الموسوعة العقدية

المطلبُ الثالثُ: الصَّلاةُ على المُؤمِنينَ

أخبر اللهُ تعالى أنَّ المَلائِكةَ تُصَلِّي على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب: 56] .
وأخبر أنهم يُصَلُّون على المُؤمِنين أيضًا، فقال: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب: 43] .
والصَّلاةُ من اللهِ تعالى على العَبدِ ثناؤه عليه عند مَلائِكته، كما جاء عن أبي العاليةِ [4056] أخرجه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (4797)، وأخرجه موصولًا إسماعيل القاضي في ((فضل الصلاة على النبي)) (95). ولفظ البخاري: قال أبو العالية: صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة. .
وأمَّا الصَّلاةُ من المَلائِكة على المُؤمِنين فهي بمعنى الدُّعاءِ لهم [4057] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/ 175). .
وممَّا يَدُلُّ على أنَّ لصَلاةِ المَلائِكةِ آثارًا حَسَنةً على المُؤمِنين: قَولُ اللهِ تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب: 43] .
قال البغوي: (يعني: أنَّه برحمتِه وهدايتِه ودُعاءِ المَلائِكةِ لكم أخرَجَكم من ظُلمةِ الكُفْرِ إلى النُّورِ) [4058] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/ 647). .
وقال السَّعْديُّ: (من رحمتِه بالمُؤمِنين ولُطفِه بهم أن جَعَل من صلاتِه عليهم وثنائِه وصَلاةِ مَلائِكَتِه ودُعائِهم، ما يخرِجُهم من ظُلُماتِ الذُّنوبِ والجَهلِ، إلى نورِ الإيمانِ، والتوفيقِ، والعِلمِ، والعَمَلِ، فهذه أعظَمُ نِعمةٍ أنعم بها على العبادِ الطَّائعين، تستدعي منهم شُكْرَها، والإكثارَ مِن ذِكرِ اللهِ الذي لطَفَ بهم ورَحِمَهم) [4059] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 667). .
نماذِجُ من الأعمالِ التي تصَلِّي المَلائِكةُ بسَبَبِها على صاحِبِها:
1- الذين ينتَظِرون صلاةَ الجَماعةِ:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المَلائِكَةُ تُصَلِّي علَى أحَدِكُمْ ما دامَ في مُصَلَّاهُ ما لَمْ يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ )) [4060] أخرجه البخاري (659)، ومسلم (649) مطولًا. .
يُخبِرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ المَلائِكةَ تَستغفِرُ للعبدِ المُؤمِنِ ما دامَ في مكانِه الذي صلَّى فيه، أو المكانِ المُعدِّ للصَّلاةِ، فيَدخُلُ في هذا المعنى المُصلُّون والمنتَظِرونَ للصلاةِ، ويَشمَلُ هذا الأجرُ المرأةَ لو صلَّت فِي مَسجدِ بيْتِها وجَلَسَتْ فِيهِ تَنتظِرُ الصلاةَ إذا كان يحبِسُها عَن قيامِها لأشغالِها انتظارُ الصلاةِ. وهذا الثَّوابُ مَشروطٌ بألَّا يُحدِثَ المُنتظِرُ حَدَثًا، قيل: يعني ما لم يَعصِ؛ بأنْ يؤذِيَ أحدًا بغِيبةٍ، أو سِبابٍ، أو نحوِه، فيَشمَلُ الحَدَثُ الحَدَثَ باللِّسانِ مِن الكلامِ الفاحِشِ ونَحْوِه، والحَدَثَ بالأفعالِ التي لا تَجوزُ. وقِيلَ: بألَّا يُحدِثَ حَدَثًا يَنقُضُ الوضوءَ. وقيل: إنَّه يَشمَلُ الحدَثَينِ [4061] يُنظر: ((زاد العباد)) (ص: 341). .
2- الذين يُصَلُّون في الصَّفِّ الأوَّلِ:  
عن البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ اللهَ ومَلائِكَتَه يُصَلُّون على الصُّفوفِ الأُوَلِ )) [4062] رواه أبو داود (664)، وأحمد (18516) مطولًا. صَحَّحه العقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (4/86)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (664)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (18516)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (138)، وحَسَّن إسنادَه النووي في ((المجموع)) (4/226). . وفي روايةٍ: ((على الصُّفوفِ المتقَدِّمةِ)) [4063] رواه النسائي (811)، والحاكم (2099). صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (811). . وفي روايةٍ أخرى: ((إنَّ اللهَ ومَلائِكَتَه يُصَلُّون على الصَّفِّ الأوَّلِ)) [4064] أخرجه من طرقٍ: ابنُ ماجه (997) واللَّفظُ له، وأحمد (18621) مطولًا. صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (2157)، والنووي في ((المجموع)) (4/300)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (997)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (18621)، وحَسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (144). .
قال علي القاري: («إنَّ اللهَ ومَلائِكَتَه يُصَلُّون»: بإنزالِ الرَّحمةِ مِنَ الله تعالى، وبالدُّعاءِ بالتوفيقِ وغيرِه مِنَ المَلائِكةِ) [4065] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (3/ 854). .
3- الذين يَسُدُّون الفُرَجَ بين الصُّفوفِ:
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ ومَلائِكَتَه يُصَلُّون على الذين يَصِلون الصُّفوفَ، ومن سَدَّ فُرجةً رَفَعه اللهُ بها دَرَجةً )) [4066] أخرجه ابن ماجه (995)، وأحمد (24587) من حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عنها. صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (995)، وحَسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسد أحمد)) (24587). .
قال المناوي: («إنَّ اللهَ تعالى ومَلائِكَتَه يُصَلُّون على الذين يَصِلُون» من الوَصْلِ: ضِدُّ القَطعِ. «الصُّفوفَ» بحيث لا يبقى فيها ما يَسَعُ واقِفًا، أي: يَغفِرُ لهم ويأمُرُ مَلائِكتَه بأن يَستغفِروا لهم) [4067] يُنظر: ((فيض القدير)) (2/ 269). .
4- الذين يتَسَحَّرونَ:
قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ تعالى ومَلائِكَتَه يُصَلُّون على المتسَحِّرين )) [4068] أخرجه أحمد (11086) مطولًا من حديث أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (11086)، وحَسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3683)، وقوَّى إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/150)، والبوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (3/92). والحديث أخرجه ابن حبان (3467)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (6434)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (8/320) من حديث عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عنهما. صَحَّحه ابن حبان، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (13/135)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (3467)، وحَسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1844). .
قال الصَّنعانيُّ: (صَلاةُ اللهِ رَحمتُه لهم، وصلاةُ المَلائِكةِ دُعاؤهم لهم بالمغفرةِ، وهذا ترغيبٌ في السُّحورِ، وإعلامٌ بأنَّ فيه فائدتينِ مِنَ الإعانةِ على الصَّومِ ومحبَّةِ اللهِ لفاعِلِه ورحمتِه له، ودعاءِ المَلائِكةِ له بالمغفرةِ) [4069] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (6/ 464). .
5- الذين يُصَلُّون على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
عن عامِرِ بنِ رَبيعةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من صلَّى عَلَيَّ صَلاةً، لم تَزَلِ المَلائِكةُ تُصَلِّي عليه ما صَلَّى عَلَيَّ، فلْيُقِلَّ عَبدٌ مِن ذلك أو لِيُكثِرْ )) [4070] رواه ابن ماجه (907)، وأحمد (15680) واللفظ له. حَسَّنه ابن القيم في ((جلاء الأفهام)) (142)، وابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (118)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (907)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (15680)، وحَسَّنه في المتابعات المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/403)، والسخاوي في ((القول البديع)) (169). .
قال الصَّنعانيُّ: ( ((ما من عبدٍ يُصَلِّي عليَّ إلَّا صَلَّت عليه المَلائِكةُ)) استغفَرَتْ له. ((ما دام يُصَلِّي عليَّ، فلْيُقِلَّ العَبدُ من ذلك)) من الصَّلاةِ عَلَيَّ، ((أو لِيُكثِرْ))؛ فإنَّه خيرٌ له، تخييرٌ بين طرَفَيِ القِلَّةِ والكثرةِ، وهو حَثٌّ له على الإكثارِ) [4071] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (9/ 491). .

انظر أيضا: