الموسوعة العقدية

المَطلَبُ الأوَّلُ: أقسامُ الأولياءِ

أولياءُ اللهِ تعالى على طَبَقَتينِ:
1- سابِقونَ مُقَرَّبونَ.
2- أصحابُ يَمينٍ مُقتَصِدونَ.
وقد ذَكرَهم اللهُ تعالى في مَواضِعَ من كِتابِه العَزيزِ.
قال اللهُ تعالى: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ [الواقعة: 1 - 14] .
 قال ابنُ جُزيٍّ: (وكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً هَذا خِطابٌ لجَميعِ النَّاسِ؛ لأنَّهم يَنقَسِمونَ يَومَ القيامةِ إلى هذه الأصنافِ الثَّلاثةِ، وهم: السَّابِقونَ، وأصحابُ اليَمينِ، وأصحابُ الشِّمالِ؛ فأمَّا السَّابِقونَ فهم: أهلُ الدَّرَجاتِ العُلا في الجَنَّةِ، وأمَّا أصحابُ اليَمينِ فهم سائِرُ أهلِ الجَنَّةِ، وأمَّا أصحابُ الشِّمالِ فهم أهلُ النَّارِ) [1123] يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/ 333). .
وقال اللهُ سُبحانَه: فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأنتم حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة: 83 - 96] .
 قال ابنُ كثيرٍ: (هذه الأحوالُ الثَّلاثةُ هي أحوالُ النَّاسِ عِندَ احتِضارِهم: إمَّا أن يَكونَ من المُقَرَّبينَ أو يَكونَ مِمَّن دونَهم من أصحابِ اليَمينِ، وإمَّا أن يَكونَ من المُكذِّبينَ الضَّالِّينَ عَنِ الهُدى، الجاهلينَ بأمرِ اللهِ) [1124] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 548). .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا من عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا من أَسَاوِرَ من ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ من فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ [فاطر: 32-35] .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (هذه الأصنافُ الثَّلاثةُ في هذه الآيةِ هم أمَّةُ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاصَّةً، كما قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا من عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر: 32] ، وأمَّةُ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هم الذينَ أُورِثوا الكِتابَ بَعدَ الأمَمِ المُتَقدِّمةِ، وليسَ ذلك مُختَصًّا بحُفَّاظِ القُرآنِ، بَل كُلُّ من آمَنَ بالقُرآنِ فهو من هؤلاء، وقَسَّمَهم إلى ظالِمٍ لنَفسِه ومُقتَصِدٍ وسابِقٍ، بخِلافِ الآياتِ الَّتي في الواقِعةِ والمُطَفِّفينَ والِانفِطارِ؛ فإنَّه دَخلَ فيها جَميعُ الأمَمِ المُتَقدِّمةِ كافِرُهم ومُؤمِنُهم) [1125] يُنظر: ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) (ص: 37). .
قال السَّعديُّ: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا وهم هذه الأمَّةُ.
فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لنَفسِه بالمَعاصي، الَّتي هي دونَ الكفرِ.
وَمِنْهُمْ مُقتَصِدٌ مُقتَصِرٌ على ما يَجِبُ عليه، تارِكٌ للمُحرَّمِ.
وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخَيْرَاتِ أي: سارعَ فيها واجتَهَدَ، فسَبَقَ غيرَه، وهو المُؤَدِّي للفرائِضِ، المُكثِرُ من النَّوافِلِ، التَّارِكُ للمُحرَّمِ والمَكروهِ.
فكُلُّهم اصطَفاه اللهُ تعالى لوِراثةِ هَذا الكِتابِ، وإنْ تَفاوَتَت مَراتِبُهم، وتَميَّزَت أحوالُهم) [1126] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 689). .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ اللهَ قال: من عادى لي وليًّا فقد آذَنتُه بالحَربِ، وما تَقَرَّبَ إليَّ عَبدي بشيءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبدي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حَتى أحِبَّه، فإذا أحبَبْتُه، كُنتُ سَمعَه الذي يَسمَعُ به، وبَصَرَه الذي يُبصِرُ به، ويَدَه الَّتي يَبطِشُ بها، ورِجْلَه الَّتي يَمشي بها، وإنْ سَألني لأعطِيَنَّه، ولَئِنِ استَعاذَني لأُعيذَنَّه، وما تَرَدَّدْتُ عَن شيءٍ أنا فاعِلُه تَردُّدي عَن نَفسِ المُؤمِنِ؛ يَكرَهُ المَوتَ، وأنا أكرَهُ مَساءَتَه )) [1127] رواه البخاري (6502). .
 قال ابنُ تَيميَّةَ: (فحَدُّ أولياءِ اللهِ: هم المُؤمِنونَ المُتَّقونَ، ولَكِنَّ ذلك يَنقَسِمُ إلى عامٍّ، وهم المُقتَصِدونَ، وخاصٍّ، وهم السَّابِقونَ، وإن كانَ السَّابِقونَ هم أعلى دَرَجاتٍ كالأنبياءِ والصِّدِّيقينَ،... وأمَّا الظَّالِمُ لنَفسِه من أهلِ الإيمانِ: فمَعَه من وَلايةِ اللهِ بقَدْرِ إيمانِه وتَقواه كما مَعَه من ضِدِّ ذلك بقَدْرِ فُجورِه؛ إذِ الشَّخصُ الواحِدُ قد يَجتَمِعُ فيه الحَسَناتُ المُقتَضيةُ للثَّوابِ، والسَّيِّئاتُ المُقتَضيةُ للعِقابِ، حَتى يُمكِنَ أن يُثابَ ويُعاقَبَ، وهَذا قَولُ جَميعِ أصحابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ وأئِمةِ الإسلامِ وأهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، الذينَ يَقولونَ: إنَّه لا يُخلَّدُ في النَّارِ مَن في قَلبِه مِثقالُ ذَرَّةٍ من إيمانٍ) [1128] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (10/6). .
وقال أيضًا: (الأبرارُ أصحابُ اليَمينِ هم المُتَقَرِّبونَ إليه بالفرائِضِ يَفعَلونَ ما أوجَبَ اللهُ عليهم ويَتركونَ ما حَرَّمَ اللهُ عليهم، ولا يُكَلِّفونَ أنفُسَهم بالمَندوباتِ، ولا الكفِّ عَن فُضولِ المَباحاتِ. وأمَّا السَّابِقونُ المُقَرَّبونَ فتَقَرَّبوا إليه بالنَّوافِلِ بَعدَ الفرائِضِ، ففعَلوا الواجِباتِ والمُستَحَبَّاتِ، وتَركوا المُحَرَّماتِ والمَكروهاتِ، فلَما تَقَرَّبوا إليه بجَميعِ ما يَقدِرونَ عليه من مَحبوباتِهم أحَبَّهم الرَّبُّ حُبًّا تامًّا، كما قال تعالى: ((ولا يَزالُ عَبدي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حَتى أحِبَّه )) يَعني الحُبَّ المُطلَقَ، كقَولِه تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6، 7] أي: أنعَم عليهم الإنعامَ المُطلَقَ التَّامَّ المَذكورَ في قَولِه تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69] فهؤلاء المُقَرَّبونَ صارَتِ المَباحاتُ في حَقِّهم طاعاتٍ، يَتَقَرَّبونَ بها إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فكانَت أعمالُهم كُلُّها عِباداتٍ للهِ) [1129] يُنظر: ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) (ص: 34). .

انظر أيضا: