الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الرَّابِعُ: انقِطاعُ التوبةِ بحُضورِ المَوتِ

تكونُ التوبةُ مَقبولةً عند اللهِ تعالى حين تتوفَّرُ شُروطُها، ومنها أن تكونَ قَبلَ حُضورِ الموتِ [1392] يُنظر: ((التذكرة)) للقرطبي (2/ 414). .
قال اللهُ تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء: 17، 18].
قال ابنُ جَريرٍ في مَعنَى قَولِ اللَّهِ تعالى: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ: (تأويلُه: ثُمَّ يَتُوبونَ قَبلَ مماتِهم في الحالِ الَّتي يَفهَمونَ فيها أمرَ اللَّهِ تَبارَكَ وتعالى، ونَهْيَه، وقَبلَ أن يُغلَبوا على أنفُسِهم وعُقولِهم، وقَبلَ حالِ اشتِغالِهم بكَرْبِ الحَشرَجةِ وغَمِّ الغَرغَرةِ، فلا يَعرِفوا أمرَ اللَّه ونَهيَه، ولا يَعقِلوا التَّوبةَ؛ لِأنَّ التَّوبةَ لا تَكونُ توبةً إلَّا مِمَّن نَدِمَ على ما سَلَف وعَزمَ فيه على تَركِ المُعاوَدةِ، وهو يَعقِلُ النَّدَمَ، ويَختارُ تَركَ المُعاودةِ، فأمَّا إذا كانَ بكَربِ المَوتِ مَشغولًا، وبغَمِّ الحَشرَجةِ مَغمورًا، فلا إخالُه إلَّا عَنِ النَّدَمِ على ذُنوبه مَغلوبًا؛ ولِذلك قال مَن قال: إنَّ التَّوبةَ مَقبولةٌ ما لَم يُغرغِرِ العَبدُ بنَفسِه؛ فإن كانَ المَرءُ في تِلكَ الحالِ يَعقِلُ عَقْلَ الصَّحيحِ، ويَفهَمُ فهْمَ العاقِلِ الأريبِ، فأحدَثَ إنابةً من ذُنوبِه، ورَجَعةً من شُرودِه عَن رَبِّه إلَى طاعَتِه؛ كانَ إن شاءَ اللَّهُ مِمَّن دَخلَ في وعدِ اللَّهِ الَّذي وعَدَ التَّائِبينَ إلَيه من إجرامِهم من قَريبٍ) [1393] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/ 506-515). .
وقال القُرطُبيُّ: (قال عُلَماؤُنا رَحمَهم اللَّهُ: وإنَّما صَحَّت مِنه التَّوبةُ في هَذا الوقتِ؛ لِأنَّ الرَّجاءَ باقٍ، ويَصِحُّ النَّدمُ والعَزمُ على تَركِ الفِعلِ) [1394] يُنظر: ((التذكرة)) (1/ 63). .
وقال ابنُ كَثيرٍ: (يَقولُ تعالى: إنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ التَّوبةَ مِمَّن عَمِلَ السُّوءَ بجَهالةٍ ثُمَّ يَتُوبُ قَبلَ مُعايَنةِ المَلَكِ لِقَبضِ رُوحِه قَبلَ الغَرغَرةِ... فقَد دَلَّت هَذِه الأحاديثُ على أنَّ مَن تابَ إلَى اللَّهِ عزَّ وجَلَّ وهو يَرجو الحَياةَ فإنَّ توبتَه مَقبولةٌ مِنه... فأمَّا مَتَى وقَعَ الإياسُ مِنَ الحَياةِ، وعايَنَ المَلَكَ، وحَشْرَجتِ الرُّوحُ في الحَلْقِ، وضاقَ بها الصَّدرُ، وبَلَغَتِ الحُلقومَ، وغَرَغَرَتِ النَّفسُ صاعِدةً مِنَ الغَلاصِمِ، فلا توبةَ مَقبولةٌ حينَئِذٍ، ولاتَ حينَ مَناصٍ) [1395] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/ 235-238). .
وهذا مِثلُ قَولِه تعالى عن فِرْعَونَ: ... حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس: 90، 91].
قال ابنُ تيميَّةَ: (هذه التوبةُ لا تُمنَعُ إلَّا إذا عايَنَ أمرَ الآخرةِ، كما قال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ.. [النساء: 17] الآية. قال أبو العاليةِ: سألْتُ أصحابَ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن ذلك فقالوا لي: كُلُّ مَن عَصَى اللَّهَ فهو جاهِلٌ، وكُلُّ مَن تابَ قَبلَ المَوتِ فقَد تابَ من قَريبٍ، وأمَّا مَن تابَ عِندَ مُعايَنةِ المَوتِ فهَذا كَفِرْعونَ الَّذي قال: أنا اللَّه. حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قال اللهُ: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وهذا استفهامُ إنكارٍ بَيَّن به أنَّ هذه التوبةَ ليست هي التوبةَ المقبولةَ المأمورَ بها) [1396] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (18/190). .
وقال السَّعديُّ: (حتى إذا أدرك فِرْعَونَ الغَرَقُ وجَزَم بهلاكِه قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وهو الله الإله الحق، الذي لا إله إلا هو وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أي: المنقادينَ لدِينِ اللهِ، ولِما جاء به موسى، قال اللهُ تعالى مُبَيِّنًا أنَّ هذا الإيمانَ في هذه الحالةِ غيرُ نافعٍ له آلْآنَ تؤِمُن، وتُقِرُّ برَسولِ اللهِ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ أي: بارَزْتَ بالمعاصي والكُفرِ والتكذيبِ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فلا ينفَعُك الإيمانُ كما جرت عادةُ اللهِ أنَّ الكُفَّارَ إذا وَصَلوا إلى هذه الحالةِ الاضطراريَّةِ أنَّه لا ينفَعُهم إيمانهم؛ لأنَّ إيمانهم صار إيمانًا مشاهَدًا كإيمانِ من ورد القيامةَ، والذي ينفَعُ إنما هو الإيمانُ بالغَيبِ) [1397] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 372). .
وقد أخبر اللهُ تعالى عن الأُمَمِ المكَذِّبةِ بالرُّسُلِ في قديمِ الدَّهرِ بأنهم لَمَّا رأوا وقوعَ عَذابِ اللهِ بهم آمَنوا بالله تعالى، فلم يَقبَلِ اللهُ منهم توبتَهم.
قال اللهُ تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ [غافر: 84، 85].
قال ابنُ جريرٍ: (لم يَكُ ينفَعُهم تصديقُهم في الدُّنيا بتوحيدِ اللهِ عند معاينةِ عِقابِه قد نزل، وعذابِه قد حَلَّ؛ لأنهم صدَّقوا حين لا ينفَعُ التصديقُ مُصَدِّقًا؛ إذ كان قد مضى حُكمُ اللهِ في السَّابِقِ من عِلْمِه أنَّ من تاب بعد نزولِ العَذابِ مِنَ الله على تكذيبِه لم تنفَعْه توبتُه) [1398] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 374). .
وقال اللهُ سُبحانَه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ [آل عمران: 90].
قال ابنُ الجَوزيِّ: (في عِلَّةِ امتِناعِ قَبولِ توبتِهم أربَعةُ أقوالٍ: أحَدُها: أنَّهم ارتَدُّوا، وعَزموا على إظهارِ التَّوبةِ لِسَتْرِ أحوالِهم، والكُفرُ في ضَمائِرِهم. قاله ابنُ عَبَّاسٍ. والثَّاني: أنَّهم قَومٌ تابوا مِنَ الذُّنوبِ في الشِّركِ، ولَم يَتُوبوا مِنَ الشِّركِ، قاله أبو العاليةِ. والثَّالِثُ: أنَّ مَعناه: لَن تُقبَلَ توبَتُهم حينَ يَحضُرُهمُ المَوتُ، وهو قَولُ الحَسَنِ، وقَتادةَ، وعَطاءٍ الخُراسانيِّ، والسُّدِّيِّ. والرَّابعُ: لَن تُقبَلَ توبتُهم بَعدَ المَوتِ إذا ماتوا على الكُفرِ، وهو قَولُ مَجاهِدٍ) [1399] يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (1/ 302). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (قال الأكثَرونَ... لَن تُقبَلَ توبَتُهم حينَ يَحضُرُهمُ المَوتُ...قُلتُ: وذلك لِأنَّ التَّائِبَ راجِعٌ عَنِ الكُفرِ، ومَن لَم يَتُبْ فإنَّه مُستَمِرٌّ يَزدادُ كُفرًا بَعدَ كُفرٍ، فقَولُه: ثُمَّ ازْدَادُوا بمَنزِلةِ قَولِ القائِلِ: ثُمَّ أصَرُّوا على الكُفرِ، واستَمَرُّوا على الكُفرِ، وداموا على الكُفرِ، فهم كَفَروا بَعدَ إسلامِهم، ثُمَّ زادَ كُفْرُهم ما نَقَصَ، فهَؤُلاءِ لا تُقبَلُ تَوبَتُهم، وهيَ التَّوبةُ عِندَ حُضورِ المَوتِ؛ لِأنَّ مَن تابَ قَبلَ حُضورِ المَوتِ فقَد تابَ من قَريبٍ، ورَجَع عَن كُفْرِه، فلَم يَزدَد بَل نَقَصَ، بخِلافِ المُصرِّ إلَى حينِ المُعايَنةِ، فما بَقيَ لَه زَمانٌ يَقَعُ لِنَقصِ كُفرِه فضلًا عَن هَدْمِه) [1400] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (16/29). .
قال ابنُ باز: (قَولُه سُبحانَه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَروا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا فليس معناها أنَّ من زاد كُفْرُه أو تكرَّر، لا يتوبُ اللهُ عليه، وإنما معناها عند أهلِ العِلمِ استمرارُه على الكُفرِ حتى يموتَ، كما قال اللهُ سُبحانَه في الآيةِ الأخرى في سورةِ البَقَرةِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ *خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ [البقرة: 161، 162]، وقال تعالى في سورةِ آلِ عِمرانَ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران: 91]، وقال أيضًا في سورة البقرة: وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 217] ؛ فقد أوضح اللهُ سُبحانَه في هذه الآياتِ الثَّلاثِ أنَّ حُصولَ العَذابِ واللَّعنةِ وعَدَمَ القَبولِ وحُبوطَ الأعمالِ، كُلُّ ذلك مُقَيَّدٌ بالموتِ على الكُفرِ، وقد أجمع العلماءُ رحمهم اللهُ على أنَّ الكافِرَ مهما تنوَّع كُفرُه ومهما تكرَّرت رِدَّتُه فإنَّه مقبولُ التوبةِ عند اللهِ إذا تاب توبةً نَصُوحًا) [1401] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/ 299). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (لا بُدَّ أن تَكونَ التَّوبةُ قَبلَ حُلولِ الأجلِ -يعني المَوتَ-، فإن كانَت بَعدَ حُلولِ الأجَلِ فإنَّها لا تَنفعُ التَّائِبَ؛ لِقَولِ اللهِ تعالى: وَلَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [النِّساءُ: 18] هَؤُلاءِ لَيسَ لَهم تَوبةٌ!
وقال تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ [غافر: 84، 85]؛ فالإنسانُ إذا عايَنَ المَوتَ وحَضرَه الأجَلُ، فهَذا يعني أنَّه أَيِسَ مِنَ الحَياةِ، فتَكونُ تَوبتُه في غَيرِ مَحَلِّها بَعدَ أن أيِسَ مِنَ الحَياةِ، وعَرَف أنَّه لا بَقاءَ لَه، يَذهَبُ فيتوبُ! هَذِه توبةُ اضطِرارٍ، فلا تَنفعُه ولا تُقبَلُ مِنه، لا بُدَّ أن تَكونَ التَّوبةُ سابقةً) [1402] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (1/ 91). .
الفَرْقُ بين الاحتِضارِ والغَرْغَرةِ
ثمَّة فَرقٌ بين الاحتضارِ والغَرْغَرةِ؛ فالاحتضارُ أعَمُّ وأوسَعُ، والغَرْغَرةُ جزءٌ منه، وهي آخِرُه، وهي الحَشْرَجةُ عند الموتِ، وترَدُّدُ النَّفسِ.
قال الجوهريُّ: (الحَشْرَجةُ: الغَرْغَرةُ عند الموتِ، وترَدُّدُ النَّفسِ) [1403] يُنظر: ((الصحاح)) (1/ 306). .
وقال الفيروزآبادي: (غَرْغَر: جاد بنَفْسِه عند الموتِ) [1404] يُنظر: ((القاموس المحيط)) (ص: 450). .
وتُقبَلُ التوبةُ حالَ الاحتضارِ -أو مَرَضِ الموتِ- قبل الغرغرةِ والمعاينةِ والنَّزعِ، فأمَّا بعد ذلك فلا.
فعن سَعِيد بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأَبِي طَالِبٍ: ((يَا عَمِّ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ )) [1405] أخرجه البخاري (1360)، ومسلم (24). .
قال ابنُ مُفلِحٍ: (الخَبَرُ الَّذي أخرجه البُخاريُّ ومُسْلِمٌ أنَّه لَمَّا حَضَرتْ أبَا طالِبٍ الوفاةُ، المُرادُ: قُربَ وفاتِه حَضَرَت دَلائِلُها، وذلك قَبلَ المُعايَنةِ والنَّزعِ، ولَو كانَ في حالِ المُعايَنةِ والنَّزعِ لَما نَفعَه الإيمانُ؛ لِقَولِه تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [النساء: 18]. ويَدُلُّ على أنَّه قَبلَ المُعايَنةِ مُحاورَتُه لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ كُفَّارِ قُرَيشٍ) [1406] يُنظر: ((الآداب الشرعية)) (1/ 112). .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (قولُه: أنَّ أبا طالبٍ لَمَّا حضرَتْه الوفاةُ، أي: قبل أن يدخُلَ في الغَرغرةِ) [1407] يُنظر: ((فتح الباري)) (7/ 195). .
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِه فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ. فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وَهْوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ [1408] أخرجه البخاري (1356). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (وفي قَولِه: ((أنقَذَه بي من النَّارِ )) دلالةٌ على أنَّه صَحَّ إسلامُه) [1409] يُنظر: ((فتح الباري)) (3/ 221). .

انظر أيضا: