الموسوعة الفقهية

المبحث الرابع: الحائض المعتادة


المطلب الأوَّل: ما تثبتُ به العادةُ في الحيضِ
تثبُتُ العادةُ في الحيضِ إذا تكرَّر ثلاثَ مرَّات؛ وهو المشهورُ مِن مَذهَبِ الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/371)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/230). ، واختاره ابنُ باز قال ابن باز: (وبعد التكرُّر ثلاثًا تكون عادَتُها، سواءٌ عشرة أيَّام، أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ أكثره) ((شرح الروض المربع- كتاب الطهارة، منقول من اختيارات الشيخ ابن باز لخالد آل حامد)) (1/316). ، وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (إنْ وافق عادةً فهو حيض، وإن لم يوافقْها فليس بحيضٍ، حتَّى يتكرَّر ثلاثة مرَّاتٍ، ثمَّ بعد ذلك يُحكَم بكونِه حيضًا). ((الموقع الرسمي لابن عثيمين- فتاوى نور على الدرب)).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ العادةَ فيما يُعتبَرُ له التَّكرارُ، أن يُعتبَرَ ثلاثًا؛ فالأقراءُ في عِدَّة الحُرَّة لا بدَّ فيها من ثلاثةِ قُروءٍ، والشُّهورُ في عدَّة الآيسةِ والتي لا تحيضُ، لا بدَّ فيها من ثلاثةِ شُهورٍ، وخِيار المُصرَّاةِ المُصرَّاة: الناقة أو البَقَرة أو الشاة يُصرَّى اللَّبنُ في ضَرعها؛ أي: يُجمَع ويُحبَس، وفسَّرها الشافعيُّ بأنَّها التي يُصرُّ أخلافِها- جمع خِلْف، وهو الضَّرعُ، أو مَقبِض يد الحالِبِ منه- ولا تُحلب أيَّامًا؛ حتى يجتَمِعَ اللَّبَن في ضَرعها، فإذا حلبها المشتري استغزَرَها. ينظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/27) (2/68). جُعِلَ له الخيارُ ثلاثةَ أيَّامٍ ((المغني)) لابن قدامة (1/230).
ثانيًا: أنَّ العادةَ لا تُطلقُ إلَّا على ما كثُر، وأقلُّه ثلاثةٌ ((المغني)) لابن قدامة (1/230).
المطلب الثَّاني: المعتادةُ إذا زاد الدَّمُ عليها أو نقَص، أو تقدَّمَ أو تأخَّر
مَن كانت لها عادةٌ، فزاد الدَّم أو نقص، أو تقدَّم أو تأخَّر، فهو حيضٌ، ومتى انقطع فهو طُهرٌ، وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/431، 432)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/113). ، واختاره ابنُ قدامة ((المغني)) (1/255). ، وابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (وكذلك المنتقِلة إذا تغيَّرت عادتُها بزيادةٍ أو نقص، أو انتقالٍ، فذلك حيضٌ، حتَّى تعلَمَ أنَّها استحاضةٌ باستمرارِ الدَّمِ). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 400)، ((مجموع الفتاوى)) (19/239). ، وابن باز قال ابن باز: (إذا كان الذي ينزِلُ بعد الطَّهارة صُفرةً أو كُدرةً، فإنَّه لا يُعتبَرُ شيئًا، بل حُكمه حُكمُ البولِ. أمَّا إن كان دمًا صريحًا، فإنَّه يعتبرُ مِن الحيض) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/214). وقال أيضًا: (لأنَّ الدورة الشَّهرية- وهي: الحيض- تَزيد وتَنقص، وتجتمِعُ أيَّامُها وتفتَرِقُ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/216). ، وابن عثيمين ((رسالة في الدماء الطبيعية للنساء)) (ص: 16)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/496، 497).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة: 222]
وجه الدَّلالة:
أنَّ الشَّارع علَّق أحكامَ الحَيضِ على وجودِه إذا لم يتغيَّرْ، والله قد بيَّن لنا الحيضَ بوصفٍ مُنضبطٍ، فما دام هذا الأذى موجودًا، فهو حَيضٌ ((رسالة في الدماء الطبيعية للنساء)) لابن عثيمين (ص: 16)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/496، 497).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أمِّ سلمةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((بَيْنا أنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مضطجعةٌ في خميصةٍ، إذ حِضتُ، فانسلَلتُ، فأخذتُ ثيابَ حَيضتي، قال: أنفِسْتِ؟ قلت: نعَمْ، فدعاني، فاضطجعتُ معه في الخَميلةِ )) رواه البخاري (298) واللفظ له، ومسلم (296).
وجه الدَّلالة:
 أنَّه لم يسألْها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ هلْ وافقَ العادةَ أو جاء قبلَها؟ ولا هي ذكرتْ ذلك، ولا سألتْ عنه، وإنَّما استدلَّتْ على الحيضةِ بخُروجِ الدَّم، فأقرَّها عليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((المغني)) لابن قدامة (1/256).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((فلمَّا كنَّا بسَرِفَ حِضتُ، فدخل عليَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنا أبكي، قال: ما لكِ؟! أنفِسْتِ؟ قلت: نعَمْ، قال: إنَّ هذا أمرٌ كتَبه الله على بناتِ آدم؛ فاقضِي ما يقضي الحاجُّ، غيرَ أنْ لا تطُوفي بالبيتِ )) رواه البخاري (294) واللفظ له، ومسلم (1211).
وجه الدَّلالة:
أنَّها علِمَت الحيضةَ برؤيةِ الدَّم لا غيرُ، ولم تذكُرْ عادة، ولا ذكَرَها لها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والظَّاهِرُ أنَّه لم يأتِ في العادةِ؛ لأنَّ عائشةَ استكرهَتْه، واشتدَّ عليها، وبَكَت حين رأتْه، ولو كانَت تعلَمُ بمَجيئه لَما أنكرتْه، ولا صعُبَ عليها ((المغني)) لابن قدامة (1/256).
ثالثًا: من الآثار
1- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (إذا رأتِ الطُّهرَ ولو ساعةً، فلْتغتسِلْ وتصلِّي ) رواه أبو داود تعليقًا بعد حديث (286)، ورواه موصولًا الدارمي (1/224) (800)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (1377)، والبيهقي (1668). قال ابن حزم في ((المحلى)) (2/167): إسناده في غاية الجلالة. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (286).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: (كانتْ تبعَث إليها النِّساءُ بالدِّرَجة الدِّرَجةُ- بكسر الدَّال وفتْح الراء-: جمع دُرْج؛ قال ابن بطال: كذا يرويه أصحابُ الحديث. وضبطه ابن عبدِ البَرِّ في الموطَّأ بضمِّ الدَّال وسكون الرَّاء، وقال: إنَّه تأنيثُ دُرْج، والمراد به: ما تحتشي به المرأةُ مِن قُطنة وغيرِها؛ لتعرَف هل بقِي من أثَرِ الحَيضِ شيءٌ أم لا. ينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/420). فيها الصُّفرةُ والكُدرةُ، فتقول: لا تَعْجلْنَ حتَّى ترينَ القَصَّةَ البَيضاءَ) رواه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزمِ قبل حديث (320)، ورواه موصولًا مالك في ((الموطأ)) (2/80) (189)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (1159)، والبيهقي (1/335) (1650). والحديث صحَّحه النووي في ((الخلاصة)) (1/233) والألباني في ((إرواء الغليل)) (198).
وجه الدَّلالة:
أنَّ معناه: لا تَعجلنَ بالغُسل، حتَّى ينقطِعَ الدَّم وتذهبَ الصُّفرةُ والكُدرة، ولا يبقى شيءٌ يخرجُ من المحلِّ، بحيث إذا دخلَت فيه قُطنةٌ خَرَجت بيضاءَ ((المغني)) لابن قدامة (1/255).
رابعًا: أنَّ الشَّارِعَ علَّق على الحيضِ أحكامًا، ولم يحُدَّه، فعُلم أنَّه ردَّ النَّاسَ فيه إلى عُرفِهم، والعُرفُ بين النِّساء أنَّ المرأةَ متى رأت دمًا يصلحُ أن يكون حيضًا، اعتقدتْه حيضًا ((المغني)) لابن قدامة (1/255).
خامسًا: أنَّ العادةَ لو كانتْ معتبرةً لبيَّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك لأمَّتِه، ولَمَا وَسِعَه تأخيرُ بيانِه؛ إذ لا يجوزُ تأخيرُ البيانِ عن وَقتِه، وأزواجُه وغيرُهنَّ من النِّساء يَحتجْنَ إلى بيانِ ذلك في كلِّ وقت، فلم يكن ليُغفِلَ بيانَه، وما جاء عنه عليه الصَّلاة والسَّلام ذِكرُ العادة ولا بيانُها، إلَّا في حقِّ المستحاضةِ لا غيرُ، وأمَّا امرأةٌ طاهِرٌ ترى الدَّمَ في وقتٍ يمكن أن يكون حيضًا، ثمَّ ينقطِعُ عنها، فلم يُذكَر في حقِّها عادةٌ أصلًا ((المغني)) لابن قدامة (1/256).

انظر أيضا: