الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الثَّاني: بِشارةُ موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ

قال اللهُ تعالى: عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 156-157] .
قال البغوي: (أي: يجِدون صِفَتَه ونَعْتَه ونبُوَّتَه مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) [1054] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (2/238). .
وقد بَقِيَ من هذه البِشارةِ بَقِيَّةٌ في التوراةِ؛ ففي سِفرِ التثنية، الإصحاح (18) فقرة 18-19 قال اللهُ لموسى: (أقيمُ لهم أي لبني إسرائيلَ نبيًّا من وسَطِ إخوتهم مِثْلَك، وأجعَلُ كلامي في فَمِه، فيكَلِّمُهم بكُلِّ ما أوصيه به، ويَكونُ أنَّ الإنسانَ الذي لا يسمَعُ كلامي الذي يتكلَّمُ به باسمي أنا أطالِبُه) [1055] يُنظر: ((محمد في التوراة والإنجيل والقرآن)) لإبراهيم خليل أحمد (القس سابقا) (ص: 45)، ((نبوة محمد من الشك إلى اليقين)) لفاضل السامرائي (ص: 252). ويُنظر: ((هداية الحيارى)) لابن القيم (1/316). .
ودَلالةُ هذه البِشارةِ على مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيِّنةٌ؛ ذلك أنَّه من بني إسماعيلَ، وهم إخوةُ بني إسرائيلَ، فجدُّهم هو إسحاقُ، وإسماعيلُ وإسحاقُ أخوانِ، ثُمَّ هو أوسَطُ العَرَبِ نسَبًا، وقَولُه: مِثْلَك، أي: صاحِبَ شريعةٍ مِثلَ موسى، ومُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو الذي جعل اللهُ كلامَه في فَمِه؛ حيث كان أميًّا لا يقرأُ من الصُّحُفِ، ولكنَّ اللهَ يُوحي إليه كلامَه، فيَحفَظُه ويُرَتِّلُه، وهو الرَّسولُ المُرْسَلُ إلى النَّاسِ كافَّةً، وبنو إسرائيلَ مُطالَبون باتِّباعِه وتَرْكِ شريعَتِهم لشريعتِه، ومن لم يفعَلْ فإنَّ اللهَ مُعَذِّبُه (ويَكونُ أنَّ الإنسانَ الذي لا يسمَعُ لكلامي الذي يتكلَّمُ به باسمي أنا أطالِبُه).
ومِمَّا يُبَيِّنُ أنَّ هذه البِشارةَ هي بَقِيَّةُ البِشارةِ العظيمةِ التي أوحى اللهُ بها إلى موسى، وأخبر بها القُرآنُ الكريمُ، أنَّ هذه البشارةَ وردت في موقفٍ مُعَيَّنٍ، فعندما اختار موسى من قومِه سبعين رجلًا لميقاتِ اللهِ أخذَتْهم الرَّجفةُ، وذلك بسَبَبِ طَلَبِهم رؤيةَ اللهِ جَلَّ وعلا، فدعا موسى ربَّه وتوسَّل إليه، فبعثَهم اللهُ من بَعدِ مَوتِهم، فقال اللهُ بعد توسُّلِ موسى ودعائِه: عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ... الآيات.
وعند الرُّجوعِ إلى التوراةِ نجِدُ أنَّ اللهَ تعالى قد أوحى بهذه البِشارةِ إلى موسى بعد ذهابِه لميقاتِ اللهِ، وتتحدَّثُ التوراةُ عن شيءٍ قريبٍ من الرَّجفةِ؛ ففي سِفر الخروجِ، الإصحاحِ (20) فقرة (18): (وكان جميعُ الشَّعبِ يَرَونَ الرُّعودَ والبُروقَ، وصوتَ البوقِ، والجَبَلَ يُدَخِّنُ، ولَمَّا رأى الشَّعبُ ارتعدوا ووقفوا من بعيدٍ) [1056] يُنظر: ((الرسل والرسالات)) لعمر الأشقر (ص: 165). .

انظر أيضا: