الموسوعة العقدية

المبحثُ الأولُ: الإيمانُ بأنَّها مُنَزَّلةٌ من عند اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وأنَّها كلامُ اللهِ تعالى لا كلامُ غَيرِه

أخبر اللهُ تعالى أنَّه أنزل التوراةَ والإنجيلَ والقُرْآنَ، فقال: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [آل عمران: 3- 4] .
قال ابنُ جَريرٍ: (يقولُ جَلَّ ثناؤه: يا مُحَمَّدُ، إنَّ رَبَّك ورَبَّ عيسى ورَبَّ كُلِّ شَيءٍ، هو الرَّبُّ الذي أنزل عليك الْكِتَابَ يعني بالكِتابِ القُرْآنَ بِالْحَقِّ يعني بالصِّدقِ فيما اختلف فيه أهلُ التوراةِ والإنجيلِ، وفيما خالفك فيه محاجُّوك من نصارى أهلِ نجرانَ، وسائِرِ أهلِ الشِّركِ غيرِهم مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يعني بذلك القُرْآنَ أنَّه مُصَدِّقٌ لِما كان قبله من كتُبِ اللهِ التي أنزلها على أنبيائِه ورُسُلِه، ومحَقِّقٌ ما جاءت به رُسُلُ اللهِ مِن عِندِه؛ لأنَّ مُنَزِّلَ جميعِ ذلك واحِدٌ، فلا يكونُ فيه اختلافٌ، ولو كان من عند غيرِه كان فيه اختلافٌ كثيرٌ) [22] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/ 180). .
وقال اللهُ سُبحانَه في شَأنِ التوراةِ: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: 75] .
فكَلامُ اللهِ الذي سَمِعوه ثمَّ حَرَّفوه هو التوراةُ [23] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/307). .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ في شَأنِ القُرْآنِ: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة: 6] .
قال الشِّنقيطيُّ: (حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ هو هذا القُرْآنُ العظيمُ. وهذه الآيةُ الكريمةُ من سورةِ بَراءةَ نَصٌّ صريحٌ في أنَّ هذا الذي نقرَؤُه ونتلوه هو بعينِه كلامُ اللهِ؛ فالصَّوتُ صَوتُ القارئِ، والكلامُ كَلامُ البارئِ؛ لأنَّ اللهَ صرَّح بأنَّ هذا المشرِكَ المُستجيرَ يَسمَعُ كَلامَ اللهِ يتلوه عليه نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فهذا المحفوظُ في الصُّدورِ، المقروءُ في الألسِنَةِ، المكتوبُ في المصاحِفِ: هو كلامُ الله جَلَّ وعلا بمعانيه وألفاظِه) [24] يُنظر: ((العذب النمير)) (5/280). .
ومن أقوالِ أهلِ العِلمِ في ذلك:
قال الحَلِيميُّ: (أمَّا الإيمانُ بسائِرِ الكُتُبِ مع الإيمانِ بالقُرْآنِ، فهو نظيرُ الإيمانِ بسائِرِ الرُّسُلِ مع الإيمانِ بنبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعليهم؛ لأنَّه قد أخبر عن اللهِ جَلَّ وعَزَّ أنَّه أنزل كُتُبًا على أنبياءَ كانوا قبله، كما أخبر عنه بأنَّه كانت للهِ تعالى قَبْلَه رسُلٌ وأنبياءُ، فلا يَكمُلُ تصديقُه فيما يَذكُرُ أنَّه أُنزِلَ عليه إلَّا بتصديقِه فيما أنَّه أُنزِلَ على غيرِه) [25] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/321). .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (الإيمانُ بكُتُبِ الله التصديقُ بأنها كلامُ اللهِ، وأنَّ ما تضمَّنَته حَقٌّ) [27] يُنظر: ((فتح الباري)) (1/117). .
وقال صُنعُ اللهِ الحَلبي: (الإيمانُ بها أن نصَدِّقَ أنَّها من عندِ اللهِ، وأنَّ ما اشتملت عليه حقٌّ، وأنَّ القُرْآنَ هو الناسِخُ لها؛ فالإيمانُ بالكُلِّ جملةً فَرضُ عَينٍ، وبالقُرْآنِ تفصيلًا من حيثُ إنَّا مُتعَبَّدونَ بتفاصيلِه) [28] يُنظر: ((سيف الله على من كذب على أولياء الله)) (ص: 107). .
وقال حافظٌ الحَكَميُّ: (معنى الإيمانِ بالكُتُبِ التصديقُ الجازمُ بأنَّ كُلَّها مُنَزَّلٌ من عند اللهِ عَزَّ وجَلَّ على رُسُلِه إلى عبادِه بالحَقِّ المُبِينِ والهُدى المُستَبِينِ، وأنَّها كلامُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ لا كلامُ غَيرِه، وأنَّ اللهَ تعالى تكلَّم بها حقيقةً كما شاء، وعلى الوَجهِ الذي أراد؛ فمنها المسموعُ منه من وَراءِ حِجابٍ بدونِ واسطةٍ، ومنها ما يُسمِعُه الرَّسولَ الملَكيَّ، ويأمُرُه بتبليغِه منه إلى الرَّسولِ البَشَريِّ... ومنها ما خَطَّه اللهُ بيَدِه عَزَّ وجَلَّ) [29] يُنظر: ((معارج القبول)) (2/672-675). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (أمَّا الإيمانُ بالكُتُبِ السَّابقةِ فهو أن نؤمِنَ بأنَّ اللهَ أنزل التوراةَ على موسى، والإنجيلَ على عيسى، وآتى داودَ الزَّبُورَ، وأنزل صُحُفًا على إبراهيمَ وموسى، وأنَّ كُلَّ ما جاء فيها من خبرٍ فهو حَقٌّ صِدقٌ) [30] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/445). .

انظر أيضا: