الموسوعة العقدية

المَطلَبُ الرَّابِعُ: تَكويرُ الشَّمسِ وخُسوفُ القَمَرِ وجَمعُهما وتَناثُرُ الكَواكِبِ وانكِدارُ النُّجومِ

تُكَوَّرُ الشَّمسُ يَومَ القيامةِ.
قال اللهُ تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير: 1] .
قال ابنُ جَريرٍ: (اختَلَفَ أهلُ التَّأويلِ في تَأويلِ قَولِه: إذا الشَّمسُ كُوِّرَتْ [التَّكوير: 1] فقال بَعضُهم: مَعنى ذلك: إذا الشَّمسُ ذَهَبَ ضَوءُها... وقال آخَرونَ: مَعنى ذلك: رُمِيَ بها... والصَّوابُ من القَولِ في ذلك عِندَنا: أن يُقالَ: كُوِّرَتْ [التَّكوير: 1] كما قال اللهُ جَلَّ ثَناؤُه، والتَّكويرُ في كَلامِ العَرَبِ: جَمعُ بَعضِ الشَّيءِ إلى بَعضٍ، وذلك كتَكويرِ العِمامةِ، وهو لَفُّها على الرَّأسِ، وكَتَكويرِ الكارِة، وهيَ جَمعُ الثِّيابِ بَعضِها إلى بَعضٍ، ولَفُّها، وكَذلك قَولُه: إذا الشَّمسُ كُوِّرَتْ [التَّكويرُ: 1] إنَّما مَعناه: جَمعُ بَعضِها إلى بَعضٍ، ثُمَّ لُفَّتْ فرُمِيَ بها، وإذا فُعِلَ ذلك بها ذَهَبَ ضَوءُها. فعلى التَّأويلِ الذي تَأوَّلناه لكِلا القَولينِ اللذينِ ذَكَرتُ عن أهلِ التَّأويلِ وجهٌ صَحيحٌ، وذلك أنَّها إذا كُوِّرَت ورُمِيَ بها، ذَهَبَ ضَوءُها) [3289] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/ 128-131). .
والقَمَرُ يُخْسَفُ.
قال اللهُ سُبحانَه: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ [القيامة: 7-8] .
قال البَغَويُّ: (وخَسَفَ القَمَرُ، أظلَمَ وذَهَبَ نَورُه وضَوءُه) [3290] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (5/ 183). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (خُسوفُ القَمَرِ أريدَ به انطِماسُ نُورِه انطِماسًا مُستَمِرًّا بسَبَبِ تَزَلزُلِه من مَدارِه حَولَ الأرضِ الدَّائِرةِ حَولَ الشَّمسِ، بحَيثُ لا يَنعَكِسُ عليه نُورُها ولا يَلوحُ للنَّاسِ نيِّرًا، وهو ما دَلَّ عليه قَولُه: وجُمِعَ الشَّمسُ والقَمَرُ، فهذا خُسوفٌ ليس هو خُسوفَه المُعتادَ عِندَ ما تَحولُ الأرضُ بينَ القَمَرِ وبينَ مُسامَتَتِه الشَّمسَ) [3291] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/ 345). .
ويُجمَعُ القَمَرُ مع الشَّمسِ.
قال اللهُ عَزَّ وجلَّ: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [القيامة: 9] .
قال ابنُ القَيِّمِ: (جُمعَ الشَّمسُ والقَمَرُ ولَم يَجتَمِعا قَبلَ ذلك) [3292] يُنظر: ((التبيان في أيْمان القرآن)) (1/ 236). .
وقال السَّعديُّ: (هما لَم يَجتَمِعا مُنذُ خَلقَهما الله تعالى، فيَجمَعُ الله بينَهما يَومَ القيامةِ) [3293] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 899). .
وقال ابنُ عاشور: (مَعنى جَمعِ الشَّمسِ والقَمَرِ: التِصاقُ القَمَرِ بالشَّمسِ فتَلتَهِمُه الشَّمسُ؛ لأنَّ القَمَرَ مُنفَصِلٌ من الأرضِ التي هيَ من الأجرامِ الدَّائِرةِ حَولَ الشَّمسِ كالكَواكِبِ، ويَكونُ ذلك بسَبَبِ اختِلالِ الجاذِبيَّةِ التي وضَعَ اللهُ عليها النِّظامَ الشَّمسيَّ) [3294] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (29/ 345). .
والكَواكِبُ يَنفَرِطُ عِقْدُها فتَتَناثَرُ.
قال اللهُ تعالى: وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ [الانفطار: 2].
قال ابنُ عَطِيَّةَ: (انتِثارُ الكَواكِبِ سُقوطُها من مَواضِعِها التي هيَ فيها كنِظامٍ) [3295] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/ 446). .
وقال البَيضاويُّ: (وإذا الكَواكِبُ انتَثَرَت تَساقَطَت مُتَفَرِّقةً) [3296] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/ 292). .
وقال ابنُ عاشور: (انتِثارُ الكَواكِبِ مُستَعارٌ لتَفَرُّقِ هَيئاتِ اجتِماعِها المَعروفةِ في مَواقِعِها، أو مُستَعارٌ لخُروجِها من دَوائِرِ أفلاكِها وسُموتِها فتَبدو مُضطَرِبةً في الفَضاءِ بَعدَ أن كانت تَلوحُ كأنَّها قارَّةٌ، فانتِثارُها تَبَدُّدُها وتَفَرُّقُ مُجتَمِعِها، وذلك من آثارِ اختِلالِ قوَّةِ الجاذِبيَّةِ التي أقيمَ عليها نِظامُ العالَمِ الشَّمسيِّ) [3297] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/ 171). .
وتَنكَدِرُ النُّجومُ.
قال اللهُ سُبحانَه: وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ [التكوير: 2] .
قال ابنُ جَريرٍ: (قَولُه: وإذا النُّجومُ انكَدَرَت [التَّكويرُ: 2] يَقولُ: وإذا النُّجومُ تَناثَرَت من السَّماءِ فتَساقَطَت، وأصلُ الِانكِدارِ: الِانصِبابُ... قال ابنُ زيدٍ في قَولِه: وإذا النُّجومُ انكَدَرَت [التَّكويرُ: 2] قال: رُميَ بها من السَّماءِ إلى الأرضِ. وقال آخَرونَ: انكَدَرَت: تَغَيَّرَت) [3298] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/ 132). .
قال البَغَويُّ: (وإذا النُّجومُ انكَدَرَت أي: تَناثَرَت من السَّماءِ وتَساقَطَت على الأرضِ، يُقالُ: انكَدَرَ الطَّائِرُ: إذا سَقَطَ عن عُشِّه، قال الكَلبيُّ وعَطاءٌ: تُمطِرُ السَّماءُ يومَئِذٍ نُجومًا فلا يَبقى نَجمٌ إلَّا وقَعَ!) [3299] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (5/ 215). .
وقال ابنُ عَطِيَّةَ: (انكِدارُ النُّجومِ: هو انقَضاضُها وهبوطُها من مَواضِعِها... وقال ابنُ عَبَّاسٍ: انكَدَرَت: تَغَيَّرَت، من قَولِهم: ماءٌ كَدِرٌ، أي: مُتَغَيِّرُ اللونِ) [3300] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/ 441). .
وقال القُرطُبيُّ: (وإذا النُّجومُ انكَدَرَت أي تَهافَتَت وتَناثَرَت... ورَوى الضَّحاكُ عن ابنِ عَبَّاسٍ قال: تَساقَطَت... ويُحتَمَلُ أن يَكونَ انكِدارُها طَمسَ آثارِها، وسُمِّيَتِ النُّجومُ نُجومًا لظُهورِها في السَّماءِ بضَوئِها. وعن ابنِ عَبَّاسٍ أيضًا: انكَدَرَت: تَغَيَّرَت فلَم يَبقَ لها ضَوءٌ؛ لزَوالِها عن أماكِنِها. والمَعنى مُتَقارِبٌ) [3301] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (19/ 227). .

انظر أيضا: