موسوعة الأخلاق

ما يباح مِن الكَسَل


إذا أحس الإنسان في نفسه بشيء مِن الكَسَل بعد جهد كبير في الطَّاعة، فليرقد حتى يعود إليه نشاطه، كما بيَّن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك لزينب حينما دخل المسجد، فإذا حبلٌ ممدودٌ بين ساريتين، فقال: ((ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبلٌ لزينب، فإذا فَتَرت تعلَّقت به، فقال صلى الله عليه وسلم: لا، حلُّوه، ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فَتَرَ فليرقد )) [7214] الحديث رواه البخاري (1150)، ومسلم (784) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وقال: (إنَّ لكلِّ عمل شِرَّة [7215] شِرَّةٌ: الحرص على الشيء والنشاط فيه والرغبة. ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (8/3336). ، والشِّرَّة إلى فَتْرة [7216] فترة: وهنًا وضعفًا. ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (8/3336). ، فمَن كانت فَتْرَته إلى سنَّتي فقد اهتدى، ومَن كانت فَتْرَته إلى غير ذلك فقد ضلَّ) [7217] رواه أحمد (2/210) (6958)، وابن حبان (1/187) (11)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (11/159)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2152)، والوادعي في ((الصَّحيح المسند)) (810) على شرط الشيخين.
قال ابن القيِّم: (فتخلُّل الفترات للسَّالكين أمرٌ لازمٌ لا بدَّ منه، فمَن كانت فَتْرَته إلى مُقَاربة وتسديد، ولم تُخْرِجه مِن فرضٍ، ولم تُدْخِله في محرَّمٍ، رُجِي له أن يعود خيرًا ممَّا كان، قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه وأرضاه: إنَّ لهذه القلوب إقبالًا وإدبارًا، فإذا أقبلت فخذوها بالنَّوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض.
 وفي هذه الفترات والغيوم والحُجُب -التي تَعْرِض للسَّالكين- مِن الحِكَم ما لا يعلم تفصيله إلَّا الله، وبها يتبيَّن الصَّادق مِن الكاذب، فالكاذب ينقلب على عقبيه، ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه، والصَّادق ينتظر الفرج ولا ييأس مِن روح الله، ويلقي نفسه بالباب طريحًا ذليلًا مسكينًا مستكينًا، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه البتَّة، ينتظر أن يضع فيه مالك الإناء وصانعه ما يصلح له، لا بسبب مِن العبد، وإن كان هذا الافتقار مِن أعظم الأسباب، لكن ليس هو منك، بل هو الذي مَنَّ عليك به، وجرَّدك منك وأخلاك عنك، وهو الذي يحول بين المرء وقلبه) [7218] ((مدارج السالكين)) لابن القيِّم (3/126).

انظر أيضا: