الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ السَّادِسُ والثَّلاثون: الآثارُ الإيمانيَّةُ لاسْمِ اللهِ: اللَّطيفِ

إنَّ الله سُبحانَه وتعالى لا يفوتُه مِنَ العِلمِ شَيءٌ، وإن دَقَّ وصَغُرَ أو خَفِيَ.
جاء في قَولِه تعالى عن لقمانَ: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان: 16] .
وإذا عَلِمَ العَبدُ أنَّ رَبَّه مُتَّصِفٌ بدِقَّةِ العِلمِ، وإحاطتِه بكُلِّ صَغيرةٍ وكبيرةٍ؛ حاسب نَفْسَه على أقوالِه وأفعالِه، وحَرَكاته وسَكَناتِه؛ فإنَّه في كُلِّ وَقتٍ وحينٍ بين يَدَيِ اللَّطيفِ الخبيرِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [تبارك: 14].
ومن لُطفِ اللهِ بعِبادِه أنَّه يسوقُ إليهم أرزاقَهم، وما يحتاجون إليه في معاشِهم.
قال الغزالي: (إنما يستحِقُّ هذا الاسمَ من يعلَمُ دقائِقَ المصالحِ وغوامِضَها، وما دَقَّ منها وما لَطُف، ثم يسلُكُ في إيصالها إلى المستصلَحِ سَبيلَ الرِّفقِ دون العُنفِ، فإذا اجتمع الرِّفقُ في الفِعلِ واللُّطفُ في الإدراكِ، تمَّ معنى اللُّطفِ، ولا يُتصَوَّرُ كَمالُ ذلك في العِلمِ والِفعلِ إلَّا لله سُبحانَه وتعالى.
فأمَّا إحاطتُه بالدَّقائِقِ والخفايا فلا يمكِنُ تفصيلُ ذلك، بل الخَفِيُّ مَكشوفٌ في عِلْمِه كالجَلِيِّ، من غير فَرقٍ، وأمَّا رِفقُه في الأفعالِ ولُطفُه فيها فلا يدخُلُ أيضًا تحت الحصرِ؛ إذ لا يَعرِفُ اللُّطفَ في الفِعلِ إلَّا من عرف تفاصيلَ أفعالِه، وعَرَف دقائِقَ الرِّفقِ فيها، وبقَدرِ اتِّساعِ المعرفةِ فيها تتَّسِعُ المعرفةُ لمعنى اسم «اللطيف»، وشَرْحُ ذلك يستدعي تطويلًا، ثم لا يُتصَوَّرُ أن يفيَ بعُشرِ عَشيرِه مُجَلَّداتٌ كبيرةٌ، وإنما يمكِنُ التنبيهُ على بعضِ جُمَلِه.
فمن لُطفِه: خَلْقُه الجنينَ في بطنِ أمِّه في ظُلُماتٍ ثلاثٍ، وحِفظُه فيها وتغذيتُه بواسِطةِ السُّرَّةِ، إلى أن ينفَصِلَ، فيستقِلَّ بالتناوُلِ بالفَمِ، ثم إلهامُه إيَّاه عند الانفصالِ التقامَ الثَّديِ وامتصاصَه ولو في ظلامِ الليلِ، من غيرِ تعليمٍ ومُشاهدةٍ. بل تتفقَّأُ البيضةُ عن الفَرخِ وقد ألهمه التقاطَ الحَبِّ في الحالِ!
ثم تأخيرُ خَلقِ السِّنِّ عن أوَّلِ الخِلقةِ، إلى وَقتِ الحاجةِ للاستغناءِ في الاغتذاءِ باللَّبَنِ عن السِّنِّ، ثم إنباتُه السِّنَّ بعد ذلك عند الحاجةِ إلى طَحنِ الطَّعامِ، ثم تقسيمُ الأسنانِ إلى عريضةٍ للطَّحنِ، وإلى أنيابٍ للكسرِ، وإلى ثنايا حادَّةِ الأطرافِ للقَطعِ، ثم استعمالُ اللِّسانِ الذي الغَرَضُ الأظهَرُ منه النُّطقُ في رَدِّ الطعامِ إلى المطحَنِ كالِمجرَفةِ!
ولو ذُكِر لُطفُه في تيسيرِ لقمةٍ يتناوَلُها العبدُ مِن غَيرِ كُلفةٍ يتجَشَّمُها، وقد تعاون على إصلاحِها خَلقٌ لا يحصى عَدَدُهم؛ من مصلحِ الأرضِ وزارِعِها وساقيها، وحاصِدِها ومُنَقِّيها، وطاحِنِها وعاجِنِها وخابِزِها.. إلى غير ذلك؛ لكان لا يُستوفى شَرْحُه!) [3605] يُنظر: ((المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى)) (ص: 101). .

انظر أيضا: