الموسوعة العقدية

الفَرعُ الثَّالِثُ: هَلِ ابنُ صيَّادٍ هو الدَّجَّالُ الأكبَرُ؟

ذَهَبَ بَعضُ الصَّحابةِ الكِرامِ رَضِيَ الله عَنهم إلى أنَّ ابنَ صيَّادٍ هو الْمَسيحُ الدَّجَّالُ.
مِنهم عُمرُ بنُ الخَطَّابِ وابنُه عَبدُ اللهِ، وجابِرُ بنُ عَبد اللهِ، رَضِيَ الله عَنهم، وكانوا يَحلِفونَ بالله على ذلك.
عَن مُحَمَّدِ بنِ الْمُنكَدِرِ قال: (رَأيتُ جابِرَ بنَ عَبدِ الله يَحلِفُ بالله أنَّ ابنَ صائِدٍ الدَّجَّالُ. فقُلتُ: أتحْلِفُ باللهِ؟ قال: إنِّي سَمِعتُ عُمرَ يَحلِفُ على ذلك عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلَم يُنكِرْه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [2687] أخرجه البخاري (7355)، ومسلم (2929) واللَّفظُ له. .
قال البَيضاويُّ: (لَعَلَّ عُمرَ أراد بذلك أنَّ ابنَ الصَّيادِ مِنَ الدِّجالينَ الذينَ يَخرُجونَ فيَدَّعونَ النُّبُوَّةَ، أو يُضِلُّونَ النَّاسَ ويُلَبِّسونَ الأمرَ عليهم، لا أنَّه الْمَسيحُ الدَّجَّالُ) [2688] يُنظر: ((تحفة الأبرار)) (3/ 381). .
وقال ابنُ الْمُلقِّنِ: (تَرْكُ النَّكيرِ مِنَ الشَّارِعِ حُجَّةٌ وسُنَّةٌ يَلزَمُ أمَّتَه العَمَلُ بها لا خِلافَ بينَ العُلَماءِ في ذلك؛ لأنَّه عليه السَّلامُ لا يَجوزُ أن يَرى أحَدًا من أمَّتِه يَقولُ قَولًا أو يَفعَلُ فِعلًا مَحظورًا، فيُقِرَّه عليه؛ لأنَّ الله تعالى فرضٌ عليه النَّهيَ عَنِ الْمُنكَرِ، وإذا كان ذلك عُلِمَ أنَّه لا يَرى أحَدًا عَمِلَ شَيئًا فيُقِرُّه عليه إلَّا وهو مُباحٌ لَه، وثَبت أنَّ إقرارَه عُمَرَ رَضِيَ الله عَنه على حَلِفِه الْمَذكورِ إثباتُ أنَّه الدَّجَّالُ، وكَذلك فَهِمَ جابِرُ مِن يَمينِ عُمرَ رَضِيَ الله عَنهما. فإنِ اعتُرِضَ بما رُويَ من قَولِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنه لرَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: دَعْني أضرِبْ عُنُقَه. فقال: ((إن يَكُن هو فلَن تُسَلَّطَ عليه، وإن لَم يَكُن فلا خَيرَ لَكَ في قَتلِه )). فهذا يَدُلُّ على شَكِّه عليه السَّلامُ فيه، وتَرْكِ القَطْعِ عليه أنَّه الدَّجَّالُ. ففيه جَوابانِ؛ أحَدُهما: أنَّه يُمكِنُ أن يَكونَ هذا الشَّكُّ فيه كان مُتَقَدِّمًا ليَمينِ عُمرَ أنَّه الدَّجَّالُ، ثُمَّ أعلَمَه اللهُ أنَّه الدَّجَّالُ؛ فلِذلك تَركَ إنكارَ يَمينِه عليه لتَيَقُّنِه بصِحَّةِ ما حَلَفَ عليه.
ثانيهما: أنَّ الكَلامَ وإنْ خَرجَ مَخرَجَ الشَّكِّ فقَد يَجوزُ أن يُرادَ به التَّيَقُّنُ والقَطعُ، كقَولِه: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] ، وقَد عَلِمَ تعالى أنَّ ذلك لا يَقَعُ مِنه، فإنَّما خَرجَ هذا مِنه عليه السَّلامُ على الْمُتَعارَفِ عِندَ العَرَبِ في تَخاطُبِها... فأخرَجَ كلامَه مَخرَجَ الشَّكِّ لُطفًا مِنه بعُمَرَ رَضِيَ الله عَنه في صَرفِه عَن عَزمِه على قَتلِه) [2689] يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصَّحيح)) (33/ 143). .
وعَن نافِعٍ قال: كان ابنُ عُمَرَ يَقولُ: (واللهِ ما أشُكُّ أنَّ الْمَسيحَ الدَّجَّالَ ابنُ صيَّادٍ) [2690] أخرجه أبو داود (4330) واللَّفظُ له، وأبو عوانة في ((المسند)) بعد حديث (387)، والفاكهي في ((الفوائد)) (ص188). صحَّح إسنادَه النووي في ((شرح مسلم)) (18/47)، والقرطبي في ((التذكرة)) (688)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (13/337)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4330)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4330). .
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ في ابنِ صيَّادٍ: (كان جابِرٌ وابنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنهم يَحلفانِ أنَّه الدَّجَّالُ، لا يَشُكَّانِ فيه، وعلى الجُملةِ فأمرُه كُلُّه مُشْكِلٌ على الأمَّة، وهو فِتنةٌ ومِحْنةٌ) [2691] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 262). .
وعَن نافِعٍ قال: لَقِيَ ابنُ عُمَرَ ابنَ صائِدٍ في بَعضِ طُرُقِ الْمَدينةِ فقال لَه قَولًا أغضَبَه، فانتَفَخَ حَتَّى مَلأَ السِّكَّةَ، فدَخَلَ ابنُ عُمَرَ على حَفصةَ وقَد بَلَغَها، فقالت لَه: رَحِمَكَ اللهُ، ما أرَدْتَ مِنِ ابنِ صائِدٍ؟ أمَا عَلِمتَ أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما يَخرُجُ من غَضبةٍ يَغضَبُها؟ )) [2692] أخرجه مسلم (2932).
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (قَولُه: ((فقال لَه قَولًا أغضَبَه)) يَعني: أنَّ ابنَ عُمَرَ قال لابنِ صيَّادٍ قَولًا غَضِبَ ابنُ صيَّادٍ لأجلِه، فانتَفَخَ حَتَّى مَلأَ السِّكَّةَ، وهيَ الطَّريقُ، وتُجمَعُ سِكَكًا، وهذا الِانتِفاخُ مَحمولٌ على حَقيقَتِه وظاهِرِه، ويَكونُ هذا أمرًا خارِقًا للعادةِ في حَقِّ ابنِ صَيَّادٍ، ويَكونُ من عَلاماتِ أنَّه الدَّجَّالُ؛ لأنَّ هذا موافِقٌ لما قالَتْه حَفصةُ رَضِيَ الله عَنها عَن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّما يَخرُجُ من غَضبةٍ يَغضَبُها. وقَدِ اجتَمَعَت في أحاديثِ ابنِ عُمرَ هَذِه قِرائِنُ كثيرةٌ تُفيدُ أنَّ ابنَ صيَّادٍ هو الدَّجَّالُ؛ ولِذلك كان ابنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنهما قَدِ اعتَقَدَ ذلك وصَمَّمَ عليه، بحَيثُ كان يَحلِفُ على ذلك، وكَذلك جابِرُ بنُ عَبدِ الله، رَضِيَ الله عَنهم) [2693] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 272). .
وقال علي القاري: ( «فدَخلَ ابنُ عُمَرَ على حَفصةَ» وهيَ أختُه أمُّ الْمُؤمِنينَ «وقَد بَلَغَها» أي: وقَد وصَلَ إليها ما جَرى بينَهما، «فقالت لَه» أي: لأخيها «رَحِمَكَ الله» جُملةٌ دُعائيَّةٌ دالَّةٌ على جَوازِ مِثلِها للأحياءِ، وإن كان العُرَفُ الآنَ على خِلافِ ذلك «ما أرَدْتَ» ما: استِفهامٌ مَفعولُ أرَدتَ، أي: أيَّ شَيءٍ قَصَدْتَ «مِنِ ابنِ صيَّادٍ؟» أي: حَيثُ أغضَبْتَه في الكَلامِ «أمَا عَلِمتَ أنَّ رَسولَ الله صَلى الله تعالى عليه وسَلَّمَ قال: إنَّما يَخرُجُ» أيِ: الدَّجَّالُ حينَ يَخرُجُ «مِن غَضْبةِ» بسُكونِ الضَّادِ الْمُعْجَمةِ، أي: من مَرَّةٍ واحِدةٍ مِنَ الغَضَبِ «يَغضِبُها؟») [2694] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3489). .
وفي رِوايةٍ عَن نافِعٍ قال: قال ابنُ عُمَرَ: لَقَيتُه مَرَّتين، قال: فلَقيتُه فقَلتُ لبَعضِهم: هَل تَحدَّثونَ أنَّه هو؟ قال: لا واللهِ. قال: قُلتُ: كذَبتَني، واللهِ لَقَد أخبَرَني بَعضُكم أنَّه لَن يَموتَ حَتَّى يَكونَ أكثَرَكم مالًا ووَلَدًا، فكَذلك هو زَعموا اليَومَ. قال: فتَحَدَّثنا ثُمَّ فارَقْتُه، قال: فلَقيتُه مَرَّةً أخرى، وقَد نَفرتْ عينُه [2695] قال النووي: ( (وقد نَفَرَت عينُه) بفتح النون والفاء، أي: وَرِمَت ونَتَأَت). ((شرح مسلم)) (18/ 57). ، قال: فقُلتُ: مَتى فعَلَتْ عَينُكَ ما أرى؟ قال: لا أدري. قُلتُ: لا تَدري، وهيَ في رَأسِكَ؟! قال: إنْ شاءَ اللهُ خَلقَها في عَصاكَ هَذِه، قال: فنَخرَ كأشَدِّ نَخيرِ حِمارٍ سَمِعْتُ. قال: فزَعَمَ بَعضُ أصحابي أنّيِ ضَرَبتُه بَعصًا كانت مَعي حَتَّى تَكَسَّرت، وأمَّا أنا فواللهِ ما شَعَرْتُ. قال: وجاءَ حَتَّى دَخلَ على أمِّ الْمُؤمِنينَ فحَدَّثَها، فقالت: ما تُريدُ إليه؟ ألَم تَعلَمْ أنَّه قَد قال: ((إنَّ أوَّلَ ما يَبعَثُه على النَّاسِ غَضَبٌ يَغضَبُه )) [2696] أخرجه مسلم (2932).  .
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: («قَولُه: فلَقيتُه لَقيةً أُخرى، وقَد نَفَرَتْ عَينُه»... نَفَرَت، بالنُّونِ والفاءِ الْمَفتوحَتينِ: رِوايةُ جَماعةِ الشُّيوخِ، أي: وَرِمَتْ، وفي أصلِ القاضي التَّميميِّ: نقِرَت وفُقِئَت، مَعًا... وهيَ كُلُّها مُتَقارِبةٌ، وأشبَهُها الأولى؛ فإنَّ عينَه في ذلك الوَقتِ لَم تَكُن مَفقوءةً؛ إذ لَو كان ذلك لَكان من أعظَمِ الأدِلَّةِ على أنَّه الدَّجَّالُ، ولاستَدَلَّ بذلك من قال: إنَّه هو، على من خالَفَه في ذلك، ولَم يَرِدْ ذلك... ويُحتَمَلُ أن يَكونَ ذلك الوَرَمُ مُبتَدَأَ فقءِ عَينِه إن كان هو الدَّجَّالَ. واللهُ أعلَمُ.
وكَونُ ابنِ عُمَرَ لَم يَشعُرْ بضَربِه لابنِ صيَّادٍ بالعَصا حَتَّى تَكَسَّرَت، كان ذلك لشِدَّةٍ موجِدَتِه عليه، وكَأنَّه تَحَقَّقَ مِنه أنَّه الدَّجَّالُ. وقَولُه: «فنَخرَ كأشَدِّ نَخيرِ حِمارٍ سَمِعْتُ» النَّخيرُ: صَوتُ الأنفِ) [2697] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 271). .
وكان ابنُ صيَّادٍ يَسمَعُ ما يَقولُه النَّاسُ فيه فيُظهِرُ تَأذِّيه من ذلك كثيرًا، ويُدافِعُ عَن نَفسِه بأنَّه لَيسَ الدَّجَّالَ، ويَحتَجُّ على ذلك بأنَّ ما أخبَر به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من صِفاتِ الدَّجَّالِ لا تَنطَبِقُ عليه.
عَن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ الله عَنه قال: (خَرَجْنا حُجَّاجًا أو عُمَّارًا ومَعَنا ابنُ صائِدٍ. قال: فنَزَلْنا مَنزِلًا. فتَفَرَّقَ النَّاسُ وبَقِيتُ أنا وهو، فاستَوحَشْتُ مِنه وَحشةً شَديدةً ممَّا يُقالُ عليه. قال: وجاءَ بمَتاعِه فوَضعَه مَعَ مَتاعي. فقُلتُ: إنَّ الحَرَّ شَديدٌ. فلَو وضَعْتَه تَحت تِلكَ الشَّجَرةِ. قال: ففَعلَ. قال: فرُفِعَتْ لَنا غَنَمٌ. فانطَلَقَ فجاءَ بِعُسٍّ [2698] قال النووي: (قوله (فجاء بعُسٍّ) هو بضم العين، وهو القَدَحُ الكبيرُ، وجمعُه عِساسٌ -بكسر العين- وأعساسٌ). ((شرح مسلم)) (18/ 51). . فقال: اشرَبْ أبَا سَعيدٍ. فقُلتُ: إنَّ الحَرَّ شَديدٌ واللَّبَنَ حارٌّ، ما بي إلَّا أنِّي أكرَهُ أن أشرَبَ عَن يَدِه -أو قال: آخُذُ عَن يَدِه-. فقال: أبَا سَعيدٍ، لَقَد همَمْتُ أن آخُذَ حَبلًا فأُعلِّقَه بشَجَرةٍ ثُمَّ أختَنِقَ ممَّا يَقولُ لي النَّاسُ، يا أبا سَعيدٍ، من خَفِيَ عليه حَديثُ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما خَفِيَ عليكم مَعْشَرَ الأنصارِ! ألَسْتَ مِن أعلَمِ النَّاسِ بحَديثِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ أليسَ قَد قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((هو كافِرٌ)). وأنا مُسْلِمٌ؟ أولَيسَ قَد قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((هو عَقيمٌ لا يُولَدُ لَه))، وقَد تَرَكْتُ ولَدي بالمَدينةِ؟ أولَيسَ قَد قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَدخُلُ الْمَدينةَ ولا مَكَّةَ))، وقَد أقبَلْتُ مِنَ الْمَدينةِ وأنا أريدُ مَكَّةَ؟ قال أبو سَعيدٍ الخُدريُّ: حَتَّى كِدْتُ أن أعذِرَه. ثُمَّ قال: أمَا واللهِ إنِّي لأعرِفُه، وأعرِفُ مولِدَه، وأينَ هو الآنَ، قال: قُلتُ لَه: تَبًّا لَكَ سائِرَ اليَومِ!) [2699] أخرجه مسلم (2927).  .
وقال ابنُ صيَّادٍ في رِوايةِ: (أمَا واللهِ إنِّي لأعلَمُ الآنَ حَيثُ هو، وأعرِفُ أباهَ وأمَّه. قال: وقيلَ لَه: أيَسُرُّكُ أنَّكَ ذاكَ الرَّجُلُ؟ فقال: لَو عُرِضَ عليَّ ما كَرِهْتُ) [2700] أخرجه مسلم (2927).  .
قال النَّوَويُّ: (أمَّا احتِجاجُه هو بأنَّه مُسْلِمٌ والدَّجَّالُ كافِرٌ وبِأنَّه لا يولَدُ للدَّجالِ وقَد وُلِدَ لَه هو، وأنْ لا يَدخُلَ مَكَّةَ والمَدينةَ، وأنَّ ابنَ صيَّادِ دَخلَ الْمَدينةَ وهو مُتَوَجِّهٌ إلى مَكَّةَ؛ فلا دَلالةَ لَه فيه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما أخبَر عَن صِفاتِه وقتَ فِتنَتِه وخُروجِه في الأرضِ) [2701] يُنظر: ((شرح مسلم)) (18/ 46). .
وقال علي القاري: («قال» أي: أبو سَعيدٍ «قُلتُ لَه» أي: لابنِ صيَّادٍ «تَبًّا»: بتَشديدِ الْموَحَّدةِ، أي هلاكًا وخُسرانًا «لَكَ سائِرَ اليَومِ» أي: جَميعَ اليَومِ أو باقِيَه، أي: ما تَقَدَّمَ مِنَ اليَومِ قَد خَسِرْتَ فيه، فكَذا في باقيه، «قال» أي: أبو سَعيدٍ «وقيلَ لَه» أي: لابنِ صيَّادِ «أيَسُرُّكَ» أي: أيوقِعُكَ في السُّرورِ ويُفرِحُكَ ويُعجِبُكَ «أنَّكَ ذاكَ الرَّجُلُ» أي: تَكونُ الدَّجَّالَ، «قال» أي: أبو سَعيدٍ «فقال» أي: ابنُ صيَّادٍ «لَو عُرِضَ عليَّ»: بصيغةِ الْمَجهولِ أي: لَو عُرِضَ عليَّ ما جُبِلَ في الدَّجَّالِ مِنَ الإغواءِ والخَديعةِ والتَّلبيسِ عليَّ «ما كَرِهْتُ» أي: بَل قَبِلْتُ، والحاصِلُ رِضاه بكَونِه الدَّجَّالَ، وهذا دَليلٌ واضِحٌ على كُفرِه) [2702] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3489). .
وقَدِ التَبَسَ على العُلَماءِ ما جاءَ في ابنِ صيَّادٍ وأشكَلَ عليهم أمرُه؛ فمِن قائِلٍ إنَّه الدَّجَّالُ ويَحتَجُّ على ذلك بما سَبَقَ ذِكرُه من حَلِفِ بَعضِ الصَّحابةِ رَضِيَ الله عَنهم على أنَّه الدَّجَّالُ، وبِما كان من أمرِه مَعَ ابنِ عُمَرَ وأبي سَعيدٍ رَضِيَ الله عَنهم.
قال القُرطُبيُّ: (قَدِ استَدَلَّ من قال مِنَ العُلَماءِ: إنَّ الدَّجَّالَ لَيسَ ابنَ صيَّادٍ بحَديثِ الجَسَّاسةِ وما كان في مَعناه، والصَّحيحُ أنَّ ابنَ صيَّادٍ هو الدَّجَّالُ بدَلالةِ ما تَقَدَّمَ، وما يَبعُدُ أن يَكونَ بالجَزيرةِ ذلك الوَقتَ، ويَكونُ بينَ أظهُرِ الصَّحابةِ في وقتٍ آخَرَ إلى أنْ فقَدوه يَومَ الحَرَّةِ) [2703] يُنظر: ((التذكرة)) (2/ 412).      .
وقال النَّوَويُّ: (قال العُلَماءُ: وقِصَّتُه مُشكِلةٌ وأمرُه مُشتَبِهٌ في أنَّه هَل هو الْمَسيحُ الدَّجَّالُ الْمَشهورُ أم غَيرُه، ولا شَكَّ في أنَّه دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلةِ. قال العُلَماءُ: وظاهِرُ الأحاديثِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يُوحَ إليه بأنَّه الْمَسيحُ الدَّجَّالُ ولا غَيرُه، وإنَّما أوحي إليه بصِفاتِ الدَّجَّالِ، وكان في ابنِ صيَّادٍ قِرائِنُ مُحتَمَلةٌ، فلِذلك كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَقطَعُ بأنَّه الدَّجَّالُ ولا غَيرُه؛ ولِهذا قال لعُمرَ رَضِيَ الله عَنه: ((إن يَكُن هو فلَن تَستَطيعَ قَتْلَه)). وأمَّا احتِجاجُه هو بأنَّه مُسْلِمٌ والدَّجَّالُ كافِرٌ، وبِأنَّه لا يولَدُ للدَّجالِ، وقَد وُلِدَ لَه هو، وأنْ لا يَدخُلَ مَكَّةَ والمَدينةَ وأنَّ ابنَ صيَّادٍ دَخلَ الْمَدينةَ وهو مُتَوَجِّهٌ إلى مَكَّةَ؛ فلا دَلالةَ لَه فيه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما أخبَر عَن صِفاتِه وقتُ فتنَتِه وخُروجِه في الأرضِ، ومِنِ اشتِباه قِصَّتِه وكَونِه أحَدَ الدَّجَاجِلةِ الكَذَّابينَ قَولُه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أتَشهَدُ أنِّي رَسولُ الله؟ ودَعواه أنَّه يَأتيه صادِقٌ وكاذِبٌ، وأنَّه يَرى عَرْشًا فوقَ الْماءِ، وأنَّه لا يَكرَهُ أن يَكونَ هو الدَّجَّالَ، وأنَّه يَعرِفُ مَوضِعَه، وقَولُه: إنِّي لأعرِفُه، وأعرِفُ مولِدَه، وأينَ هو الآنَ، وانتِفاخُه حَتَّى مَلأَ السِّكَّةَ، وأمَّا إظهارُه الإسلامَ، وحَجُّهُ، وجِهادُه، وإقلاعُه عَمَّا كان عليه؛ فلَيسَ بصَريحٍ في أنَّه غَيرُ الدَّجَّالِ) [2704] يُنظر: ((شرح مسلم)) (18/46). .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (أقرَبُ ما يُجمَعُ به بينَ ما تَضَمَّنَه حَديثُ تَميمٍ وكَونِ ابنِ صيَّادٍ هو الدَّجَّالَ: أنَّ الدَّجَّالَ بعَينِه هو الذي شاهَدَه تَميمٌ مُوثَقًا، وأنَّ ابنَ صيَّادٍ شَيطانٌ تَبدَّى في صورةِ الدَّجَّالِ في تِلكَ الْمُدَّةِ، إلى أن توَجَّهَ إلى أصبَهانَ فاستَتَرَ مَعَ قَرينِه، إلى أن تَجيءَ الْمُدَّةُ الَّتي قَدَّرَ اللهُ تعالى خُروجَه فيها، ولِشِدَّةِ التِباسِ الأمرِ في ذلك سَلَكَ البُخاريُّ مَسْلَكَ التَّرجيحِ، فاقتَصَرَ على حَديثِ جابِرٍ عَن عُمَرَ في ابنِ صَيَّادٍ، ولَم يُخرِّجْ حَديثَ فاطِمةَ بنتِ قيسٍ في قِصَّةِ تَميمٍ) [2705] يُنظر: ((فتح الباري)) (13/328). .
وقال علي القاري بَعدَ أن ذَكَرَ الخِلافَ في ابنِ صيَّادٍ: (أقولُ: ولا يُنافيه قِصَّةُ تَميمٍ الدَّاري؛ إذ يُمكِنُ أن يَكونَ لَه أبَدانٌ مُختَلِفةٌ، فظاهِرُه في عالَمِ الحِسِّ والخَيالِ دائِرٌ مَعَ اختِلافِ الأحوالِ، وباطِنُه في عالَمِ الْمِثالِ مُقَيَّدٌ بالسَّلاسِلِ والأغلالِ، ولَعَلَّ الْمانِعَ من ظُهورِه كما لَه في الفِتْنةِ وُجودٌ سَلاسِلُ النُّبوَّةِ وأغلالُ الرِّسالةِ، واللهُ سُبحانَه وتعالى أعلَمُ) [2706] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3484). .
وقال الشَّوكانيُّ: (اختَلَفَ النَّاسُ في أمرِ ابنِ صيَّادٍ اختِلافًا شَديدًا، وأشكَلُ أمرُه حَتَّى قيلَ فيه كُلُّ قَولٍ، وظاهِرُ الحَديثِ الْمَذكورِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان مُتَرَدِّدًا في كونِه الدَّجَّالَ أم لا؟ وممَّا يَدُلُّ على أنَّه هو الدَّجَّالُ ما أخرَجَه الشَّيخانِ وأبو داوُد عَن مُحَمَّدِ بنِ الْمُنكَدِرِ قال: «كان جابِرُ بنُ عَبدِ الله يَحلِفُ باللهِ إنَّ ابنَ صيَّادٍ الدَّجَّالُ، فقُلتُ: أتحْلِفُ باللهِ؟ فقال: إنِّي سَمِعتُ عُمرَ بنَ الخَطَّابِ يَحلِفُ على ذلك عِندَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلا يُنكِرُه» [2707] أخرجه البخاري (7355)، ومسلم (2929)، وأبو داود (4331) باختلافٍ يسيرٍ. ، وقَد أُجيبَ عَنِ التَّرَدُّدِ مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بجَوابينِ:
الأوَّلُ: أنَّه تَرَدَّدَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَبلَ أن يُعلِمَه اللهُ بأنَّه هو الدَّجَّالُ، فلَمَّا أعلَمَه لَم يُنكِرْ على عُمَرَ حَلِفَه.
والثَّاني: أنَّ العَربَ قَد تُخرِجُ الكَلامَ مَخرْجَ الشَّكِّ، وإن لَم يَكُنْ في الخَبَرِ شَكٌّ، وممَّا يَدُلُّ على أنَّه هو الدَّجَّالُ ما أخرَجَه عَبدُ الرَّزاقِ بإسنادٍ صَحيحٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ قالَ: «لَقِيتُ ابنَ صيَّادٍ يَومًا -ومَعَه رَجُلٌ مِنَ اليَهودِ- فإذا عَيْنُه قَد طَفتْ وهيَ خارِجةٌ مِثلَ عَينِ الحِمارِ، فلَمَّا رَأيتُها قُلتُ: أَنْشُدُكَ اللهَ يا ابنَ صيَّادٍ، مَتى طَفَت عَينُكَ؟ قال: لا أدري، والرَّحمَنِ. قُلتُ: كذَبْتَ، وهيَ في رَأسِكَ؟ قال: فمَسحَها ونَخرَ ثَلاثًا» [2708] أخرجه عبد الرزاق (20832)، وإسحق بن راهويه في ((المسند)) (1999)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (3144) باختلافٍ يسيرٍ مُطَولًا. صحَّح إسنادَه البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (8/124)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (13/337)، والشوكاني في ((نيل الأوطار)) (8/18)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (4271). [2709] يُنظر: ((نيل الأوطار)) (7/ 239). .
وذَهَبَ بَعضُ العُلَماءِ إلى أنَّ ابنَ صيَّادٍ لَيسَ هو الدَّجَّالَ، مُحتَجًّا بحَديثِ تَميمٍ الدَّاريِّ رَضِيَ اللهُ عَنه وبِغَيرِه.
فعَن عامِرِ بنِ شَراحيلَ الشَّعبيِّ أنَّه (سَألَ فاطِمةَ بنتَ قيسٍ أُختَ الضَّحَّاكِ بنِ قَيسٍ -وكانت مِنَ الْمُهاجِراتِ الأُوَلِ- فقال: حَدِّثِيني حَديثًا سَمِعْتِيه من رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لا تُسنِديه إلى أحَدٍ غَيرِه، فقالت: لَئِنّْ شِئتَ لأفعَلَنَّ. فقال لَها: أجَلْ حَدِّثِيني. فذَكَرَت قِصَّةَ تَأيُّمِها من زَوجِها واعتِدادِها عِندَ ابنِ أمِّ مَكتومٍ. ثُمَّ قالت: فلَمَّا انقَضَت عِدَّتي سَمِعتُ نِداءَ الْمَنادي مُنادي رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُنادي: الصَّلاةُ جامِعةٌ. فخَرَجْتُ إلى الْمَسجِدِ. فصَلَّيتُ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فكُنتُ في صَفِّ النِّساءِ الَّتي تَلي ظُهورَ القَومِ. فلَمَّا قَضى رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلاتَه، جِلس على الْمِنبَرِ وهو يَضحَكُ. فقال: ليَلزَمْ كُلُّ إنسانٍ مُصَلَّاه. ثُمَّ قال: أتدْرُونَ لِما جَمَعتُكم؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ. قال: إنِّي والله ما جَمَعتُكم لرَغبةٍ ولا لرَهبةٍ. ولَكِن جَمَعتُكم لأنَّ تَميمًا الدَّاريَّ كان رَجُلًا نَصرانيًّا، فجاءَ فبايَعَ وأسلَمَ. وحَدَّثَني حَديثًا وافَقَ الذي كُنتُ أحَدِّثُكم عَن مَسيحِ الدَّجَّالِ. حَدَّثَني أنَّه رَكِبَ في سَفينةٍ بحريَّةٍ مَعَ ثَلاثينَ رَجُلًا من لَخْمٍ [2710] قال علي القاري: (قبيلة معروفة، وكذا قوله: "وجُذام"). ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3472). وجُذامٍ. فلَعِبَ بهم الْمَوجُ شَهرًا في البَحرِ. ثُمَّ أرفَؤوا [2711] قال النووي: (أي: التجؤوا إليها) ((شرح مسلم)) (18/ 81). إلى جَزيرةٍ في البَحرِ حَتَّى مَغرِبِ الشَّمسِ. فجَلَسوا في أقرُبِ [2712] قال النووي: ((أقرُب السفينة) هو بضم الراء، وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة كالجَنيبة، يتصَرَّفُ فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم، الجمع قوارب والواحد قارِبٍ بكسر الراء وفتحها، وجاء هنا أقرُب وهو صحيح لكنه خلاف القياس، وقيل المراد بأقرب السفينة أُخرَياتُها وما قَرُب منها للنُّزولِ). ((شرح مسلم)) (18/ 81). السَّفينةِ، فدَخلوا الجَزيرةَ، فلَقِيَتْهم دابَّةٌ أهلَبُ [2713] قال النووي: (الأهلَبُ: غليظُ الشَّعرِ كَثيرُه). ((شرح مسلم)) (18/ 81). كثيرُ الشَّعرِ. لا يَدرونَ ما قُبُلُه من دُبُرِه. من كثرةِ الشَّعرِ. فقالوا: وَيْلَكِ ما أنتِ؟ فقالت: أنا الجَسَّاسةُ [2714] قال عياض: (قوله: الجسَّاسة، بفتح الجيم وتشديد السين الأولى، قيل: سُمِّيت بذلك لتجَسُّسِها الأخبارَ للدَّجَّال). ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) (8/ 500). . قالوا: وما الجَسَّاسةُ؟ قالت: أيُّها القَومُ انطَلِقوا إلى هذا الرَّجُلِ في الدَّيْرِ [2715] قال علي القاري: (أي دير النصارى) ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3472). . فإنَّه إلى خَبَرِكم بالأشواقِ. قال: لَمَّا سَمَّت لَنا رَجُلًا فرَقْنا [2716] قال النووي: (قوله: (فَرَقْنا) أي: خِفْنا) ((شرح مسلم)) (18/ 81). مِنها أن تَكونَ شيطانةً. قال فانطَلَقنا سِراعًا. حَتَّى دَخَلْنا الدَّيرَ. فإذا فيه أعظَمُ إنسانٍ رَأيناه قَطُّ خَلْقًا، وأشَدُّه وَثاقًا، مَجموعةٌ يَداه إلى عُنقِه، ما بينَ رُكبَتَيه إلى كعبَيه بالحَديدِ. قُلنا: وَيْلَكَ ما أنتَ؟ قال: قَد قَدَرتُم على خَبَري. فأخبِروني ما أنتَم؟ قالوا: نَحنُ أناسٌ مِنَ العَرَبِ، رَكِبْنا في سَفينةٍ بحريَّةٍ. فصادَفنا البَحرَ حينَ اغتَلَمَ [2717] قال النووي: ((حين اغتَلَم) أي: هاج وجاوز حَدَّه المعتاد) ((شرح مسلم)) (18/ 82). ، فلَعِبَ بنا الْمَوجُ شَهرًا، ثُمَّ أرفَأْنا إلى جَزيرَتِكَ هَذِه، فجَلَسنا في أقرَبِها، فدَخَلنا الجَزيرةَ، فلَقيَتْنا دابَّةٌ أهلَبُ كثيرُ الشَّعرِ، لا يُدرى ما قُبُلُه من دُبُرِه من كثرةِ الشَّعرِ، فقُلنا: ويلَكِ ما أنتِ؟ فقالت: أنا الجَسَّاسةُ. قُلنا: وما الجَسَّاسةُ؟ قالت: اعمَدوا إلى هذا الرَّجُلِ في الدَّيرِ؛ فإنَّه إلى خَبَرِكم بالأشواقِ، فأقبَلنا إليكَ سِراعًا، وفَزِعْنا مِنها، ولَم نَأمَن أن تَكونَ شيطانةً. فقال: أخبِروني عَن نَخلِ بَيسانَ [2718] قال الطيبي: (((بَيْسان)) بالباء المفتوحة: قرية بالشَّام) ((شرح المشكاة)) (11/ 3464). ؟ قُلنا: عَن أيِّ شَأنِها تَستَخبِرُ؟ قال: أسألُكم عَن نَخلِها، هَل يُثمِرُ؟ قُلنا لَه: نَعَم، قال: أمَا إنَّه يوشِكُ أنْ لا تُثمِرَ. قال: أخبِروني عَن بُحَيرةِ الطَّبريَّةِ؟ قُلنا: عَن أيِّ شَأنِها تَستَخبِرُ؟ قال: هَل فيها ماءٌ؟ قالوا: هيَ كثيرةُ الْماءِ. قال: أمَا إنَّ ماءَها يوشِكُ أن يَذهَبَ. قال: أخبِروني عَن عَينِ زُغَرَ [2719] قال النووي: (هي بلدة معروفة في الجانِبِ القِبليِّ مِنَ الشَّامِ). ((شرح مسلم)) (18/ 82). ؟ قالوا: عَن أيِّ شَأنِها تَستَخبِرُ؟ قال: هَل في العين ماءٌ؟ وهَل يَزرَعُ أهلُها بماءِ العينِ؟ قُلنا لَه: نَعَم. هيَ كثيرةُ الْماءِ، وأهلُها يَزرَعونَ من مائِها. قال: أخبِروني عَن نَبيِّ الأمِّيِّين ما فَعَلَ؟ قالوا: قَد خَرَجَ من مَكةَ، ونَزَلَ يَثْرِبَ. قال: أقاتَلَه العَربُ؟ قُلنا: نَعَم. قال: كيفَ صَنَعَ بهم؟ فأخبَرناه أنَّه قَد ظَهَرَ على مَن يَليه مِنَ العَرَبِ وأطاعوه. قال لَهم: قَد كان ذلك؟ قُلنا: نَعَم. قال: أمَا إنَّ ذلك خَيرٌ لَهم أن يُطيعوه، وإنِّي مُخبِرُكم عَنِّي، إنِّي أنا الْمَسيحُ، وإنّي أوشِك أن يُؤذَنَ لي في الخُروجِ، فأخرُجُ فأسيرُ في الأرضِ فلا أدَعُ قَريةً إلَّا هَبَطْتُها في أربَعينَ لَيلةً غَيرَ مَكَّةَ وطَيبةَ؛ فهما مُحَرَّمَتانِ عليَّ كِلْتاهما، كُلَّما أرَدتُ أنْ أدخُلَ واحِدةً أو واحِدًا مِنهما استَقبَلني مَلَكٌ بيَدِه السَّيفُ صَلْتًا [2720] قال النووي: (أي مسلولًا). ((شرح مسلم)) (18/ 83). ، يَصُدُّني عَنها، وإنَّ على كُلِّ نَقْبٍ مِنها مَلائِكةً يَحرُسونَها. قالت: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وطَعنَ بمخصرَتِه في الْمِنبَرِ: هَذِه طَيْبةُ، هَذِه طَيبةُ، هَذِه طَيبةُ، يَعني الْمَدينةَ، ألَا هَل كُنتُ حَدَّثتُكم ذلك؟ فقال النَّاسُ: نَعَم. فإنَّه أعجَبَني حَديثُ تَميمٍ أنَّه وافَقَ الذي كُنتُ أحَدِّثُكم عَنه وعَنِ الْمَدينةِ ومَكَّةَ، ألَا إنَّه في بَحرِ الشَّامِ أو بَحرِ اليَمَنِ، لا بَل مِن قَبلِ الْمَشرِقِ [2721] قال عياض: (ليس "ما" هنا للنفي؛ لأنه إنما يريد إثباتَ كونِه من جهة المشرِقِ، و"ما" هنا زائدةٌ لصِلةِ الكلامِ). ((إكمال المعلم)) (8/ 502). ما هو، مِن قِبَلِ الْمَشرِقِ ما هو، مِن قِبَلِ الْمَشرِقِ ما هو، وأومَأ بيَدِه إلى الْمَشرِقِ. قالت: فحَفِظْتُ هذا من رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [2722] أخرجه مسلم (2942).              .
قال الطَّحاويُّ رَدًّا على مَن قال إنَّ ابنَ صيَّادٍ هو الدَّجَّالُ: (فكان جَوابُنا لَه في ذلك بتَوفيقِ الله عَزَّ وجَلَّ وعَونِه أنَّه إنَّما يَكونُ هذا الِاحتِمالُ يَرجو أنَّه الدَّجَّالُ الذي حَذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَن قَبلَه مِنَ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ أممَهم مِنه، وذَكَروا لَهم أحوالَه الَّتي يَكونُ عليها، وادِّعاءَه أنَّه لَهم إلَهٌ، ومُكْثَه في الأرضِ بما يَمكُثُه فيها، ومَنْعَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ إيَّاه من حَرَمِه وحَرمِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونُزولَ عيسى بنِ مَريَمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليَقتُلَه في الْمَوضِعِ الذي يَقتُلُه فيه، ولَم يوجَد هذا في ابنِ صيَّادٍ؛ لأنَّه قَد كان في حَرَمِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولِأنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يَقتُلْه، ولَو كان الدَّجَّالَ نَفسَه لقَتلَه، ولَو كان الذي قيلَ فيه مِن ذلك. قيلَ: إنَّه دَجَّالٌ لَمَّا أنكَرَ أن يَكونَ دَجَّالًا ويَكونَ بَعدَه دَجَّالونَ، وإن تَفاضَلوا فيما يَكونونَ عليه في ذلك ويَتَبايَنونَ فيه، ولَكِنَّه قيلَ: إنَّه الدَّجَّالُ، فعادَ ذلك إلى الدَّجَّالِ الذي هو الدَّجَّالُ، وقَد قامَتِ الحُجَّةُ بخِلافِ ذلك) [2723] يُنظر: ((شرح مشكل الآثار)) (7/ 296). .
وقال أيضًا: (كان سُرورُ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما في هذا الحَديثِ ممَّا كان تَمَيمٌ حَدَّثَه إيَّاه دَليلًا على أنَّه قَد تَحَقَّقَ عِندَه بما يَتَحَقَقُ به مِثلُه عِندَه، ولَولا أنَّ ذلك كان كذلك لَمَا قامَ به في الْمُسْلِمينَ، ولا خَطَبَ به عليهم، وابنُ صيَّادٍ يومَئِذٍ مَعَه بالمَدينةِ؛ ففي ذلك ما قَد دَلَّ أنَّ الدَّجَّالَ الذي كان مِنه فيه قَبلَ ذلك ما كان، ومَن يُحذِّرُ به أمَّتَه مِنه، ومِن إخبارِه النَّاسَ أنَّه لَم يَكُنْ نَبيٌّ قَبلَه إلَّا وقَد حَذَّرَ أمَّتَه خِلاف ابنِ صَيَّادٍ. فإنْ قال قائِلٌ: فكَيفَ بَقيَ ابنُ مَسعودٍ، وأبو ذَرٍّ، وجابِرٌ على ما كانوا عليه فيه ممَّا قَد رَويتَه عَنهم في هذا البابِ ممَّا قالوه فيه بَعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! فكان جَوابُنا لَه في ذلك بتَوفيقِ الله عَزَّ وجَلَّ وعَونِه: أنَّه قَد يُحتَمَلُ أنَّ ذلك كان مِنهم؛ لأنَّهم لَم يَعلَموا بما كان من رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما حَدَّثَ به النَّاسُ عَن تَميمٍ الدَّاري، ولا من سُرورِه به، فقالوا في ذلك ما قالوا؛ لهذا الْمَعنى -والله أعلَمُ- ومِن أجلِ ذلك عِندَنا -والله أعلَمُ- كان ابنُ صيَّادٍ دَفعَ عَن نَفسِه أن يَكونَ هو الدَّجَّالَ بما خاطَبَ به أبا سَعيدٍ الخُدريِّ، كما حَدَّثنا سَليمانُ بنُ شُعَيبٍ الكيسانيُّ قال: حَدَّثنا بشْرُ بنُ بَكرٍ قال: حَدَّثنا الأوزاعيُّ قال: حَدَّثَني يَحيى بنُ أبي كثيرٍ قال: حَدَّثَني عُقْبةُ بن عَبدِ الغافِرِ قال: حَدَّثَني أبو سَعيدٍ الخُدريُّ قال: خَرَجنا صادِرينَ من مَكَّةَ إذ لحِقَني ابنُ صيَّادٍ، فقال: يا أبا سَعيدٍ، إنَّ النَّاسَ قَد أحرَقوني؛ يَزعُمونَ أنِّي أنا الدَّجَّالُ، والدَّجَّالُ لا يُولَدُ لَه وقَد وُلِدَ لي، والدَّجَّالُ لا يَدخُلُ الحَرَمينِ وقَد دَخَلتُهما، واللهِ إنِّي لأعلَمُ مَكانَه. قال: فما ارتَبْتُ به أنَّه هو إلَّا حينَئِذٍ [2724] أخرجه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (7/392) بهذا السند. قال شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (7/392): رجاله ثقات رجال الشيخين غيرَ بشرِ بن بكر، فمن رجال البخاري. والحديث أخرجه مسلم (2927) بلفظ: عن أبي سعيد الخدري، قال: (خرَجْنا حُجَّاجًا أو عُمَّارًا ومعنا ابن صائد. قال: فنزلنا منزلًا، فتفَّرق الناسُ وبقيت أنا وهو، فاستوحشْتُ منه وحشةً شديدةً ممَّا يقال عليه. قال: وجاء بمتاعه فوضعه مع متاعي. فقلت: إن الحرَّ شديد، فلو وضعته تحت تلك الشجرة. قال: ففعل، قال: فرُفِعَت لنا غَنَمٌ، فانطلق فجاء بعُسٍّ، فقال: اشرَبْ أبا سعيد. فقلت: إن الحرَّ شديدٌ واللَّبَن حار. ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده -أو قال: آخذ عن يده- فقال: أبا سعيد لقد هممتُ أن آخُذَ حبلًا فأعلقه بشجرة، ثم أختنق؛ مما يقول لي الناس، يا أبا سعيد من خَفِيَ عليه حديث رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما خفي عليكم مَعْشَرَ الأنصارِ؟! ألستَ من أعلم الناس بحديث رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ أليس قد قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هو كافِرٌ. وأنا مسلمٌ؟ أوليس قد قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هو عقيمٌ لا يولد له. وقد تركْتُ ولدي بالمدينة؟ أو ليس قد قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا يدخُلُ المدينةَ ولا مكَّةَ. وقد أقبلتُ من المدينة وأنا أريد مكة؟ قال أبو سعيد الخدري: حتى كِدْتُ أن أعذرَه. ثم قال: أمَا والله إني لأعرِفُه وأعرِفُ مَولِدَه وأين هو الآن. قال: قلت له: تبًّا لك سائِرَ اليومِ). فكان هذا الكَلامُ مِنِ ابنِ صيَّادٍ عِندَنا -والله أعلَمُ- يُحتَمَلُ أن يَكونَ قاله لوُقوفِه على ما كان رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَطبَ به ممَّا حَدَّثَه به تَميمٌ الدَّاري ممَّا قَد ذَكَرناه فيما تقَدَّمَ مِنَّا في هذا البابِ ممَّا فيه إخبارُه إيَّاهم عَن تَميمٍ عَن بني عَمِّه بمَكانِه الذي رَأوه فيه، فقال: من أجلِ ذلك ما قال، واللهُ أعلَمُ بحَقيقةِ الأمرِ، كان من ذلك، وإيَّاه نَسألُه التَّوفيقَ) [2725] يُنظر: ((شرح مشكل الآثار)) (7/ 391). .
وقال الخَطابيُّ في ابنِ صيَّادٍ: (قَدِ اختَلَفَ النَّاسُ في أمرِه اختِلافًا شَديدًا، هَل هو الدَّجَّالُ أم لا؟ واضطَرَبَت فيه الرِّواياتُ والآراءُ مِنَ العُلَماءِ، وقَد جَمَعتُها في مَسألةٍ مُفرَدةٍ، وذَكَرتُ فيها تِلكَ الأخبارَ بأسانيدِها... واستَدَلَّ بَعضُهم على أنَّه لَيسَ بالدَّجَّالِ بأنَّ تَميمًا الدَّاريَّ حَدَّثَ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقِصَّةِ الدَّجَّالِ والجَسَّاسةِ بالمَدينةِ، وابنُ الصَّيَّادِ إذ ذاكَ مُقيمٌ بينَ ظَهْرانَيْهم) [2726] يُنظر: ((أعلام الحديث)) (1/ 710-712). .
وقال البيهَقيُّ في سياقِ كلامِه على حَديثِ تَميمٍ: ((فيه أنَّ الدَّجَّالَ الأكبَرَ الذي يَخرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ غَيرُ ابنِ صَيَّادٍ، وكان ابنُ صيَّادٍ أحَدَ الدَّجَّالينَ الكَذابينَ الذينَ أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بخُروجِهم، وقَد خَرَجَ أكثَرُهم، وكَأنَّ الذينَ يَجزِمونَ بأنَّ ابنَ صيَّادٍ هو الدَّجَّالُ لَم يَسمَعوا بقِصَّةِ تَميمٍ، وإلَّا فالجَمعُ بينَهما بَعيدٌ جِدًّا؛ إذ كيفَ يَلتَئِمُ أن يَكونَ من كان في أثناءِ الحَياةِ النَّبَويَّةِ شِبْهَ الْمُحتَلِمِ ويَجتَمِعُ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَسألُه، أن يَكونَ في آخِرِها شَيخًا كبيرًا مَسجونًا في جَزيرةٍ من جَزائِرِ البَحرِ مُوثَقًا بالحَديدِ يَستَفهمُ عَن خَبرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هَل خَرجَ أو لا؟ فالأَولى أن يُحمَلَ على عَدَمِ الِاطِّلاعِ، أمَّا عُمرُ فيُحتَمَلُ أن يَكونَ ذلك مِنه قَبلَ أن يَسمَعَ قِصَّةَ تَميمٍ، ثُمَّ لَما سَمِعَها لَم يَعُدْ إلى الحَلفِ الْمَذكورِ، وأمَّا جابِرٌ فشَهِدَ حَلِفَه عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاستَصحَبَ ما كان اطَّلَعَ عليه من عُمَرَ بحَضرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [2727] يُنظر: ((استدراكات البعث والنشور)) (ص: 30). .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الأحوالُ الشَّيطانيَّةُ، مِثلُ حالِ عَبدِ الله بنِ صَيَّادٍ الذي ظَهَرَ في زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان قَد ظَنَّ بَعضُ الصَّحابةِ أنَّه الدَّجَّالُ، وتَوَقَّفَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أمرِه حَتَّى تَبَيَّنَ لَه فيما بَعدُ أنَّه لَيسَ هو الدَّجَّالَ، لَكِنَّه كان من جِنسِ الكُهَّانِ) [2728] يُنظر: ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) (ص: 166). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (قَد كان ابنُ صيَّادٍ من يَهودِ الْمَدينةِ، وقيلَ: كان مِنَ الأنصارِ. واسمُه عَبدُ اللهِ، ويُقالُ: صافٍ. وقَد جاءَ هذا وهذا، وقَد يَكونُ أصلُ اسمِه صافٍ، ثُمَّ تَسَمَّى لَمَّا أسلَمَ بعَبدِ الله، وكان ابنُه عُمَارةُ بن عَبدِ الله من ساداتِ التَّابِعين، رَوى عَنه مالِكٌ وغَيرُه، وقَد قَدَّمنا أنَّ الصَّحيحَ أنَّ الدَّجَّالَ غَيرُ ابنِ صَيَّادٍ، وأنَّ ابنَ صيَّادٍ كان دَجَّالًا مِنَ الدَّجَاجِلةِ، ثُمَّ تِيبَ عليه بَعدَ ذلك، فأظهَرَ الإسلامَ. واللهُ أعلَمُ بضَميرِه وسَريرَتِه. وأمَّا الدَّجَّالُ الأكبَرُ فهو الْمَذكورُ في حَديثِ فاطِمةَ بنتِ قَيسٍ، الذي رَوَتْه عَن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن تَميمٍ الدَّاري، وفيه قِصَّةُ الجَسَّاسةِ، ثُمَّ يُؤذَنُ لَه في الخُروجِ في آخِرِ الزَّمانِ بَعدَ فتحِ الْمُسْلِمينَ مَدينةَ الرُّومِ الْمُسَمَّاةَ بقُسطنطينيَّةَ، فيَكونُ بُدُوُّ ظُهورِه من أصبَهانَ من حارةٍ بها يُقالُ لَها: اليَهوديَّةُ. ويَنصُرُه من أهلِها سَبعونَ ألْفَ يَهوديٍّ، عليهم الأسلِحةُ والسِّيجانُ، وهى الطَّيالِسةُ الخُضْرُ، وكَذلك يَنصُرُه سَبعونَ ألفًا مِنَ التَّتارِ، وخَلْقٌ من أهلِ خُراسانِ، فيَظهَرُ أوَّلًا في صورةِ مَلِكٍ مِنَ الْمُلوكِ الجَبابِرةِ، ثُمَّ يَدَّعي النُّبوَّةَ، ثُمَّ يَدَّعي الرُّبوبيَّةَ، فيَتبَعُه على ذلك الجَهَلةُ من بني آدَم، والطَّغامُ مِنَ الرَّعاعِ والعَوامِّ، ويُخالِفُه ويَرُدُّ عليه من هَداه الله من عِبادِه الصَّالِحين، وحِزبِ الله الْمُتَّقين، ويَتَدَنَّى فيَأخُذُ البِلادَ بَلَدًا بَلَدًا، وحِصنًا حِصنًا، وإقليمًا إقليمًا، وكورةً كورةً، ولا يَبقى بَلَدٌ مِنَ البِلادِ إلَّا وَطِئَه بخَيلِه ورَجِلِه، غَيرَ مَكَّةَ والمَدينةِ) [2729] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (19/ 204-206). .
وقال أيضًا: (الْمَقصودُ أنَّ ابنَ صيَّادٍ لَيسَ بالدَّجَّالِ الذي يَخرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ قَطْعًا؛ لحَديثِ فاطِمةَ بنتِ قيسٍ الفِهريَّةِ، وهو فيَصَلٌ في هذا الْمَقامِ. والله أعلَمُ) [2730] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (19/ 127). .
وقال السَّفارينيُّ: (اختَلَفَ النَّاسُ والصَّحابةُ ومَن بَعدَهم قَديمًا وحَديثًا في الدَّجَّالِ هَل هو صافي بن صيَّادٍ أو غَيرُه... والحاصِلُ أنَّ كونَ الدَّجَّالِ هو ابنَ صيَّادٍ بَعيدٌ بَل ضَعيفٌ) [2731] يُنظر: ((لوامع الأنوار البهية)) (2/ 107). .
وقال ابنُ بازٍ: (أمَّا من أدرَكَه النَّبيُّ فهو ابنُ صايِد، ويُقالُ لَه: ابنُ صَيَّادٍ، هذا لَيسَ هو الدَّجَّالَ؛ ولِهذا لَمَّا أرادَ عُمرُ قَتْلَه قال: لا خَيرَ لَكَ في قَتلِه، إن يَكُ هو فلا تُسَلَّطْ عليه، وإن لَم يَكُ هو فلا خَيرَ لَكَ في قَتلِه، والمَعروفُ أنَّه في جَزيرةٍ مِنَ الجُزُرِ، يَنتَظِرُ أن يُؤذَنَ لَه في الخُروجِ، وهو من بني آدَم، سَوفَ يَخرُجُ في الوَقتِ الذي حَدَّدَه اللهُ لَه) [2732] يُنظر: ((الموقع الرسمي لابن باز)). .
وقال أيضًا: (ابنُ صيَّادٍ من كَهَنةِ اليَهودِ اتُّهِمَ بأنَّه الدَّجَّالُ) [2733] يُنظر: ((الحلل الإبريزية)) (2/ 529). .
وقال عَنه أيضًا: (لَيسَ هو الدَّجَّالَ؛ لأنَّه مات، والدَّجَّالُ مَوجودٌ، وسَيَخرُجُ مَتى أرادَ اللهُ) [2734] يُنظر: ((الحلل الإبريزية)) (2/ 537). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (الصَّحيحُ أنَّ ابنَ صيَّادٍ لَيسَ هو الدَّجَّالَ الذي يُبعَثُ في آخِرِ الزَّمانِ، وإنَّما هو دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلةِ، يُشبِهُ الكُهَّانَ في تَخَرُّصِه وتَخمينِه، ولَكِنَّه لَيسَ هو الدَّجَّالَ الذي يُبعَثُ يَومَ تَقومُ السَّاعةُ، فيَقتُلُه عيسى بنُ مَريَمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ) [2735] يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) (1/235). .
فالأقرَبُ -والله أعلَمُ بالصَّوابِ- أنَّ ابنَ صيَّادِ دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلةِ، ولَيسَ هو الْمَسيحَ الدَّجَّالَ.

انظر أيضا: