الموسوعة العقدية

المطلبُ الثاني: صِفةُ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في التوراةِ

عن عطاءِ بنِ يَسارٍ، قال: ((لَقِيتُ عبدَ اللهِ بنَ عَمرِو بنِ العاصِ، قلتُ: أخبِرْني عن صفةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في التوراةِ. قال: أجَلْ، واللهِ إنَّه لموصوفٌ في التوراةِ ببعضِ صفَتِه في القُرآنِ: يا أيُّها النَّبِيُّ إنَّا أرسلناك شاهِدًا ومُبَشِّرًا ونذيرًا وحِرْزًا للأُمِّيِّين، أنت عبدي ورَسولي، سمَّيتُك المتوكِّلَ، ليس بفَظٍّ، ولا غليظٍ، ولا سخَّابٍ [1063] قال ابن حجر: (يقالُ فيه الصَّخَبُ -بالصاد المهملة بدَلَ السِّين- وهو رَفعُ الصَّوتِ بالخِصامِ). ((فتح الباري)) (4/ 343). في الأسواقِ، ولا يَدفَعُ بالسَّيِّئةِ السَّيِّئةَ، ولكِنْ يعفو ويغفِرُ، ولن يقبِضَه اللهُ حتى يقيمَ به المِلَّةَ العَوجاءَ بأن يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ويفتَحَ بها أعيُنًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا، وقُلوبًا غُلفًا )) [1064] رواه البخاري (2125). .
وهذه البِشارةُ ليست موجودةً في التوراةِ المُنتَشِرةِ اليومَ بين اليهودِ والنصارى، فإن كان المرادُ بالتوراةِ التوراةَ المُعَيَّنةَ، فتكونُ هذه البِشارةُ مِمَّا أخفَتْه اليهودُ، وقد تكونُ مخفِيَّةً عندهم مِمَّا لا يطَّلِعُ عليه إلَّا أحبارُهم، إلَّا أنَّه قد تُطلَقُ التوراةُ ولا يرادُ بها توراةُ موسى، بل يرادُ بها الكتُبُ المنَزَّلةُ من عندِ اللهِ، وعلى ذلك فهذه البِشارةُ موجودةٌ عندهم في نُبُوَّة أشعيا؛ فقد جاء فيها: (عبدي الذي سُرَّت به نفسي، أُنزِلُ عليه وَحْيي، فيُظهِرُ في الأُمَمِ عَدلي، ويُوصيهم بالوصايا، لا يَضحَكُ، ولا يُسمَعُ صَوتُه في الأسواقِ، يفتَحُ العُيونَ العورَ، والآذانَ الصُّمَّ، ويحيي القلوبَ الغُلْفَ، وما أعطيه لا أعطيه أحدًا، يحمَدُ اللهَ حمدًا جديدًا، يأتي من أقصى الأرضِ، وتفرَحُ البريَّةُ وسُكَّانُها، يُهَلِّلون اللهَ على كلِّ شَرَفٍ، ويكبِّرونه على كُلِّ رابيةٍ، لا يَضعُفُ ولا يُغلَبُ، ولا يميلُ إلى الهوى مشقحٌ، ولا يُذِلُّ الصَّالحين الذين هم كالقَصَبةِ الضَّعيفةِ، بل يقوِّي الصِّدِّيقين، وهو ركنُ المتواضِعين، وهو نورُ اللهِ الذي لا ينطفي، أثَرُ سُلطانِه على كَتِفَيه) [1065] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (5/157). .

انظر أيضا: