الموسوعة العقدية

الْمَبحَثُ السَّابِعُ: خُروجُ الدَّابَّةِ

قال الله تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ [النمل: 82] .
قال ابنُ الجَوزيِّ: (قَولُه تعالى: وَإِذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ وقَعَ بمَعنى: وجَبَ، وفي الْمُرادِ بالقَولِ ثَلاثةُ أقوالٍ: أحَدُها: العَذابُ، قاله ابنُ عَبَّاسٍ. والثَّاني: الغَضَبُ، قاله قَتادةُ. والثَّالِثُ: الحُجَّةُ، قاله ابنُ قُتَيبةَ. ومَتى ذلك؟ فيه قَولانِ: أحَدُهما: إذا لَم يَأمُروا بمَعروفٍ، ولَم يَنهَوا عَن مُنكَرٍ، قاله ابنُ عُمَرَ، وأبو سَعيدٍ الخُدريُّ. والثَّاني: إذا لَم يُرْجَ صَلاحُهم، حَكاه أبو سُليمانَ الدِّمَشْقيُّ، وهو مَعنى قَولِ أبي العاليةِ. والإشارةُ بقَولِه: عليهم، إلى الكُفَّارِ الذينَ تَخرُجُ الدَّابَّةُ عليهم... قَولُه تعالى: تُكَلِّمُهُمْ قَرَأ الأكثَرونَ بتَشديدِ اللَّامِ، فهو مِنَ الكَلامِ. وفيما تُكَلِّمُهم به ثَلاثةُ أقوالٍ:
أحَدُها: أنَّها تَقولُ لَهم: إنَّ النَّاسَ كانوا بآياتِنا لا يُوقِنونَ. قاله قَتادةُ.
والثَّاني: تُكَلِّمُهم ببُطلانِ الأديانِ سِوى دينِ الإسلامِ. قاله السُّدِّيُّ.
والثَّالِثُ: تَقولُ: هذا مُؤمِنٌ، وهذا كافِرٌ. حَكاه الْماوَرْديُّ) [2929] يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/ 369-371). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (هَذِه الدَّابَّةُ تَخرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ، عِندَ فسادِ النَّاسِ وتَركِهم أوامِرَ الله، وتَبديلِهم الدِّينَ الحَقَّ، يُخرِجُ اللهُ لَهم دابَّةٌ مِنَ الأرضِ -قيل: من مَكَّةَ. وقيلَ: من غَيرِها) [2930] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/ 210). .
وقال السَّعديُّ: (إذا وقَعَ على النَّاسِ القَولُ الذي حَتَمَه اللهُ وفَرَضَ وَقْتَه أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً خارِجةً مِنَ الْأَرْضِ أو دابَّةٌ من دَوَابِّ الأرضِ لَيسَت مِنَ السَّماءِ. وهَذِه الدَّابَّةُ تُكَلِّمُهُمْ أي: تُكَلِّمُ العِبادَ أنَّ النَّاسَ كانوا بآياتِنا لا يوقَنونَ، أي: لأجلِ أنَّ النَّاسَ ضَعُفَ عِلمُهم ويَقينُهم بآياتِ الله، فإظهارُ الله هَذِه الدَّابةَ من آياتِ الله العَجيبةِ؛ ليبَيِّنَ للنَّاسِ ما كانوا فيه يَمتَرونَ.
وهَذِه الدَّابَّةُ هيَ الدَّابَّةُ الْمَشهورةُ الَّتي تَخرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ وتَكونُ من أشراطِ السَّاعةِ، كما تَكاثَرَت بذلك الأحاديثُ ولَم يَأتِ دَليلٌ يَدُلُّ على كيفيَّتِها ولا من أيِّ نَوعٍ هيَ، وإنَّما دَلَّتِ الآيةُ الكَريمةَ على أنَّ الله يُخرِجُها للنَّاسِ، وأنَّ هذا التَّكليمَ مِنها خارِقٌ للعَوائِدِ الْمَألوفةِ، وأنَّه مِنَ الأدِلَّةِ على صِدْقِ ما أخبَرَ اللهُ به في كِتابِه. واللهُ أعلَمُ) [2931] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 610). .
وقال أيضًا: (لَم يَذكُرِ اللهُ ورَسولُه كيفيَّةَ هَذِه الدَّابَّةِ، وإنَّما ذَكَرَ أثَرَها، والمَقصودَ مِنها، وأنَّها من آياتِ الله تُكلِّمُ النَّاسَ كلامًا خارِقًا للعادةِ حينَ يَقَعُ القَولُ على النَّاسِ، وحينَ يَمتَرونَ بآياتِ اللهِ، فتَكونُ حُجَّةً وبُرهانًا للمُؤمِنينَ وحُجَّةً على الْمَعانِدينَ) [2932] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 610). .
وقال أحمَد شاكِر: (الآيةُ صَريحةٌ بالقَولِ العَرَبيِّ أنَّها دابَّةٌ، ومَعنى الدَّابَّةِ في لُغةِ العَرَبِ مَعروفٌ واضِحٌ، لا يَحتاجُ إلى تَأويلٍ... ووَرَدَت أحاديثُ كثيرةٌ في الصِّحاحِ وغَيرِها بخُروجِ هَذِه الدَّابَّةِ الآيةِ، وأنَّها تَخرُجُ آخِرَ الزَّمانِ. ووَرَدَت آثارٌ أُخَرُ في صِفَتِها، لَم تُنسَبْ إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الْمُبَلِّغِ عَن رَبِّه، والمُبَيِّنِ آياتِ كِتابِه؛ فلا علينا أن نَدَعَها) [2933] يُنظر: تعليقه على ((مسند أحمد)) (8/ 60). .
وعَن أبي أُمامةَ الباهِليِّ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((تَخرُجُ الدَّابَّةُ فتَسِمُ النَّاسَ على خَراطيمِهم، ثُمَّ يُعَمَّرونَ فيكم حَتَّى يَشتَريَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ، فيقالَ: مِمَّنِ اشتريتَ؟ فيَقولُ: مِنَ الرَّجُلِ الْمُخْطَمِ ))  [2934]أخرجه أحمد (22308) واللَّفظُ له، وابن الجعد في ((المسند)) (2919)، وأبو نعيم في ((تاريخ أصبهان)) (2/88). صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2927)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (22308)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/8): رجاله رجال الصَّحيح غيرَ عُمَرَ بن عبد الرحمن بن عطية، وهو ثقة. .
قال ابنُ الأثيرِ: ( ((خَطَمَ))... من خَطَمْتُ البَعيرَ: إذا كَويْتَه خَطًّا مِنَ الأنفِ إلى أحَدِ خَدَّيه، وتُسَمَّى تِلكَ السِّمةُ الخِطامَ) [2935] يُنظر: ((النهاية)) (2/ 50). .
وقال الْمُناويُّ: ( ((تَخرُجُ الدَّابَّةُ)) آخِرَ الزَّمانِ ((فتَسِمُ))... مِنَ السِّمةِ، وهيَ العَلامةُ ((النَّاسَ)) يَعني الكُفَّارَ بأن تُؤَثِّرَ في وَجهِ كُلٍّ مِنهم أثَرًا كالكَيِّ ((على خَراطيمِهم)) جَمعُ خُرطومٍ، وهو الأنفُ ((ثُمَّ يُعَمَّرونَ فيكم)) أي تَمتَدُّ أعمارُهم بَعدَ ذلك ((حَتَّى يَشتَريَ الرَّجُلُ)) يَعني الإنسانُ ((الدَّابَّةَ)) مَثَلًا ((فيقالُ)) لَه ((مِمَّنِ اشتَرَيتَ؟ فيَقولُ: مِنَ الرَّجُلِ الْمُخْطَمِ)) وفي رِوايةٍ: اشتَرَيتُه من أحَدِ الْمُخطَمِينَ) [2936] يُنظر: ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) (1/ 445). .
وقال الصَّنعانيُّ: ( ((تَخرُجُ الدَّابَّةُ فتَسِمُ النَّاسَ)) أيِ الكُفَّارَ مِنهم، أي: تُؤَثِّرُ في وَجهِه أثَرًا كالكَيِّ، والوَسْمُ بالمُهمَلةِ: الأثَرُ في الوَجهِ، وبِالمُعجَمةِ في اليَدينِ) [2937] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (5/ 23). .
وعَن حُذَيفةَ بنِ أُسَيدٍ الغِفاريِّ رَضِيَ الله عَنه قال: اطَّلَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلينا ونَحنُ نَتَذاكَرُ. فقال: ((ما تَذاكَرونَ؟)) قالوا: نَذكُرُ السَّاعةَ. قال: ((إنَّها لَن تَقومَ حَتَّى تَرَوا قَبلَها عَشْرَ آياتٍ)). فذَكَر: ((الدُّخانَ، والدَّجَّالَ، والدَّابَّةَ، وطُلوعَ الشَّمسِ من مَغرِبِها، ونُزولَ عيسى بن مَريَمَ، ويَأجوجَ ومَأجوجَ، وثَلاثةَ خُسوفٍ: خَسْفٌ بالمَشرِقِ، وخَسْفٌ بالمَغرِبِ، وخَسْفٌ بجَزيرةِ العَرَبِ، وآخِرُ ذلك نارٌ تَطْرُدُ النَّاسَ إلى مَحْشَرِهم )) [2938] أخرجه مسلم (2901). .
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (وأمَّا الدَّابَّةُ فهيَ الَّتي قال الله فيها: وَإِذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أخرَجْنَا لَهُمْ دابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ... وقَدِ اختُلِفَ في صورَتِها، وفي أيِّ مَوضِعٍ تَخرُجُ مِنه على أقوالٍ كثيرةٍ، ولَيسَ في شَيءٍ من ذلك خَبَرٌ صَحيحٌ مَرفوعٌ... وأمَّا كيفيَّةُ صِفَتِها وخِلقَتِها، وبِماذا تُكَلِّمُهم، فاللهُ أعلَمُ بذلك) [2939] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 240). .
وعَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ الله عَنهما قال: حَفِظْتُ من رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَديثًا لَم أنسَه بَعدُ، سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ أوَّلَ الآياتِ خُروجًا طُلوعُ الشَّمسِ من مَغرِبِها، وخُروجُ الدَّابَّةِ على النَّاسِ ضُحًى، وأيُّهما ما كانت قَبلَ صاحِبَتِها فالأخرى على إثرِها قَريبًا )) [2940] أخرجه مسلم (2941). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (قال الحاكِمُ أبو عَبدِ اللهِ: الذي يَظهَرُ أنَّ طُلوعَ الشَّمسِ يَسبِقُ خُروجَ الدَّابَّةِ، ثُمَّ تَخرُجُ الدَّابَّةُ في ذلك اليَومِ أوِ الذي يَقْرُبُ مِنه، قُلتُ: والحِكْمةُ في ذلك أنَّ عِندَ طُلوعِ الشَّمسِ مِنَ الْمَغرِبِ يُغلَقُ بابُ التَّوبةِ، فتَخرُجُ الدَّابَّةُ تُمَيِّزُ الْمُؤمِنَ مِنَ الكافِرِ تَكميلًا للمَقصودِ من إغلاقِ بابِ التَّوبةِ) [2941] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/ 353). .
وقال ابنُ أبي العِزِّ مُعَلِّقًا على الحَديثِ: (أي أوَّلُ الآياتِ الَّتي لَيسَت مَألوفةً، وإن كان الدَّجَّالُ ونُزولُ عيسى عليه السَّلامُ مِنَ السَّماءِ قَبلَ ذلك، وكَذلك خُروجُ يَأجوجَ ومَأجوجَ، كُلُّ ذلك أمورٌ مَألوفةٌ؛ لأنَّهم بَشَرٌ، مُشاهَدةُ مِثلِهم مَألوفةٌ، وأمَّا خُروجُ الدَّابَّةِ بشَكلٍ غَريبٍ غَيرِ مَألوفٍ، ثُمَّ مُخاطَبَتُها النَّاسَ، ووَسْمُها إيَّاهم بالإيمانِ أوِ الكُفرِ، فأمرٌ خارِجٌ عَن مَجاري العاداتِ، وذلك أوَّلُ الآياتِ الأرَضِيَّةِ، كما أنَّ طُلوعَ الشَّمسِ من مَغرِبِها، على خِلافِ عادَتِها الْمَألوفةِ، أوَّلُ الآياتِ السَّماويَّةِ) [2942] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (2/ 758). .
 وقال ابنُ عُثَيمين: (الدَّابَّةُ لُغةً: كُلُّ ما دَبَّ على الأرضِ، والمُرادُ بها هنا الدَّابَّةُ الَّتي يُخرِجُها اللهُ قُرْبَ قيامِ السَّاعةِ، وخُروجُها ثابِتٌ بالقُرآنِ والسُّنةِ. قال اللهُ تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ [النمل: 82] . وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّها لَن تَقومَ السَّاعةُ حَتَّى تَرَوا قَبلَها عَشْرَ آياتٍ، وذَكَرَ مِنها الدَّابَّةَ)). أخرجه مُسْلِمٌ [2943] أخرجه مسلم (2901) مُطَولًا باختلافٍ يسيرٍ من حذيفة بن أسيد رضي الله عنه. . ولَيسَ في القُرآنِ والسُّنةِ الصَّحيحةِ ما يَدُلُّ على مَكانِ خُروجِ هَذِه الدَّابَّةِ وصِفَتِها، وإنَّما ورَدَت في ذلك أحاديثُ في صِحَّتِها نَظَرٌ، وظاهِرُ القُرآنِ أنَّها دابَّةٌ تُنذِرُ النَّاسَ بقُربِ العَذابِ والهَلاكِ. واللهُ أعلَمُ) [2944] يُنظر: ((شرح لمعة الاعتقاد)) (ص: 110). .

انظر أيضا: