الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الرَّابعُ: مُوالاتُهم ومَحَبَّتُهم جميعًا واجِبٌ، وبُغضُهم وعداوتُهم كُفرٌ

قال اللهُ تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة: 56] .
قال ابنُ تَيمِيَّةَ في تلك الآيةِ ونحوِها: (أمَرَ بموالاتِهم، والموالاةُ تقتضي الموافَقةَ والمتابعةَ، كما أنَّ المعاداةَ تقتضي المخالَفةَ والمجانَبةَ) [429] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (20/498). .
وقد حذَّر اللهُ من مُعاداةِ رُسُلِه وعَطَفَها في الذِّكرِ على معاداةِ اللهِ وملائكتِه، وقرن بينهما في العقوبةِ والجزاءِ.
قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ [البقرة: 98] .
قال ابنُ كثيرٍ: (من عادى رَسولًا فقد عادى جميعَ الرُّسُلِ، كما أنَّ من آمن برسولٍ فإنَّه يَلزَمُه الإيمانُ بجَميعِ الرُّسُلِ، وكما أنَّ من كفر برَسولٍ فإنَّه يَلزَمُه الكُفْرُ بجَميعِ الرُّسُلِ... يقولُ تعالى: من عاداني وملائِكَتي ورُسُلِي -ورُسُلُه تَشمَلُ رُسُلَه من الملائِكةِ والبَشَرِ-... فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ فيه إيقاعُ المُظهَرِ مَكانَ المُضمَرِ؛ حيث لم يَقُل: فإنَّه عَدُوٌّ للكافِرين. قال: فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ... وإنَّما أظهر الاسمَ هاهنا لتقريرِ هذا المعنى وإظهارِه، وإعلامِهم أنَّ من عادى أولياءَ اللهِ فقد عادى اللهَ، ومن عادى اللهَ فإنَّ اللهَ عَدُوٌّ له، ومن كان اللهُ عَدُوَّه فقد خَسِرَ الدُّنيا والآخِرةَ) [430] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/341-343). .
وقال اللهُ سُبحانَه: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة: 24] .
قال القُرطبيُّ: (في الآيةِ دَليلٌ على وُجوبِ حُبِّ اللهِ ورَسولِه، ولا خِلافَ في ذلك بين الأُمَّةِ، وأنَّ ذلك مُقَدَّمٌ على كُلِّ محبوبٍ) [431] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (8/ 95). .
وقال السَّعْديُّ: (هذه الآيةُ الكريمةُ أعظَمُ دَليلٍ على وُجوبِ محَبَّةِ اللهِ ورَسولِه، وعلى تقديمِها على محبَّةِ كُلِّ شَيءٍ، وعلى الوعيدِ الشَّديدِ والمَقْتِ الأكيدِ على من كان شيءٌ من هذه المذكوراتِ أحَبَّ إليه من اللهِ ورَسولِه، وجِهادٍ في سَبيلِه.
وعلامةُ ذلك أنَّه إذا عُرِض عليه أمرانِ أحَدُهما يحبُّه اللهُ ورَسولُه، وليس لنَفْسِه فيه هوًى، والآخَرُ تحبُّه نَفْسُه وتَشتهيه، ولكنَّه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا للهِ ورَسولِه، أو يَنقُصُه؛ فإنَّه إن قَدَّم ما تهواه نفسُه على ما يحِبُّه اللهُ، دلَّ ذلك على أنَّه ظالمٌ تارِكٌ لِما يَجِبُ عليه) [432] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 332). .
وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )) [433] أخرجه البخاري (15) واللَّفظُ له، ومسلم (44). .
قال ابنُ باز: (الشهادتانِ أوَّلُ أركانِ الإسلامِ وأهمُّها... الواجِبُ العَمَلُ بمدلولِهما، ويَتضَمَّنُ ذلك إخلاصَ العبادةِ للهِ وَحْدَه، والإيمانَ بأنَّه المستَحِقُّ لها، وأنَّ عِبادةَ ما سِواه باطِلةٌ.
كما يقتضي مدلولُهما محبَّةَ اللهِ سُبحانَه، ومحبَّةَ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذه المحبَّةُ تقتضي عبادةَ اللهِ وَحْدَه وتعظيمَه، واتِّباعَ سُنَّةِ نَبيِّه) [434] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (2/ 206). .
وقال السعديُّ عن الرُّسُلِ: (يَجِبُ الإيمانُ بهم وبكُلِّ ما أَتَوه من اللهِ، ومحَبَّتُهم وتعظيمُهم) [435] يُنظر: ((الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة)) لعبد الرزاق البدر (ص: 200). .

انظر أيضا: