الموسوعة الفقهية

المبحث الثَّالث: أحكام المُبتدأة


المطلب الأوَّل: المُبتدَأةُ إذا كانت مميِّزةً
المُبتدَأةُ إذا كانت مميِّزةً المميِّزةُ: هي مَن اتَّصل بها الدَّمُ، وبعضه أسوَدُ ثخينٌ مُنتِن الرَّائحة، وبعضُه أحمرُ رقيقٌ غير مُنتنٍ، فتُميِّزُ مِن دَمها ما كان أسودَ ثخينًا نتنًا، فيكون حيضًا، وما كان منه أحمرَ رقيقًا، فهو استحاضةٌ. ينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/391)، ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (1/357). ، فإنَّها تعمَلُ بالتَّمييز؛ وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/403)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/142). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/،209،206) وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/240). قال ابن رجب: (أمَّا المبتدَأة إذا استُحيضت، فإذا كانت مميِّزةً، فإنَّها تُردُّ إلى تمييزِها عند الشافعيِّ وأحمد وإسحاق). ((فتح الباري)) (1/442). ، وبه قال بعضُ المالكيَّة قال ابن العربي: (المستحاضة على قسمين: مبتدَأةٌ ومُعتادةٌ؛ وهما على قسمين: مميِّزةٌ وغير مميِّزة، فهي إذًا على أربعة أقسام: الأوَّل: مبتدأةٌ مُميِّزة... فحَيضُها مدَّة تمييزِها بشرْط ألَّا يزيدَ على أكثرِ الحَيض؛ فإن زاد على أكثَرِه لم يكن حيضًا). ((عارضة الأحوذي)) (1/209، 210)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (16/75). ، واختاره الشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (الحديث فيه دَلالة على أنَّه يُعتبرُ التمييز بصفة الدَّم، فإذا كان متَّصفًا بصفة السَّواد، فهو حيضٌ، وإلَّا فهو استحاضةٌ، وقد قال بذلك الشافعيُّ والناصر في حقِّ المُبتدَأة). ((نيل الأوطار)) (1/337). وقال أيضًا: (الجمعُ بين هذه الأحاديث ممكِنٌ، بأن يُقال: إن كانت المرأةُ مبتدَأة أو ناسية لوَقتِها وعَدَدِها، فإنَّها ترجِعُ إلى صفة الدَّمِ، فإن كان بتلك الصِّفة التي وصفها به رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو دمُ حَيضٍ، وإن كان على غير تلك الصِّفة فليس بحيضٍ). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 92). ، وابنُ باز قال ابن باز: (فإن استمرَّ معها الدَّمُ أكثر من خمسة عشر يومًا فهي مُستحاضةٌ، وعليها أن تَعتبِرَ نفسَها حائضًا ستة أيَّامٍ أو سبعةَ أيَّام بالتحرِّي والتأسِّي بما يحصُلُ لأشباهها من قريباتِها، إذا كان ليس لها تمييزٌ بين دم الحيض وغيره. فإن كان لديها تمييزٌ امتنعت عن الصَّلاة والصَّوم وعن جماعِ الزَّوج لها مدَّةَ الدَّم المتميِّزِ بسوادٍ أو نتْنِ رائحةٍ، ثمَّ تغتسِلُ وتصلِّي، بشرط: ألَّا يزيدَ ذلك عن خمسةَ عشر يومًا). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/223). , وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (المستحاضة المبتدَأة تعمل بالتَّمييز). ((الشرح الممتع)) (1/490).
الدليل من الآثار:
عن أنس بن سِيرين قال: (استُحيضَت امرأةٌ مِن آل أنسٍ، فأمروني فسألتُ ابنَ عبَّاس، فقال: أمَّا ما رأتِ الدَّمَ البحرانيَّ الدَّم البحرانيُّ: الدَّم الخالصُ الشَّديد الحُمرة، كأنَّه قد نُسِبَ إلى البحر، وهو اسمُ قعر الرَّحم، وزادوه في النَّسَبِ ألفًا ونونًا للمبالغة، وقيل: نُسِبَ إلى البحر؛ لكثرتِه وسَعته. ((النهاية)) لابن الأثير (1/99)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/36). ، فلا تُصلِّي؛ فإذا رأت الطُّهرَ ولو ساعةً من نهارٍ فلتغتسلْ ولتُصَلِّ) رواه أبو داود تعليقًا بعد حديث (286)، ورواه موصولًا الدارمي (800)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (1377)، والبيهقي (1668). قال ابن حزم في ((المحلى)) (2/167): إسناده في غاية الجلالة. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (286).
المطلب الثَّاني: المُبتدَأةُ إذا كانت غيرَ مميِّزة
المبتدَأةُ إذا كانت غيرَ مميِّزة ترَدُّ إلى غالب عادةِ نساءِ أهلِها واشترط بعضُهم ألَّا يزيد الدَّم عن خمسة عشرَ يومًا. ، وهو المشهورُ في مذهَبِ الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/365)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/206، 207). ، ووجهٌ عند الشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/143)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/343). ، واختاره ابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (المستحاضة تُردُّ إلى عادَتِها، ثم إلى تمييزِها، ثم إلى غالِبِ عادات النِّساء، كما جاء في كلِّ واحدة من هؤلاء سُنَّة عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((مجموع الفتاوى)) (19/239). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ عن المُبتدأة: (فإنْ لم يتميَّزْ لها، وذلك بأن يخرُجَ على صِفات مختلفة، أو على صفةٍ ملتبِسةٍ، رَجَعت إلى عادةِ النِّساء القرائب، فإنِ اختلفت عادتهنَّ فالاعتبارُ بالغالب منهنَّ، فإن لم يوجَدْ غالب، تحيَّضت ستًّا أو سبعًا، كما أمرها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 92). وقال أيضًا: (الجمْعُ بين هذه الأحاديث ممكِنٌ، بأن يُقال: إنْ كانت المرأةُ مبتدَأةً أو ناسية لوَقتِها وعَدَدِها، فإنَّها ترجِعُ إلى صِفة الدَّم، فإن كان بتلك الصِّفةِ التي وصَفها به رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو دمُ حَيضٍ، وإن كان على غير تلك الصِّفةِ فليس بحيضٍ). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 92). ، وابن باز قال ابن باز: (فإن استمرَّ معها الدَّم أكثر من خمسةَ عشرَ يومًا، فهي مستحاضة، وعليها أن تعتبر نفسها حائضًا ستَّة أيَّام أو سبعة أيَّام بالتحرِّي والتأسِّي بما يحصل لأشباهها من قَريباتها إذا كان ليس لها تمييزٌ بين دم الحيض وغيره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/223). , وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (فإنْ لم يكن لها تمييزٌ عمِلت بغالب عادة النِّساء، فتجلس ستَّة أيَّام أو سبعة من أوَّلِ وقتِ رأت فيه الدَّم). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (1/490).
الدليل مِن السُّنَّةِ:
عن حَمنةَ بنت جَحش رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كنت أُستحاضُ حيضةً شديدةً كثيرةً، فجئتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أستفتيه وأُخبِرُه، فوجدتُه في بيتِ أُختي زينب بنت جَحش، قالت: فقلت: يا رسولَ الله، إنَّ لي إليك حاجةً؛ فقال: وما هي؟ فقلتُ: يا رسولَ الله، إني أُستحاضُ حيضةً كثيرةً شديدةً، فما ترى فيها؛ قد منعتْني الصَّلاةَ والصِّيام؟ قال: أنعَتُ لك الكُرسُفَ؛ فإنَّه يُذهِبُ الدَّم، قالت: هو أكثرُ من ذلك. قال: فتلجَّمي. قالت: إنَّما أثجُّ ثجًّا، فقال لها: سآمُرُكِ بأمرينِ أيَّهما فعلتِ، فقد أجزأ عنكِ مِن الآخَرِ، فإنْ قويتِ عليهما فأنتِ أعلمُ؛ فقال لها: إنَّما هذه ركَضةٌ من رَكَضات الشَّيطانِ، فتحيَّضي ستَّة أيَّامٍ أو سبعةً في عِلم اللهِ، ثمَّ اغتسلي حتَّى إذا رأيتِ أنَّك قد طَهُرتِ واستيقَنتِ واستنقَأتِ، فصلِّي أربعًا وعشرينَ ليلةً، أو ثلاثًا وعشرينَ ليلةً وأيَّامَها، وصومي؛ فإنَّ ذلك يُجزِئُك، وكذلك فافعلي في كلِّ شهرٍ، كما تحيضُ النِّساءُ وكما يطهُرنَ، بميقات حَيضِهنَّ وطُهرِهنَّ، وإن قَويتِ على أن تؤخِّري الظُّهرَ وتُعجِّلي العَصرَ، فتغتسلينَ ثمَّ تُصلِّينَ الظهرَ والعصرَ جميعًا، ثمَّ تؤخِّرينَ المغرِبَ وتُعجِّلينَ العِشاءَ، ثم تَغتسلينَ وتجمعينَ بيْن الصَّلاتينِ، فافعلي، وتغتسلينَ مع الفجرِ وتُصلِّين، وكذلك فافعَلي، وصلِّي وصومي إن قَدَرتِ على ذلك، وقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وهذا أعجبُ الأمرينِ إليَّ )) رواه أبو داود (287)، والترمذي (128)، وابن ماجه (622)، وأحمد (6/439) (27514). قال الإمام أحمد والبخاريُّ والترمذيُّ كما في ((سنن الترمذي)) (128): حسن صحيح، وصححه النووي في ((المجموع)) (2/533)، وقال محمَّد ابن عبد الهادي في ((المحرر)) (81): صحَّحه أحمد بن حنبل، وحسَّنه البخاري.
وجه الدَّلالة:
أنَّ قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فافعلي في كلِّ شهرٍ كما تَحيض النِّساء وكما يَطهُرنَ، بميقاتِ حَيضِهنَّ وطُهرِهنَّ)) ما يدلُّ على أنَّ غيرَ المميِّزة تُردُّ إلى غالِبِ عادة النِّساء ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/327).

انظر أيضا: