الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّاني: أقلُّ مدَّة الحيض


لا حدَّ لأقلِّ مدَّة الحيض؛ وهذا مَذهَبُ المالكيَّة قال الدردير: (وأمَّا باعتبار الزَّمن فلا حدَّ لأقلِّه، وهذا بالنِّسبة إلى العبادة، وأمَّا في العدَّة والاستبراء فلا بدَّ من يومٍ أو بعضه). ((الشرح الكبير)) (1/168)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/210). ، وقول بعض السَّلف قال ابن رجب: (وقالت طائفةٌ: لا حدَّ لأقلِّه- أي: الحيض- بل هوَ على ما تعرفه المرأة مِن نفسها، وهو المشهور عن مالك، وقول أبي داود، وعليِّ بن المديني، ورُوي عن الأوزاعيِّ أيضًا) ((فتح الباري)) (1/516). ، وهو قول ابن المُنذِر قال ابن المُنذِر: (أقلُّ الحيض عند كثير من أصحابنا يوم وليلة، وأكثره خمسَ عشرةَ، والذي يلزم في ذلك الموجود في النِّساء، كان أقلَّ ممَّا قُلته أو أكثرَ). ((الإقناع)) (1/74). , وابن حزم قال ابن حزم: (أقلُّ الحيض دَفعة... متى رأت الدَّم الأسود فهو حيض، ومتى رأت غيره فهو طُهر). ((المحلى)) (1/405). ، وابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (من ذلك اسمُ الحيض؛ علَّق اللهُ به أحكامًا متعدِّدة في الكتاب والسُّنة، ولم يُقدِّر لا أقلَّه، ولا أكثرَه، ولا الطُّهرَ بين الحيضتين، مع عمومِ بلوى الأمَّة بذلك، واحتياجِهم إليه، واللُّغةُ لا تُفرِّق بين قدْرٍ وقدْرٍ، فمَن قدَّر في ذلك حدًّا فقد خالف الكتاب والسُّنة). ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (19/240). وقال أيضًا: (ولا يتقدَّر أقلُّ الحيضِ ولا أكثرُه، بل كلُّ ما استقرَّ عادةً للمرأةِ، فهو حيض وإن نقص عن يومٍ، أو زاد على الخمسة أو السَّبعة عشر). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 400). ، وابن القيِّم قال ابن القيِّم: (لم يأتِ عن اللهِ ولا عن رسولِه ولا عن الصَّحابةِ تحديدُ أقلِّ الحيض بحدٍّ أبدًا، ولا في القياسِ ما يقتضيه) ((أعلام الموقعين)) (1/297). ، والشوكانيِّ قال الشوكانيُّ: (لم يأتِ في تقديرِ أقلِّه وأكثَرِه ما تقوم به الحُجَّة، وكذلك الطُّهرُ). ثمَّ قال: (ما ورد في تقديرِ أقلِّ الحيض والطُّهر وأكثَرِهما: إمَّا موقوفٌ ولا تقومُ به حجَّة، أو مرفوعٌ ولا يصحُّ؛ فلا تعويل على ذلك، ولا رجوعَ إليه). ((الدراري المضية)) (1/67). ، وابن باز قال ابن باز: (الأقرب أنه لا يُحدُّ لأكثرِ الحيض ولا لأقلِّه). ((اختيارات الشيخ ابن باز)) (1/310). ، والألبانيِّ قال الألبانيُّ: (لا حدَّ لأقلِّه ولا لأكثرِه، بل ما رأتْه المرأة عادةً مستمرَّة، فهو حيضٌ، وإن قدِّر أنَّه أقلُّ من يوم استمرَّ بها على ذلك فهو حيضٌ، وأمَّا إذا استمرَّ الدَّم بها دائمًا، فهذا قد عُلِم أنَّه ليس بحيضٍ؛ لأنَّه قد عُلم من الشرَّع واللُّغة أنَّ المرأة تارةً تكون طاهرًا، وتارةً تكون حائضًا، ولطُهرِها أحكامٌ، ولحَيضِها أحكامٌ). ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (3/609). ، وابن عثيمين ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/300).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة: 222]
وجه الدَّلالة:
أنَّه علَّق الحيضَ على معنًى محسوسٍ؛ فمتى ما وُجد، تعلَّقَ الحُكمُ به ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/300).
ثانيًا: أنَّ هذه التَّقديراتِ التي ذكرها مَنْ ذكَرَها مِن الفقهاءِ، لو كانت ممَّا يجِبُ على العبادِ فَهمُه والتعبُّدُ لله به؛ لبيَّنها الشارعُ بيانًا ظاهرًا لكلِّ أحدٍ؛ لأهميَّة الأحكامِ المترتِّبة على ذلك؛ من الصَّلاةِ والصِّيام، والنِّكاحِ والطَّلاقِ، والإرثِ، وغيرها من الأحكام، فلمَّا لم توجَدْ هذه التَّقديراتُ والتَّفصيلاتُ في كتابِ الله تعالى، ولا في سُنَّة رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- تبيَّنَ أنْ لا تعويلَ عليها، وإنَّما التعويلُ على مسمَّى الحيضِ الذي عُلِّقَت عليه الأحكامُ الشرعيَّة وجودًا وعدمًا ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/301).
ثالثًا: أنَّ الحيضَ نوعٌ من الحدَث، فلا يتقدَّرُ أقلُّه بشيءٍ كسائر الأحداثِ ((المبسوط)) للسرخسي (3/136).

انظر أيضا: