الموسوعة العقدية

الفَرعُ الرَّابعُ: الآثارُ الإيمانيَّة لصِفةِ الوَجهِ للهِ تعالى

من الآثارِ الإيمانيَّةِ لصِفةِ وَجهِ اللهِ تعالى:
1- قَصْدُ الأعمالِ ابتِغاءَ وَجْهِه الكريمِ:
قال اللهُ تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف: 28] .
وقال اللهُ سُبحانَه حكايةً عن قَولِ الأبرارِ: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان: 9] .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل: 19-21] .
فجعل غايةَ أعمالِ الأبرارِ والمقَرَّبين والمحِبِّين إرادةَ وَجْهِه الكريمِ [3656] يُنظر: ((مدارج السالكين)) (3/ 24). .
وعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أرأيتَ رَجُلًا غزا يلتَمِسُ الأجرَ والذِّكرَ ما له؟ فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا شيءَ له))، فأعادها ثلاثَ مرَّاتٍ، يقولُ له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا شَيءَ له))، ثم قال: ((إنَّ اللهَ لا يقبَلُ من العَمَلِ إلَّا ما كان له خالِصًا، وابتُغِيَ به وَجْهُه )) [3657] أخرجه النسائي (3140) صححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3140)، وحَسَّن إسنادَه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (5/112)، وجَوَّده المنذريُّ في ((الترغيب والترهيب)) (1/40)، وابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (1/81)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (6/35)، والصنعاني في ((سبل السلام)) (4/68). .
وعن عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من بنى مسجدًا يبتغي به وَجْهَ اللهِ، بنى الله له مِثْلَه في الجَنَّةِ )) [3658] أخرجه البخاري (450) واللفظ له، ومسلم (533). .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من تعلَّم عِلمًا مما يُبتغى به وَجهُ اللهِ لا يتعَلَّمُه إلَّا ليُصيبَ به عَرَضًا من الدُّنيا، لم يجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ [3659] يعني: ريحَها الطَّيِّبةَ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/217). يومَ القيامةِ )) [3660] أخرجه أبو داود (3664) وابن ماجه (252)، وأحمد (8457) صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (78)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (252)، وصَحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3664)، وحَسَّنه ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/653).
وعن عِتبانَ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... فإنَّ اللهَ قد حَرَّم على النَّارِ من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ يبتغي بذلك وَجْهَ اللهِ )) [3661] أخرجه البخاري (425)، ومسلم (33) مطولاً. .
وعن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... إنَّك لن تُخَلَّفَ، فتَعمَلَ عَمَلًا تبتغي به وَجْهَ اللهِ، إلَّا ازدَدْتَ به درجةً ورفعةً )) [3662] أخرجه البخاري (1295)، ومسلم (1628). .
فينبغي للعبدِ أن يقصِدَ وَجْهَ اللهِ تعالى، ويخلِصَ العَمَلَ للهِ في كُلِّ وَقتٍ، وفي كُلِّ جزءٍ من أجزاءِ الخيرِ؛ ليَحصُلَ له بذلك الأجرُ العظيمُ، وليتعوَّدَ الإخلاصَ، فيكونَ من المخلِصِين، وليَتِمَّ له الأجرُ، سواءٌ تمَّ مقصودُه أم لا؛ لأنَّ النيَّةَ حَصَلت واقترن بها ما يمكِنُ مِنَ العَمَلِ [3663] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 202). .
2- الاستعاذةُ بوَجْهِه سُبحانَه:
عن جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: لَمَّا نزلت هذه الآيةُ: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ [الأنعام: 65] ، قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أعوذُ بوَجْهِك)). قال: أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، قال: ((أعوذُ بوَجْهِك)). قال: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام: 65] . قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((هذا أهوَنُ، أو هذا أيسَرُ)) [3664] أخرجه البخاري (4628). .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما: عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه كان إذا دخل المسجِدَ قال: ((أعوذُ باللهِ العظيمِ، وبوَجْهِه الكريمِ، وسُلطانِه القديمِ؛ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ)) قال: أقَطُّ؟ قلتُ: نعم. قال: ((فإذا قال ذلك، قال الشَّيطانُ: حُفِظ مني سائِرَ اليومِ )) [3665] أخرجه أبو داود (466)، والبيهقي في ((الدعوات الكبير)) (1/129). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (466)، وحسَّنَه النوويُّ في ((الأذكار)) (ص46)، وابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (1/277)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (814). .
قال ابنُ الموصلي: (تأمَّلْ كيف قرن في الاستعاذةِ بين استعاذتِه بالذاتِ وبين استعاذتِه بالوَجهِ الكريمِ، وهذا صريحٌ في إبطالِ قَولِ من قال: إنَّه الذاتُ نَفْسُها) [3666] يُنظر: ((مختصر الصواعق المرسلة)) (ص: 538). .
3- الطَّمعُ في رؤيةِ وَجهِ اللهِ تعالى:
عن عَمَّارِ بنِ ياسرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... وأسألُك لذَّةَ النَّظَرِ إلى وَجْهِك )) [3667] أخرجه مُطَوَّلًا النسائي (1305)، وابن حبان (1971) واللَّفْظُ لهما، والحاكم (1923) باختلِافٍ يسيرٍ. صَحَّحه ابن حبان، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1305)، وصَحَّح إسنادَه الحاكمُ، وقَوَّاه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (1971) وأخرجه من طريق آخر النسائي (1306)، وأحمد (18325) مُطَوَّلًا. صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1306)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (18325)، ووَثَّق رِجالَه الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (2/333). .
وعن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((جَنَّتانِ مِن فِضَّةٍ؛ آنيتُهما وما فيهما، وجنَّتانِ مِن ذَهَبٍ؛ آنيتُهما وما فيهما، وما بين القومِ وبين أن ينظُروا إلى رَبِّهم إلَّا رداءُ الكبرياءِ على وَجْهِه في جَنَّةِ عَدنٍ! )) [3668] أخرجه البـخاري (4878)، ومسلم (180) واللفظ له. .
ومن أعظَمِ نعيمِ الجَنَّةِ: التمَتُّعُ بالنَّظَرِ إلى وَجهِ اللهِ الكريمِ، وسَماعِ كَلامِه، وقُرَّةُ العَينِ بالقُربِ منه وبرِضوانِه.
وهل فَوقَ نَعيمِ قُرَّةِ العَينِ برُؤيةِ اللهِ الذي لا شَيءَ أجَلُّ منه، ولا أكمَلُ ولا أجمَلُ؛ قُرَّةُ عَينٍ البتَّةَ؟! [3669] يُنظر: ((الأسماء الحسنى والصفات العلى)) لعبد الهادي وهبي (ص: 330). .
نسألُ اللهَ تعالى مِن فَضْلِه العَظيمِ.


انظر أيضا: