الموسوعة العقدية

المطلبُ السادسُ: مُحاربةُ الفَسادِ والانحِرافِ

وهذا ممَّا اتَّفَقت عليه الرِّسالاتُ، سواءٌ كان الفَسادُ عَقَدِيًّا أو خُلُقِيًّا، أو انحرافًا عن الفِطرةِ، أو عُدوانًا على البَشَرِ، أو تطفيفًا في الكَيلِ والميزانِ، أو غيرَ ذلك.
فقد أنكر يوسُفُ عليه السَّلامُ تعَدُّدَ الآلهةِ. قال اللهُ تعالى حاكيًا عنه قَولَه: إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لَا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لَا يَعْلَمُونَ [يوسف: 37 - 40] .
قال ابنُ عاشور: (أراد بالكلامِ الذي كلَّمَهما به تقريرَهما بإبطالِ دينِهما، فالاستفهامُ تقريريٌّ. وقد رتَّب لهما الاستدلالَ بوَجهٍ خِطابيٍّ قريبٍ من أفهامِ العامَّةِ؛ إذ فَرَض لهما إلهًا واحِدًا مُستفرِدًا بالإلَهيَّةِ كما هو حالُ مِلَّتِه التي أخبرهم بها، وفَرَض لهما آلهةً مُتفَرِّقين كُلُّ إلهٍ منهم إنَّما يتصرَّفُ في أشياءَ مُعَيَّنةٍ من أنواعِ الموجوداتِ تحت سُلطانِه لا يعدوها إلى ما هو من نطاقِ سُلطانِ غَيرِه منهم، وذلك حالُ مِلَّةِ القِبطِ، ثم فَرَض لهما مفاضلةً بين مجموعِ الحالَينِ؛ حالِ الإلهِ المنفَرِدِ بالإلَهيَّةِ، والأحوالِ المتفَرِّقةِ للآلهةِ المتعَدِّدينَ؛ لِيَصِلَ بذلك إلى إقناعِهما بأنَّ حالَ المنفَرِدِ بالإلَهيَّةِ أعظَمُ وأغنى، فيرجِعانِ عن اعتقادِ تعَدُّدِ الآلهةِ... وكانت ديانةُ القِبطِ في سائِرِ العُصورِ التي حَفِظَها التاريخُ وشَهِدت بها الآثارُ ديانةَ شِركٍ، أي تعَدُّدِ الآلهةِ) [109] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/ 274). .
وأنكر لوطٌ عليه السَّلامُ فاحِشةَ إتيانِ الرِّجالِ.
قال اللهُ سُبحانَه: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [الأعراف: 80، 81].
قال ابنُ كثير: (لوطٌ هو ابنُ هارانَ بنِ آزَرَ، وهو ابنُ أخي إبراهيمَ الخليلِ، عليهما السَّلامُ، وكان قد آمن مع إبراهيمَ عليه السَّلامُ، وهاجر معه إلى أرضِ الشَّامِ، فبعثه اللهُ تعالى إلى أهلِ "سَدُوم" وما حولها من القرى، يدعوهم إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ويأمُرُهم بالمعروفِ وينهاهم عمَّا كانوا يرتَكِبونَه من المآثِمِ والمحارِمِ والفواحِشِ التي اخترعوها، لم يسبِقْهم بها أحدٌ من بني آدَمَ ولا غَيرِهم، وهو إتيانُ الذُّكورِ. وهذا شيءٌ لم يكُنْ بنو آدَمَ تَعْهَدُه ولا تألَفُه، ولا يخطُرُ ببالِهم، حتى صنع ذلك أهلُ "سَدُومَ" عليهم لعائِنُ اللهِ) [110] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/ 444). .
وأنكر شُعَيبٌ عليه السَّلامُ على قَومِه انتهاكَهم حُقوقَ النَّاسِ.
قال تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاس أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأعراف: 85].
قال ابنُ جَريرٍ: (ولقد أرسَلْنا إلى وَلَدِ مَدْينَ أخاهم شُعَيبَ بنَ ميكيلَ، يدعوهم إلى طاعةِ الله والانتهاءِ إلى أمْرِه، وتَرْكِ السَّعيِ في الأرضِ بالفَسادِ والصَّدِّ عن سبيلِه، فقال لهم شُعَيبٌ: يا قَومِ اعبُدوا الله وَحْدَه لا شريكَ له، ما لكم من إلهٍ يَستوجِبُ عليكم العبادةَ غيرُ الإلهِ الذي خلقكم، وبيَدِه نَفْعُكم وضُرُّكم. قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، يقول: قد جاءتكم علامةٌ وحُجَّةٌ من اللهِ بحقيقةِ ما أقولُ وصِدْقِ ما أدعوكم إليه فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ يقولُ: أتِمُّوا للنَّاسِ حُقوقَهم بالكَيلِ الذي تَكِيلون به وبالوَزنِ الذي تَزِنون به وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ يقولُ: ولا تَظلِموا النَّاسَ حُقوقَهم، ولا تَنْقُصوهم إيَّاها) [111] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/ 311). .

انظر أيضا: