الموسوعة العقدية

المبحثُ العاشرُ: من قَواعِدِ الرَّدِّ على المُخالِفينَ: عدمُ العِلمِ بالدَّليلِ ليس عِلمًا بالعَدَمِ

بعضُ المتناظِرينَ قد يجعَلُ عُمدتَه في نفيِ وُجودِ أمرٍ ما عَدَمَ عِلْمِه بالدَّليلِ على وُجودِه، والأصلُ أنَّ عَدَمَ العِلمِ بالدَّليلِ ليس عِلمًا بالعَدَمِ، وعَدَمَ الوِجدانِ ليس نفيًا للوُجودِ، فكما أنَّ الإثباتَ يحتاجُ إلى دليلٍ، فكذلك النَّفيُ يحتاجُ إلى دليلٍ، وإلَّا فما لم يُعلَم وجودُه بدليلٍ مُعَيَّنٍ، قد يكون معلومًا بأدِلَّةٍ أُخرى.
قال اللهُ تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ [يونس: 39] فهذا نعيٌ على كُلِّ من كذَّب بما قَصَر عنه عِلْمُه.
فمن نفى كثيرًا من الغيبيَّاتِ؛ كالصِّفاتِ، والقَدَرِ، والملائِكةِ، والجِنِّ، وأحوالِ البَرزَخِ، والمعادِ؛ لعَدَمِ قيامِ دَليلِ الحِسِّ والمشاهَدةِ، أو دليلِ العَقلِ -كما يَزعُمُ- كان غالطًا؛ لأنَّه أخَبَر عن نَفْسِه، ولا يمنَعُ أن يكونَ غيرُه قد قام عندَه دليلُ العقلِ، أو دليلُ السَّمعِ، أو دليلُ المشاهَدةِ، كما وقع ذلك للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مشاهَدةِ الجِنِّ والملائكةِ وأحوالِ البَرزَخِ والمَعادِ.
ويُستَثنى من هذه القاعدةِ ما إذا كان وجودُ المدلولِ مُستلزِمًا لوجودِ الدَّليلِ، وقد عُلِمَ عدمُ الدَّليل، فيَقَعُ العلمُ بعَدَمِ المدلول المستلزِم لدليلِه؛ لأنَّ عَدَمَ اللَّازمِ دليلٌ على عدمِ الملزومِ، فمثلًا: قد ثبَتَ توافُرُ الدَّواعي على نَقْلِ كِتابِ اللهِ تعالى ودينِه؛ فإنَّه لا يجوزُ على الأمَّةِ كتمانُ ما يحتاجُ النَّاسُ إلى نَقْلِه، فلمَّا لم يُنقَلْ ما يحتاجون إليه في أمرِ دِينِهم نقلًا عامًّا، عَلِمْنا يقينًا عدمَ ذلك، نحوُ سورةٍ زائدةٍ، أو صلاةٍ سادِسةٍ، ونَحْو ذلك [222] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (9/132)، ((الرد على المنطقيين)) (ص: 100)، ((رفع الملام)) (ص: 52) جميعها لابن تَيميَّةَ. .

انظر أيضا: