الموسوعة العقدية

المبحثُ السادسَ عَشَرَ: من قَواعِدِ الرَّدِّ على المُخالِفينَ: التوقُّفُ عند الإيهامِ، والاستفصالُ عند الإجمالِ

إذا أورد المُنازعُ لفظًا مجمَلًا يحتَمِلُ حقًّا وباطلًا، فينبغي الاستفسارُ عن مُرادِ صاحِبِها بها؛ فإن أراد بها حقًّا قُبِل، وإن أراد بها باطِلًا رُدَّ.
وبعد اختيارِ المعنى الصَّحيحِ المرادِ مِن العبارةِ الموهِمةِ يُمنعُ من إطلاقِها، ويُركبُ للمعنى لفظُه الشَّرعيُّ، حتى ينتفيَ عنه الإيهامُ والإجمالُ:
مثال ذلك: لفظُ الجِهةِ لله تعالى:
فلو سأل سائِلٌ: هل تُثبِتون لله تعالى الجِهةَ؟
فالجوابُ: أنَّ لفظَ الِجهةِ لم يَرِدْ في الكِتابِ ولا في السُّنَّةِ لا إثباتًا ولا نفيًا، وهو لفظٌ مجمَلٌ محتَمِلٌ، ويغني عنه ما ثَبَت في الكِتابِ والسُّنَّةِ مِن أنَّ الله تعالى في السَّماءِ.
أمَّا الِجهةُ فقد يُرادُ بها جهةُ سُفلٍ، أو جهةُ عُلوٍّ تحيطُ باللهِ تعالى، أو جِهةُ عُلُوٍّ لا تحيطُ به.
أما المعنى الأوَّلُ فباطِلٌ؛ لمنافاتِه العلوَّ لله تعالى الثَّابِتَ بالكتابِ والسُّنةِ والإجماعِ والعَقلِ والفِطرةِ.
والثَّاني باطِلٌ أيضًا؛ لأنَّ الله تعالى أعظمُ من أن يحيطَ به شَيءٌ مِن مخلوقاتِه.
وأمَّا المعنى الثَّالِث فحَقٌّ يجب إثباتُه وقَبولُه؛ لأنَّ الله تعالى هو العَليُّ الأعلى، ولا يحيطُ به شيءٌ من مخلوقاتِه [230] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تَيميَّةَ (1/76)، ((القواعد المثلى)) لابن عثيمين (ص: 31). .
ولهذا يوجَدُ كثيرًا في كلامِ السَّلَف النَّهيُ عن إطلاقِ النَّفيِ أو الإثباتِ في مِثلِ هذه المواطِنِ:
قال أحمدُ بنُ حَنبلٍ: (فالجوابُ للجَهْميِّ إذا سأل فقال: أخبِرونا عن القرآنِ: هو اللهُ أو غيرُ اللهِ؟ قيل له: وإنَّ اللهَ جَلَّ ثناؤه لم يقُلْ في القرآنِ: إنَّ القرآنَ أنا، ولم يقُلْ: غيري، وقال: هو كلامي، فسَمَّيناه باسمٍ سمَّاه اللهُ به، فقلنا: كلامُ اللهِ. فمَن سَمَّى القرآنَ باسمٍ سَمَّاه الله به، كان من المهتَدِين، ومن سمَّاه باسمٍ غيرِه كان من الضَّالِّينِ) [231] يُنظر: ((الرد على الجهمية)) (ص: 106). .

انظر أيضا: