَلِه. فأولئِك يَقرَؤُونَ كِتابَهمُ ابتِهاجًا وتَبجُّحًا بما يَرَونَ فيه. وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ولا يُنقَصونَ من أجورِهم أدنى شَيءٍ، وجُمعَ اسمُ الإشارةِ والضَّميرُ؛ لأنَّ مَنْ أُوتِيَ في مَعنى الجَمعِ، وتَعليقُ القِراءةِ بإيتاءِ الكِتابِ باليَمينِ يَدُلُّ على أنَّ من أوتى كِتابَه بشِمالِه إذا اطَّلَعَ على ما فيه غَشِيَهم من الخَجَلِ والحَيرةِ ما يَحبِسُ ألسِنَتَهم عن القِراءةِ؛ ولِذلك لَم يَذكُرْهم) [3599] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/ 262). .
6- عن صَفوانَ بنِ محرزٍ قال: قال رَجُلٌ لابنِ عُمرَ: كيفَ سَمِعتَ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ في النَّجوى؟ قال: سَمِعتُه يَقولُ: ((يُدنى المُؤمِنُ يَومَ القيامةِ من رَبِّه عزَّ وجَلَّ، حَتَّى يَضَعَ عليه كنَفَه فيُقَرِّرَه بذُنوبِه، فيَقولُ: هَل تَعرِفُ؟ فيَقولُ: أيْ رَبِّ أعرِفُ. قال: فإنِّي قد سَتَرتُها عليك في الدُّنيا، وإنِّي أغفِرُها لَك اليَومَ. فيُعطى صَحيفةَ حَسَناتِه. وأمَّا الكُفَّارُ والمُنافِقونَ فينادى بهم على رُؤوسِ الخَلائِقِ: هؤلاء الذينَ كَذَبوا على اللهِ )) [3600] أخرجه البخاري (2441)، ومسلم (2768) واللَّفظُ له .
ومن أقوالِ أهلِ العِلمِ في ذلك:
1- قال ابنُ حزمٍ: (الصُّحُفُ تُكتَبُ فيها أعمالُ العِبَادِ، المَلائِكةُ حَقٌّ نُؤمِنُ بها ولا نَدري كيفَ هيَ ... وأنَّ النَّاسَ يُعْطونَ كُتُبَهم يَومَ القيامةِ، فالمُؤمِنونَ الفائِزونَ الذينَ لا يُعذَّبونَ يُعْطَونَها بأيمانِهم، والكُفَّارُ بأشملِهم، والمُؤمِنونَ أهلُ الكَبائِرِ وراءَ ظُهورِهم) [3601] يُنظر: ((المحلى)) (1/17). .
2- قال أبو الحَسَن الأشعَريُّ: (الخَلقُ يُؤتَونُ يَومَ القيامةِ بصَحائِفَ فيها أعمالُهم، فمَنْ أوتي كِتابَه بيَمينِه حُوسِبَ حِسابًا يَسيرًا، ومن أُوتي كِتابَه بشِمالِه فأولَئِك يَصْلَونَ سَعيرًا) [3602] يُنظر: ((رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب)) (ص: 162). .
3- قال أبو عُثمانَ الصَّابونيُّ: (يُؤمِنُ أهلُ الدِّينِ والسُّنَّةِ بالبَعثِ بَعدَ المَوتِ يَومَ القيامةِ، وبِكُلِّ ما أخبَرَ اللهُ سُبحانَه من أهوالِ ذلك اليَومِ الحَقِّ، واختِلافِ أحوالِ العِبادِ فيه والخَلقِ، فيما يَرَونَه ويَلقَونَه هنالِك في ذلك اليَومِ الهائِلِ من أخذِ الكُتُبِ بالأيمانِ والشَّمائِلِ، والإجابةِ عن المَسائِلِ، إلى سائِرِ الزَّلازِلِ والبَلابِلِ المَوعودةِ في ذلك اليَومِ العَظيمِ والمَقامِ الهائِلِ) [3603] يُنظر: ((عقيدة السلف وأصحاب الحديث)) (ص: 257). .
4- قال القُرطُبيُّ: (فإذا وُقِفَ النَّاسُ على أعمالِهم من الصُّحُفِ التي يُؤتَونَها بَعدَ البَعثِ حُوسِبوا بها، قال اللهُ تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق: 7، 8]، فدَلَّ على أنَّ المُحاسَبةَ تَكونُ عِندَ إتيانِ الكُتُبِ؛ لأنَّ النَّاسَ إذا بُعثوا لا يَكونُون ذاكِرينَ لأعمالِهم. قال اللهُ تعالى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة: 6]... فإذا بُعِثوا من قُبورِهم إلى المَواقِفِ وقاموا فيها ما شاءَ اللهُ تعالى -على ما تَقَدَّم- حُفَاةً عُراةً، وجاءَ وقتُ الحِسابِ الذي يُريدُ اللهُ أن يُحاسِبَهم فيه، أمرَ بالكُتُبِ التي كتَبَها الكِرامُ الكاتِبونَ بذِكرِ أعمالِ النَّاسِ، فأُوتُوها؛ فمنهم مَن يُؤتى كِتابَه بيَمينِه، فأولئك همُ السُّعداءُ، ومنهم مَن يُؤتى كِتابَه بشِمالِه أو من وراءِ ظَهرِه، وهمُ الأشقياءُ، فعِندَ ذلك يَقرَأ كُلٌّ كِتابَه... فتوهَّمْ نَفسَك يا أخي إذا تَطايَرَتِ الكُتُبُ، ونُصبَتِ المَوازينُ، وقد نوديتَ ونُوِّه باسمِك على رُءوسِ الخَلائِقِ؛ أينَ فُلانُ بنُ فُلانٍ؟ هَلُمَّ إلى العَرضِ على اللهِ تعالى... فتوهَّمْ نَفسَك وأنتَ بينَ يَدَيْ رَبِّك، في يَدِك صَحيفةٌ مُخبِرةٌ بعَمَلِك، لا تُغادِرُ بَليةً كتمْتَها، ولا مُخَبَّأةً أسرَرْتَها، وأنتَ تَقرَأ ما فيها بلسانٍ كَليلٍ، وقَلبٍ مُنكَسِرٍ، والأهوالُ مُحدِقةٌ بك من بينِ يَديك ومن خَلفِك، فكَم من بَليةٍ قد كُنتَ نَسيتَها ذَكَّركَها! وكَم من سَيِّئةٍ قد كُنتَ أخفَيتَها قد أظهَرَها وأبداها! وكَم من عَمَلٍ ظَنَنتَ أنَّه سَلِمَ لَك وخَلصَ فرَدَّه عليك في ذلك المَوقِفِ، وأحبَطَه بَعدَ أن كان أملُك فيه عَظيمًا! فيا حَسْرةَ قَلبِك! ويا أسفَك على ما فرَطْتَ فيه من طاعةِ رَبِّك!) [3604] يُنظر: ((التذكرة)) (1/ 294). .
5- قال ابنُ تَيميَّةَ: (تُنشَرُ الدَّواوينُ، وهيَ صَحائِفُ الأعمالِ. فآخِذٌ كِتابَه بيَمينِه. وآخِذٌ كِتابَه بشِمالِه أو من وراءِ ظَهرِه.
كما قال سُبحانَه وتعالى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء: 13، 14]) [3605] يُنظر: ((العقيدة الواسطية)) (ص: 98). .
6- قال السَّفارينيُّ: (الصُّحُفُ جَمع صَحيفةٍ، وهيَ الكُتُبُ كتَبتْها المَلائِكةُ، وأحصَوا ما فعَلَه كُلُّ إنسانٍ من سائِرِ أعمالِه في الدُّنيا، القَوليَّةِ والفِعليَّةِ... والحاصِلُ أنَّ نَشْرَ الصُّحُفِ وأخْذَها باليَمينِ والشِّمالِ مِمَّا يَجِبُ الإيمانُ به، وعَقدُ القَلبِ بأنَّه حَقٌّ لثُبوتِه بالكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ) [3606] يُنظر: ((لوامع الأنوار البهية)) (2/ 180). .
7- قال ابنُ بازٍ: (يَجِبُ الإيمانُ بما أخبَرَ اللهُ به ورَسولُه من أمرِ القيامةِ، والجَنَّةِ والنَّارِ، والحِسابِ والجَزاءِ، ونَشْرِ الصُّحُفِ، وأخْذِها باليَمينِ أوِ الشِّمالِ، ووَزنِ الأعمالِ، إلى غَيرِ ذلك مِمَّا جاءَت به الآياتُ القُرآنيَّةُ والأحاديثُ النَّبَويَّةُ) [3607] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (9/ 398). .
8- قال ابنُ عُثَيمين: (الصُّحُفُ يَعني الصُّحُفَ التي كُتِبَت فيها أعمالُ العَبدِ، وهيَ التي كتَبَتْها المَلائِكةُ في الدُّنيا، قال اللهُ تعالى: كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ [الانفطار: 9-11].
وقال تعالى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء: 13، 14].
فهذه الصُّحُفُ قد كُتِبَتْ من قَبلُ وسُجِّلَت، فتُنشَرُ يَومَ القيامةِ، ويُقالُ للرَّجُلِ: اقرَأ كِتابَك كَفى بنَفسِك اليَومَ عليك حَسيبًا، وقد قال بَعضُ السَّلَفِ: واللهِ لَقد أنصَفَك من جَعلَك حَسيبًا على نَفسِك. وهذه الصُّحُفُ تُنشَرُ وتَتَطايَرُ، فيَنقَسِمُ النَّاسُ فيها إلى قِسمينِ: قِسمٌ يَأخُذُها باليَمينِ، وقِسمٌ يَأخُذُها بالشِّمالِ، وفي آيةٍ ثالِثةٍ من وراءِ الظَّهرِ، ويُحتَمَلُ أن تَكونَ هذه صِفةً ثالِثةً، ويُحتَمَلُ أن تَكونَ صِفَةً في صِفَةِ الشِّمالِ، وهو الصِّنفُ الثَّاني، وهذا هو الأقرَبُ، والأوَّلُ مُحتَمِلٌ) [3608] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) (ص: 469). .

انظر أيضا: