الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الثالثُ: ذِكْرُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأمرٍ يتعَلَّقُ به

ومن ذلك: ذِكْرُ مَوضِعِ مَبعَثِه؛ ففي سِفرِ التثنيةِ الإصحاحِ الثَّالِثِ والثلاثين، فقرة (2): (جاء الرَّبُّ مِن سيناءَ، وأشرق لهم من سعيرٍ، وتلألأ من جَبَل فاران) وفاران هي جِبالُ مكَّةَ؛ حيث أوحى اللهُ لمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكونُ جِبالِ فاران هي مكَّةَ، دَلَّت عليه نصوصٌ من التوراةِ.
قال الشَّوكانيُّ: (قال جماعةٌ من العُلَماءِ: إنَّ معنى تجَلِّي نورِ اللهِ سُبحانَه من طُورِ سِيناءَ، أو مجيئِه من طُورِ سِيناءَ هو إنزالُه التوراةَ على موسى بطُورِ سِيناءَ، ومعنى إشراقِه من جَبَلِ سيعير إنزالُه الإنجيلَ على المسيحِ، وكان المسيحُ مِن سيعير أو ساعير، وهي أرضُ الخليلِ مِن قريةٍ منها تُدعى ناصِرَة، وباسمِها سُمِّيَ أتباعُه نصارى، ومعنى لوَّح به من جَبَلِ فاران أو استعلن من جَبَلِ فاران إنزالُه القُرآنَ على مُحَمَّدٍ، وجبال فاران هي جِبالُ مكَّةَ بلا خلافٍ بين عُلَماءِ المُسلِمين وأهلِ الكِتابِ) [1066] يُنظر: ((إرشاد الثقات)) للشوكاني (ضمن الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني) (1/510). .
ومِمَّا يؤيِّدُ هذا ما في التوراةِ في السِّفرِ الأوَّلِ منها ما لَفظُه: (وغدا إبراهيمُ فأخذ الغلامَ يعني إسماعيلَ، وأخذ خُبزًا وسِقاءً من ماءٍ ودفعه إلى هاجَرَ، وحمله عليها، وقال لها: اذهبي، فانطلَقَت هاجَرُ فظَلَّت سَبْعًا، ونَفِد الماءُ الذي كان معها، فطرحت الغلامَ تحت شجرةٍ وجلسَت مقابِلَتَه على مقدارِ رَميةِ سَهمٍ لِئلَّا تبصِرَ الغلامَ حين يموت، ورفعت صوتَها بالبكاءِ، وسمِعَ اللهُ صوتَ الغلامِ، فدعا مَلَكُ اللهِ هاجَرَ، وقال لها: ما لَكِ يا هاجَرُ؟ لا تخشَيْ؛ فإنَّ اللهَ قد سمع صوتَ الغلامِ حيث هو، فقومي فاحملي الغلامَ وشُدِّي يديك به؛ فإني جاعِلُه لأُمَّةٍ عظيمةٍ، وفتح الله عينيها فبَصُرَت بِئرَ ماءٍ، فسقت الغلامَ، وملأت سِقاها، وكان اللهُ مع الغلامِ، فرُبِّيَ وسكن في بَرِّيَّة فاران).
ولا خِلافَ أنَّ إسماعيلَ سكن أرضَ مَكَّةَ، فعُلِمَ أنَّها فاران، وقد حكى اللهُ سُبحانَه في القُرآنِ الكريمِ ما يفيدُ هذا، فقال حاكيًا عن إبراهيمَ: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم: 37] .
ولا خِلافَ في أنَّ المرادَ بهذا الوادي أرضُ مكَّةَ، وفي الأحاديثِ الصَّحيحةِ الحاكيةِ لقِصَّةِ إبراهيمَ مع هاجَرَ ووَلَدِها إسماعيلَ ما يُفيدُ هذا ويوضِّحُه، ومِمَّا يؤيِّدُ هذه البشارةَ المذكورُ في كِتابِ نُبُوَّة النَّبِيِّ شمعون، ولَفظُه: (جاء اللهُ من جبالِ فاران، وامتلأت السَّمَواتُ والأرضُ من تسبيحِه وتسبيحِ أمَّتِه)، ومِثلُ ذلك البشارةُ المذكورةِ في نُبُوَّةِ النَّبِيِّ حبقوق، ولَفظُه: (جاء اللهُ من التيمُّنِ، وظهر القُدسُ على جِبالِ فاران، وامتلأت الأرضُ من تحميدِ أحمدَ، وملك يمينُه رفاتَ الأُمَمِ، وأنارت الأرضُ لنورِه، وحُمِلت خَيلُه في البَحرِ).
وفي هذا التصريحِ بجِبالِ فاران مع التصريحِ باسمِ نبيِّنا مُحَمَّدٍ بقَولِه: (وامتلأتِ الأرضُ من تحميدِ أحمدَ) تصريحٌ لا يبقى بعده رَيبٌ لمُرتابٍ [1067] يُنظر: ((إرشاد الثقات)) للشوكاني (ضمن الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني) (1/511). .
وفي فِقرة (16) يقولُ: (فإنَّه هكذا قال لي السَّيِّدُ في مُدَّةِ سَنةٍ كسَنةِ الأجيرِ يفنى كُلُّ مجدِ قيدار، وبقيَّةُ قِسِيِّ أبطالِ بني قيدار تقِلُّ؛ لأنَّ الربَّ إلهُ إسرائيلَ قد تكلَّم).
وهذا النَّصُّ يتحَدَّثُ عن معركةِ بَدرٍ، فإنَّه بعد سنة كسَنةِ الأجيرِ من الهجرةِ كانت وقعةُ بَدرٍ، وفَنِيَ مجد قيدار، وقيدار مِن أولادِ إسماعيلَ، وأبناؤه أهلُ مكَّةَ، وقد قَلَّت قِسِيُّ أبناء قيدار بعد غزوةِ بَدرٍ [1068] يُنظر: ((الرسل والرسالات)) لعمر الأشقر (ص: 169). ويُنظر: ((إرشاد الثقات)) للشوكاني (ضمن الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني) (1/510). .

انظر أيضا: